أقلام حرة

ضباط الدمج والضباط الرفاق

يبدو لي ان الحكومة الحالية برعاية دولة القانون معجبة بتجارب النظام السابق واستنساخها كتجربة ترقية النواب الضباط من الرفاق البعثيين الى ضباط،اعجبت هذه التجربة الصدامية حكومتنا الديمقراطية راعية القانون مما حدا بها الى استنساخها  بتجربة (ضباط الدمج)، وهذا يعني ان كل من ينتمي الى حزب او عصابة يدمج في الجيش العراقي، يعني ياسيادة رئيس الوزراء المحترم هل تقبل ان يكون (علاوي دكدكه وسنفور ابو الطيور) نقباء في الجيش العراقي الباسل واقسم بالله لم يعبروا مرحلةالدراسة المتوسطة وغيرهم المئات، وهل تقبل ياراعي دولة القانون ان يمنح شخص خريج معهد صحة رتبة (لواء) في الشرطة وهو لم يرَ او يشاهد كلية الشرطة او الجيش (اعتقد تعرفه لاحاجة لذكره فهو منتمي لقائمتك)، وهل تعلم ياسيادة القانون ان ضباط الدمج جلهم لم ينهوا مرحلة الدراسة المتوسطة والغريب في الموضوع ان  هناك بورصة للرتب يعني على سبيل المثال تريد ان تصبح (ملازم اول)هل تعلم ياابو اسراء  الثمن ب (4500 دولار) ورتبة نقيب بـ (6500 دولار) الفرق بين رتبة واخرى (2000 دولار) واذا تريد جملة يكون ارخص، الذي آلمني ان الثمن بخس جدا جدا، وفي نفس الوقت كان لي صديق ضابط في زمن النظام السابق وخريج الكلية العسكرية لكنه استقال من الجيش عندما فتح المقبور باب الاستقالة لمدة شهر للضباط، فاستغل هذا المسكين الفرصة وقدم الاستقالة كونه لايريد ان يخدم النظام وبنفس الوقت كانت عليه مؤشرات امنية  ومضايقات لانه رجل متدين، فقبلت استقالته رغم المحاذير، وفي هذا الزمن الديمقراطي اراد ان يسترجع حقوقه فطرق كل الابواب فلم يفتح له اي باب سوى باب(علاوي دكدكة) فذهب الى النقيب علاوي دكدكة وترجاه بان يقلل المبلغ لكنه رفض و قال له اسعارنا ثابته غير مرتبطة بسعر برميل النفط، فانا لله وانا اليه راجعون .

 

  يبدو ان عقلية  الساسة العرب وخاصة العراقية منها ممنهجة على المغالطات و مكورة داخل اطار المصلحة الدنيوية الدنيئة فلاوجود للقيم النبيلة والاخلاق ولاوجود لأي معنى مؤثر بعقليتهم سواء كانت القيم والاخلاق المنزلة من دساتير السماء ام من المدرسة الانسانية.

التناقضات تملأ عقولهم بل هيكلية خلايا الدماغ للحاكم العربي مبنية على اساس التجاذبات مع من يمدح الحاكم ويجعل راسه يلامس السماء، ويتعاكس هذا الدماغ الى حد القتل مع من يختلف معه حتى لو كان هذا الاختلاف مجرد بوجهات النظر، فأما ان تكون معي فتسلم رقبتك من يدي وينالك من فيض مالي ماتحب او ضدي فتصبح مجنون او خارج عن القانون. الطواغيت على مر العصور وباختلاف  سلوكياتهم تجدهم يشتركون بصفة واحدة وهي(الأنا) وتعني أنا فوق الجميع انا القانون انا الدستور انا يد الخير راعي المال انا المفكر العظيم انا الثائر انا المحرر أنا الملك، وهؤلاء الطواغيت يعشقون الشعارات الكبيرة التي لاتمس واقع المواطن العربي المسكين لامن قريب ولا من بعيد فشعار (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) تعني للمواطن المسكين امة عربية مفككة ذات رسالة حارقة، وشعار (كلا  كلا امريكا) تعني تحت الطاولة نعم نعم امريكا و(كلا كلا اسرائيل) ومئات الكلات البهلوانية والنعمات الكارتونية المقيتة التي انتفخت بها البطون العربية والعراقية الخاوية.

 لقد عرف هؤلاء الطغاة كيف يتعاملون مع العقل العربي ونجحوا  في تكوين( دولة البداوة) وتفننوا بالخطاب السريالي، فتارة تجدهم يمجدون بحضارة عمرها الاف السنين وتارة اخرى تجدهم يلهثون وراء دول الغرب ليستوردوا ابسط متطلبات الحياة كما عرف هؤلاء الطغاة كيف يستخفون بعقولنا مرة بشد الهمم وتحريك المشاعر نحو مقدساتنا ليس لغرض الدفاع عنها بل من اجل تحقيق الرمزية المتفخرة والمتفجسة،فكل خطاباتهم تكون مفرغة عن المضمون بل هي مجرد عناوين كبيرة ليس لها اي مدلول يلامس الواقع فلا ارقام تذكر ولاتواريخ تحدد ويبقى الخطاب يدور مابين التهديد والوعيد ويكون الضمير نحن هو الفاعل وانتم ايها الشعب هو المجهول.

