أقلام حرة

من يصنع الدكتاتورية ويقوُيها ؟

استثنائي وحالة معيشية شاذة وان كانت مفقودة المقومات الرئيسية للاستمرار والبقاء على رقاب الشعب.

 

من الناحية الاجتماعية، فان العلاقات المتكونة والمتجسدة عبر التاريخ في الشرق بشكل خاص افرزت صفات متميزة لهذا المجتمع سوى كانت سلبية ام ايجابية ومنها وجود الخصائص العامة للشخصية الكاريزمية واحترام الهيبة والبذخ والابهة لشخصية معينة وفق ما يمتلكون من القدرات المالية والاجتماعية المعنوية، وهذه نتيجة طبيعية لسيطرة الخيال والغيبيات والاتكاء على المثاليات والاستناد الى الموجود على الارض من موروثات التاريخ الروحية واستعمالها كقوة لثبيت الذات، وبه برزت شخصيات اجتماعية اعتبرت معصومة ومعتبرة،مهما كانت ظروف معيشتها وخصوصياتها وتناقضات حياتها .

 

اما الظروف السياسية والغكرية، فهي الاهم لانتاج الدكتاتورية، بحيث اعتمدت وباختلاف مراحلها على النظام الذي يمكنه السيطرة على الشعب باية وسيلة دون اهتمام بما يصل اليه جراء اي تعامل او من افرازات تطبيق الانظمة المختلفة والسلطات المتنوعة.

 

فهناك العلاقة الجدلية الواضحة بين الظرفين الاجتماعي والسياسي  في العديد من النواحي وكتحصيل نهائي للمعادلات المتوفرة في مثل هذه الاوضاع، سيبرز بين حين واخر شخصية غير مكتملة وناقصة الاوصاف سوى كان بصدفة او من نتاج عملية سياسية او عسكرية معينة، وتحاول ان تفرض نفسها على الواقع والمجتمع باية ثمن كان وبكل الطرق والوسائل المتاحة بين يديها، وبتوفر الثروات والامكانيات تشتد رهبتها وتزداد قوتها وتستعملعا بافراط مستغلة الثغرات والتناقضات الموجودة في السياسات العالمية والاقليمية والداخلية، والامثلة كثيرة في تاريخ البشرية قديما وحديثا، ولكن اكثرها في المناطق غير مكتملة الثقافة والعلم والمعرفة وفي ظروف عشوائية او استثنائية بعيدة عن الديموقراطية ومبادئها الراسخة،و في ظل انعدام نظام معتدل انساني، بينما الهدف مصلحي بحت . عندما نفسر الاوضاع وما كان مرتبط بواقع اية منطقة في مرحلة ما والتي تنبثق منها الدكتاتورية نحصل على مجموعة من العوامل والمسببات في بروز هذه النتائج واخرها العراق وما حصل له، وان اعدنا بذاكرتنا والقينا نظرة على ما جرى بشكل عام وما كان يحيط بالدكتاتور من الواقع الاجتماعي والسلطة والظروف السياسية والمال والثروات وشخصية المحيطين به والمصالح التي كانت تتحكم في تعاملهم وثقافتهم وبيئتهم التي تربوا فيها ونظرتهم الى الحياة والمباديء العامة وتفكيرهم في مستقبل الاجيال وايمانهم بالافكار والمعتقدات الفكرية الفلسفية الشاذة ومستواهم الاخلاقي والثقافي وتاريخهم وارتباطاتهم  وما ورثوه عبر مراحل حياتهم، ستتوضح بشكل صحيح اسباب سيطرة الدكتاتور على السلطة السياسية في العراق .

 

 ومن اجل اخذ العبر والحكمة من الماسي التي خلفتها الدكتاتورية، لابد من قطع الطريق بشكل كامل وقاطع امام ظهور احتمال عودة ولو نسبة قليلة مما كان تتصف به الدكتاتورية في الافق البعيد، ولذلك لابد من التفكير العميق والتعاون بين الجهات المخلصة ومحبة لشعب ومستقبله لكي يقف مانعا صلبا وسدا منيعا، لان الظروف بذاتها متوفرة لميل القادة الجدد الى تثبيت اركانهم وكراسيهم باية وسيلة والظروف الدولية مساعدة لذلك ايضا في هذه اللحظة، ومن مصلحة الدول الكبرى ان تستقر الاوضاع الامنية في هذه المرحلة وباي ثمن كان، وكم حالة مرت على التاريخ  وتراجعت الديموقراطية امام الظروف والاوضاع القاسية التي تخلقها المصالح المتعددة ومن الجهات المختلفة . وخلال فترة قصيرة ماضية بعد سقوط الدكتاتورية في العراق، نسمع كماً هائلا من التفسيرات والمبررات غير المنطقية لعودة المركزية في الحكم وكانها هي التي تعيد كامل السيادة وليست العوامل الاخرى،و لكن وان لم يعلموا فهذه دعوات صريحة لخطو الخطوة الاولى للاطاحة بالخطوة الاولى للديموقراطية الحقيقية النسبية المتجسدة التي خطاها الشعب العراقي، وبالتالي هي المرحلة الاولى لسيطرة جهة او فئة او حزب او كتلة او شخصية معينة دون غيرها على زمام الامور . والوضع الاجتماعي السياسي العام والمستوى الثقافي والوعي العام للشعب بكافة فئاته لم يتطور كما يجب، ولم نراه او نحس به بشكل مريح ولم يعبر الشعب المرحلة المتنقلة المخيفة المحتملة لعودة الوضع الى المربع الاول، ولذلك يجب على الجميع ان يقفوا بالمرصاد لكل خطوة تراجعية ومن واجب المخلصين العمل على توجيه المعنيين والسير على الطريق الصحيح وهذا يحتاج الى جهود مضنية .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1070  السبت 06/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم