أقلام حرة

مواسم الفتن.. متوالية الرعب العراقي

حسن خليل حسنعلى عكس معظم الاوطان التي تتعدد فيها الطوائف والملل والقوميات اصبح العراق مصيدة لمخططات اعداءه لبث فتنةٍ ما لكل جيل وبتراتب وتكرار في كل عقد من الزمان.

ففي كل 10 اعوام تقريباً تتجدد فتنة عميقة تحول حماس العراقيين من صناعة وطن بهمتهم العالية الى اصطفافات وتناحر .. المشكلة ان العراقيين لم يتعلموا بعد من دروس الماضي.

فبين 1980 و1988 حرب اكلت اليابس والاخضر واذا سألت احدهم عنها قال بسبب شط العرب الذي قتلناه وقتله جارنا بالإهمال قبل ان تقتل بنيه حرب الثالوك.

وفي 1991 -2001 حرب كلام وتحدي فارغ قاد لانهاك جيش عملاق وتسبب بجوع شعب كانت الناس تضرب فيه الامثال لكرمه المُعجز وعطاياه الفريدة.

وبين 2004-2009 حرب دافئة بين الكيانات والاصطفافات والقوميات بداعي التفرقة، تنامت وبلغت ذروتها عام 2006 بعد تفجير الامامين العسكريين (عليهما السلام)، تلك النقطة الفارقة التي فتحت حرب الكلمات والشحناء والاعتداءات المسلحة فيما بعد.

ولعل تلك الحادثة اسست لأعتى ريح حقد سوداء في النسيج العراقي، اذ مهدت لصناعة داعش ووسعت من مداخل الارهاب من دول الجوار، وعززت من التسلح لغرض الدفاع والتحرير على الجانب الاخر.

اذ اصبح  تهديم ومهاجمة الامكنة المقدسة للرموز والشخصيات الدينية وتضخيم الحدث عبر تفخيخ مواقع الاعلام اللامتناهية من اشهى وجبات الاعداء لمسلسل الفتن.

اليوم ومع درس الانتفاضة الاكتوبرية الاخيرة لم يرق للاعداء ان يثبتوا جدارتهم في ارغام الحكم الظالم على تغيير شيء من نهجه الارعن، فما مر سوى شهر على الانتفاضة الشعبية حتى بدأ التخطيط لدق اسفين الفرقة بين احشاء الصف الواحد من قبل خبراء الفتن وسماسرة  التفرقة.

وبالرغم من ضمانة كره العراقيين للتخندق والمذهبية الا ان تراكم الاحداث لاربعين عاماً لم يصنع رأياً ناضجاً وقناعة حكيمة لدى البعض لتلافي تكرار اخطاء الانجرار الى الفتنة والحماسة للاصطفافات الجديدة.

ومع تكرار سيناريو الاحداث الفتنوية في تاريخ بلدنا المعاصرة فان خلاصة استقراءها يُثبت ان هنالك بيئة مواتية لإشعال الفتن بين الانتماءات الدينية وبشكل اقل بين الاصطفافات الاخرى، هذه الحقيقة مرعبة الى الحد الذي بدأت تهدد كيان الاسرة العراقية الواحدة، مما يهدد تعايش الامة العراقية التي تتسع افقياً باعداد سكانها المحرومين من نِعم الشعوب الاخرى، بينما تتراجع رأسياً في كشف ما يُحاك لها لسيادة وسائل الخداع واستغلال متلازمة ضعف القراءة وتصديق كل ما يرد من اخبار.  

فما يرهق العراق اكثر الفتنة الرقمية بين ابناءه فالاحداث تتضخم في المواقع الالكترونية وتتمدد وتتجذر بشكل سرطاني رهيب، مرةً بداعي عدم المبالاة بالتصريحات التي تُشعل الفرقة وتارةً بالجهل الذي يتسبب بنقل الاخبار المفبركة، وهكذا استطاع المغرضون نشر فتيل الازمات الجماهيرية داخل هاتف كل شخص بدلاً من الجبهات الحربية العريضة .

ففي فضاء الصورة والفيديوهات وعدوى الرسائل الموجهة لا تحتاج سوى ساعات قليلة لتضخم خبر صغير لتخلق ازمة او لتصنع منه نواة لحدث اكبر.

فهل لدى العراقيين حلم يكفي لمواجهة المؤامرات

وهل لتجارب الامس درس لمن القى السمع وهو شهيد.

 

د. حسن خليل حسن

 

في المثقف اليوم