 

نحن  الشعوب العربية والعراقية خاصة نصنع الطواغيت بايدينا عندما  نحني ظهورنا ونجعلها مركبة مسيرة من قبلهم ونعطل حواس ادمغتنا و لانرى الا مايراه الحاكم الافرد او الحزب الافرد، طواغيت العالم الثالث دائما يحاولون تعقيد المشهد السياسي امام الشعوب كي تبقى هذه الشعوب في دوامة  وتعيش هالجة عله يتحقق الحلم الموعود كما هو حال الشعب العراقي الان، كان الشعب يعيش على امل نهاية الحرب الطاحنة مع دولة ايران وتحقق الحلم  وانتهت الحرب والخاسر هو الشعب العراقي والمنتصر الطاغية صدام باستمرار بقائه في السلطة ثم ما ان سحب هذا الشعب انفاسه  واعاد تنظيم خلايا الدماغ للخلاص من الطاغية زجه بحرب الخليج وانتهت الحرب والخاسر كالعادة هو الشعب العراقي والطاغية هو المنتصر وجاءت فترة الحصار وبقي الشعب يحلم بالخلاص من الحصار ومن صدام وتحقق الحلم وتخلص الشعب من صدام ومن الحصار ودخلت امريكا العراق بهدف تحقيق الديمقراطية واشتعلت  الحرب الطائفية وجائت الفرصة  الذهبية لطواغيت الدول العربية  للقضاء على الشعب العراقي فجيشوا جيوش الارهاب بالخطاب الكارتوني بحجة محاربة امريكا وهؤلاء الاغبياء من الارهابيين الذين دخلوا العراق بحجة محاربة امريكا اثبتوا بالدليل انهم (حمير)والدليل ان الحمير في جبال كردستان نتيجة الضغط عليها بالعمل الشاق تقوم برمي نفسها وتنتحر من اعالي الجبال لتتخلص من الحياة وهذه صورة واقعية بل الحمارالمنتحر باعتقادي ارفع من هؤلاء الارهابيين الذين يفجرون انفسهم ويقتلون الابرياء فالحمار في جبال كردستان عندما ينتحر يقتل نفسه ولا يقتل الاخرين.

 

وجائت تجربة الانتخابات والائتلافات والمحاصصات وبدلا  ماكان الشعب يعيش بنفق واحد مرعب دخل الشعب بمجموعة انفاق لايعلم اي طريق يؤدي للخروج منها، وتغير حلم الشعب فبدلا من حلم الخلاص من الطاغية اصبح حلمه الحفاظ على الارواح من الابادة الجماعية (ولابد ان نشير بان الطاغية  الافرد استُبدل بمجموعة احزاب تصعد الى هرم السلطة عن طريق الانتخابات) وهذ ه المكونات اذا توافقت فيما بينها بمنطق الائتلاف سوف تكون مكون لايمكن الاطاحة به وهذه هي اللعبة الديمقراطية بظاهرها العام المتلفز وباطنها الدكتاتوري الاقتم.

 

واستبدل الخطاب الموجه الى الشعب العراقي واصبح ينطلق من مفهوم ديمقراطي بالمعنى العام، ولكن هل تغيرت عقلية الحاكم بملامسة الواقع الذي يعيشه الفرد العراقي هل استشعر بهمومه، الجواب من ارض الواقع ولايحتاج الى شرح فهموم المواطن العراقي لاتحصى البطالة مستشرية والخدمات دون مستوى الصفر والسياسة الاقتصادية للبلد لاتتجه نحو رفاهية الفرد  والفساد الاداري مستشري وهذه حقائق لازالت سارية على الارض.

 

اصل الموضوع هو ان الخطاب الموجه من هرم السلطة العراقية الى الشعب  بعد انطلاق الثورة الديمقراطية لازال مستنسخ لخطاب الدكتاتور الافرد،  طالما ان هذا الخطاب لايلامس الواقع ويحكي عن عموميات بعيدة كل البعد عن معاناة الشارع العراقي، متى ما كان الحاكم وأعني كل من يشغل مسؤولية في هرم السلطة يعيش اقتصاديا كما يعيش اي موظف بدرجة جيدة لانقول بدرجة متوسطة ويستبدل الخطاب السياسي بخطاب اقتصادي واقعي ضٍمن برنامج علمي مقيد بتواريخ عندها يكون هذا الحاكم قد انطلق من مفهوم ديمقراطي صحيح.

 

الخطاب الاخر والمسؤولية الكبرى تكون على عاتق الجماهير من خلال صناديق الانتخاب ان يختارو من هو قادر على تلبية طموح الجماهير،ليس بالضرورة ان يكون اختيار الناخب العراقي متقولب باتجاه نفس الوجوه المتكررة ونفس الاحزاب فلابد ان يتحرر الفكر العراقي من  سطوة الاعلام الذي يطبع تلك الوجوه والاحزاب التي فشلت تجربتها بادارة الدولة .

 

يؤسفني القول بان العراق تنتظره مشاكل جسيمة في هذا العام واولها مشكلة كركوك وماستؤول اليه من ويلات ،

اما الوضع الامني سيبقى مرتبك طالما رئيس الجمهورية ليس من عرب السنة، وهذا ما لاتستسيغه الدول العربية. فيما يخص الاقتصاد العراقي سينمو وسيحقق زيادة في مستوى صادرات النفط، لكن بنفس الوقت ستلعب ايران دور الضاغط على الحكومة القادمة باثارتها لملف الحدود العراقية الايرانية وهذا يعتمد على نتائج الانتخابات المقبلة في العراق.

 

حسن مدنف

اوسلو

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1281 الجمعة 08/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم