أقلام حرة

بغداد وأميركا

سارة طالب السهيلالأزمة الخانقة التي تمر بها العراق هي بالأساس اقتصادية، وترجع في أحد أسبابها إلى فساد مستشري في قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة، مدعوم من بعض رجالات العهد السياسي الجديد الذي استولى على مفاصل الدولة بحماية أمريكية سافرة، وتدخل فظ من الادارة الامريكية في كافة مناحي الحياة في العراق، ما أدى إلى فشل الحكومات المتعاقبة في وقف النزيف الاقتصادي الذي يتبعه تدهور أمني وفشل الطبقة السياسية في إدارة البلاد.

فما ان خطت الحكومة العراقية تجاه الانفتاح على المارد الصيني والهندي، في مسعى للنهوض باقتصاد البلاد، وتلبية احتياجات مواطنيها حتى نشبت الصراعات واندلعت المظاهرات، التي تؤكد بعض المؤشرات على دعم أمريكي لبعض من قيادات الحراك في العراق (رغم عفوية ٩٠٪؜ من المتظاهرين الذين ليس لهم اي اجندات سوى حقوقهم في وطن مسلوب)، ولعلنا نذكر ما حدث عندما ابرم العراق والصين في العام 2015 اتفاق حزام الحرير، الذي اعتمد مبدأ النفط مقابل الاعمار والتنمية، فقد توقف هذا المشروع بفعل التوتر السياسي والامني بالعراق حينذاك .

وفي سبتمبر الماضي أعيد طرح المشروع مجددا، حيث وقعت الحكومتان العراقية والصينية في بكين، ثماني اتفاقيات ومذكرات تفاهم، منها مذكرة تفاهم لإعادة الإعمار الاقتصادي، وأخرى تتعلق بمجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والفني وتطوير البنية للمواصلات والاتصالات والسكن والطاقة والصرف الصحي.

هذا التوجه العراقي نحو بكين أثار غضب الولايات الامريكية التي أعلنت حربا اقتصادية ضروس ضد الصين، ما يجعلها تقف بالمرصاد أمام امكانية استفادة الصين من النفط العراقي، مقابل قيامها باعادة الاعمار في البلاد، لما يمثل من استقلال للقرار العراقي وهذا ما تحاربه الادارة الامريكية بقوة، معتبرة أن التعاون العراقي مع بكين يشكل حرجا بالغا لامريكا.

ولقد لاحظنا دعم جهات أمريكية لإشعال المظاهرات بالشارع العراقي، مع ابراز الشكوك بشأن سيطرة الصين على النفط العراقي واستغلال حاجة البلاد التنموية في الحصول علي سعر ثابت لبرميل النفط خلال عشر سنوات قادمة، علما بان اسعار النفط متذبذبة بين الارتفاع والانخفاض، مما يخشى منه ان يخسر العراق كثيرا حال ثبات سعر النفط المباع للصين.

اعتقد ان الحكومة العراقية وهي تتحدى النفوذ الامريكي على ارضها لا يمكن ان تقع في مثل هذا الفخ وتحدد سعرا ثابتا لبرميل النفط، خاصة وانها مستهدفة من تيارات مختلفة توجه سهام النقد بلا هوادة.

ومعلوم أن العراق يحتاج الى حوالي 88 مليار دولار لتطوير البنية التحتية، فضلا عن المليارات اللازمة لاقامة المشروعات الاستثمارية التي تمتص بطالة الشباب في البلاد وتعيد بناء الاقتصاد الوطني مجددا.

لو تخيلنا حجم الأعمال بين العراق والصين الذي سيتجاوز الـ 500 مليار دولار خلال سنوات العشر المقبلة، فأي نهضة اقتصادية يمكن تحقيقها بالعراق؟ .

وانطلاقا من تجربة العلاقات بين البلدين الممتدة لأكثر من ستة عقود شهدت تعاونا مثمرا، ووقفت بكين بجانب العراق في أزماته وكانت من اكبر المساهمين في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي انقذ العراقيين من ويلات العقوبات الامريكية، يمكن التأكيد على أن مصلحة العراق تكمن في تطوير وتعميق تلك العلاقات وتنفيذ وتوسيع هذه التعاقدات التي أرى أنها ستفتح الباب لتنشيط السوق العراقي والاستفادة من الخبرة الصينية في التصينع والتجارة معا.

 و يهمني أن أؤكد على أن هذا لا يلغي شرعية التظاهرات السلمية من الشعب المطحون الذي يطالب بكل عفوية بحقوقه المهدورة في اجواء الفساد المتراكمة، و في ظل سياسات حكومية اغلبها مرتبكة تفتقد لأي حس وطني و توازن اجتماعي .

 

سارة السهيل

 

في المثقف اليوم