أقلام حرة

برانويا الكراسي!!

صادق السامرائيالبرانويا هي الشك الشديد، وهي حالة مرضية تعصف بالعقول والنفوس وتدمر الذات والموضوع، ويكون البشر مؤهلا للإصابة بها عندما يتمكن من الجلوس على كرسي الحكم والتسلط على الآخرين من حوله، خصوصا في المجتمعات التي تدين بالولاءات الفردية، والتي تمكن الأفراد منها التحكم بزمام أمور البلاد والعباد، من غير رادع أو رقيب أو مساءلة قانونية ودستورية.

والواقع الأليم الذي ترزخ تحته العديد من المجتمعات تنبثق تداعياته من سطوة البرانويا على وعي الشخص الذي في الحكم، إذ يتملكه الشك بأقرب الناس إليه، ويدفعه لقتل الآخر والفتك به مهما كانت درجة قرابته أو علاقته به، وقد قرأنا عن قتل ذوي الكراسي إخوانهم وأبنائهم لأنهم تحسسوا فيهم نوايا السطوة على الكرسي وإزاحتهم منه.

وهذه مشكلة سلوكية بشرية معروفة على مر العصور والأزمان، ولها تداعياتها وتفاعلاتها المريرة القاسية التي ألقمت الشعوب الويلات تلو الويلات.

وفي العديد من الدول تلعب آفة البرانويا الكرسوية دورها المروع في التفاعل ما بين السلطة والمواطنين، فتذيقهم الأمرّين وتساهم في العزلة ما بينهما والإبتعاد عن بعضهما، حتى تتحقق الكارثة وتسفك الدماء ويأتي مَن يؤدي ذات الدور، ويجلس على كرسي التسلط على الشعب، ويمضي مأخوذا بالبرانويا الموجعة، التي تفقده النوم وتجعله متحفزا للإستجابات الإنعكاسية القاسية.

وهذه العلة قد وعتها المجتمعات التي تمكنت من بناء أنظمة حكم متوازنة، تعلمت فيها أن توزّع مراكز القوة وتمنع جماح التفاعلات البارانوية، وتضبط السلوك بقوانين ودستور يحافظ على التواصل الإيجابي ما بين مراكز القوى الفاعلة في البلاد.

وبهذه الوسيلة إستطاعت أن تلغي الشكوك أو تضعفها وتقلل من دورها وأهميتها في صناعة القرار، فتمكنت من بناء بلدانها وتداول السلطات بإنسيابية وسلمية، وقدرة على العطاء والتقدم وتوجيه الطاقات نحو القوة والنماء الإقتصادي والمعرفي والتكنولوجي، فسادت وتمكنت من بسط نفوذها على الحياة المعاصرة.

وبقيت المجتمعات المتأخرة في دوامة السلطات المزروعة بالشك والخالية من الطمأنينة والأمان، والتي يشيع فيها الفساد والإفساد، والعمل بموجب آليات إستحواذية إبتزازية وقهرية تسلب المواطن حقوقه وتخرب دياره، وتجعله مرهونا بقيود الحرمان من الحاجات.

ولكي تتقدم تلك المجتمعات عليها أن تحرر الكراسي من عاهة البرانويا، وتشافيها من السلوكيات الناجمة عنها، والتي تحطم وجودها الذاتي والموضوعي، وتدفع إلى الخسران والعمل بالتضليل والبهتان.

فهل من كرسي جدير؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم