أقلام حرة

الذات الثائرة !!

صادق السامرائيالذات البشرية الخالية من الثورة لا تنتمي للحياة، لأن الحياة ثورة، فما دامت الحياة في جريان صاخب ومتواصل فأنها ثورة دائبة، ولا يمكن فصل الثورة عن الحياة، لأن في ذلك خنق لها وحرمان من هواء البقاء وطاقات الأمل والرجاء.

والذين يريدون مصادرة الحياة  يطهرون الذات البشرية من الثورة، ويحيلونها إلى وجود خامل خامد يكون التفاعل معه على أنه جماد ولا يمكنه أن يستجيب وفقا لرؤاه، وإنما يجيد الخضوع والإستسلام والنكوص والإنحدار في مجاري الضياع.

ومن سياسات الإستقرار والسكون، وإفراغ الذات العربية من الثورة بمعانيها الكاملة، بواسطة مشاريع وتدابير محكمة أدّت إلى إخماد أي بصيص للثورة في الأعماق العربية.

وقد لعبت الأنظمة الإستبدادية دورا رئيسيا في برامج التفريغ الثوري وتحطيم الإرادة، وسحق الوجود والكيان وضرب الإنسان بالإنسان، وتمزيق الوحدة والتفاعل الإيجابي مع أبناء البلد الواحد.

ومَن يتأمل ما جلبته الأنظمة الفردية، يدرك أنها قد حولت الوجود العربي إلى رماد، وخنقت الناس بدخان إرادتهم المسجورة في تنور الأوطان، وما تمكنت من صناعة التقدم وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم.

وإنما إنجازاتها حروب وخراب وسلوكيات إستبدادية وتفاعلات مشينة تتمثل بالتحزبية والطائفية والفئوية، التي قيّدت التطلعات وكبّلت الأجيال ببعضها وأٌوقعتها في ورطة تدمير بعضها، كما بنت السدود العالية والموانع القاسية لكي تبعد الأجيال عن مناطق مصالحها وهيمنتها وإستئثارها بالثروات ونعيم الحياة.

وهناك ما لا يحصى من المشاريع لإخماد الثورات الذاتية في نفس الإنسان وميادين أعماقه المتوهجة المتوثبة، ومن أقبحها القتل والسجن والتعذيب والتحطيم الكامل للكيان، وفي هذه المشاريع يكون إبن البلد هو الفاعل والمفعول به، هو الحاكم والمحكوم، هو الجلاد والضحية، هو السارق والمسروق وهو القاتل والمقتول.

أحزاب تفتك ويُفتك بها، وكراسي تظلم ويقع عليها ظلمها، حتى صار الوجود الإجتماعي حالة مرعبة مضطربة متحرقة للإنهيارات والتداعيات الصعبة ، فرأينا وسمعنا ما لا يمكن لعقل أن يتخيله من بشاعات السلوك والتفاعلات ما بين أبناء الوطن المقهور.

والعنف القائم في هذه المشاريع الإخمادية  يتحقق بواسطة أنظمة فردية مستبدة، يتم إسنادها وإبقاؤها في مواقعها إلى أقصى ما يمكنها من الوقت، وتُحسب أعمارها السلطوية بعقود، وتنسى بأن الحياة نهر يجري وأن هذه السدود التي أقامتها لإخماد الثورات البشرية ستتهاوى وتعجز أمام تواكب أمواج التيار وتنامي عزمه وقوته.

وما وعت تداعي سدود الإستبداد المقامة أمام نهر الجماهير الصاخب وما إستطاعت إخماد ثورات جمع الأجيال، وتبين أن سياسات إخماد ثورات الذات الثائرة فاشلة وخاسرة ومكلفة جدا، لما تسببت فيه من إنبعاجات غير محسوبة وتفاعلات لا تخطر على بال.

وينسى أصحاب تلك المشاريع أن الأمم الحية لا يمكن إخماد ثوراتها وإنما تراكمها وتأجيلها، وهذا ما يحصل في بلاد العرب اليوم حيث تم ترحيل ثورات الأجيال إلى الجيل المعاصر، مما أدى إلى إنبثاق ثورات ذات مواصفات الإمتداد والتفاعل مع الأجيال السابقة، وتكتنز طاقات ذات قوة إنفجارية عالية لا يمكن الوقوف أمامها ومعالجتها.

ولا يُعرف إذا ما تم إبتكار مشاريع جديدة لخوض معركة إخمادٍ أخرى تحقق المصالح في القرن الحادي والعشرين، لكن المعروف أن الثورة الذاتية تبقى فاعلة ومؤثرة ومؤجلة وتتراكم وتعبّر عن وجودها مهما تفاقم القهر والمنع وتكالبت الأطماع.

فالحياة ثورة والبشر الحي ثائرٌ أبدا، وإرادة الشعب الثائر تنتصر حتما!!

وعاش الشعب ويحيا الوطن!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم