أقلام حرة

هل الخلافات بين القوى العراقية مبدئية ام مصلحية؟

منها التاريخ ومافيه وماترسخ منه من الموروثات وترسبات المراحل المتتالية له، وما تفرضه البنى التحتية الناشئة من الشكل ونوع وطبيعة الاقتصاد والروابط الاجتماعية من العادات والتقاليد والافكار والخصائص التي تميز المجتمعات عن غيرها. ولكن الظروف السياسية وما تترب منها كثمرة او نتاج المعادلات العامة المتفاعلة مع بعضها من المراحل التاريخية المتعاقبة وما يفرضه الوضع الجغرافي ومستوى وعي المجتمع وما يتمخض من الصراعات العامة بين ابناء الشعب من كافة النواحي وبالاخص السياسية والتي ستكون حسب الظروف العامة التي تخص المجتمع سوى كان متمتعا بالاستقلالية ولديه كيان ذات سيادة كاملة او ناقصة،او يعيش بامان وسلام او ما تخلل تاريخه من الظروف القاهرة او عاش ويعيش مستضعفا وفي الهامش ولم يشعر افراده بالمواطنة وما تتضمنها من الشروط، هي التي تفرض مدى تولد الخلافات المختلفة.

ان اهم الجوانب المؤثرة والمتاثرة بالواقع من جميع نواحيه هو الصراعات السياسية وطبيعتها وما ينبثق منها خلال عمل الاحزاب والتيارات والاشخاص وما يحملون من الافكار والعقائد المختلفة وما يتسمون به من الايديولوجيا وو الفلسفة. ومن بين تلك العوامل  الحاسمة والمهمة التي تؤثر على الوضع العام للمجتمع هي الصراعات الفردية والعلاقات السياسية بين القوى والجهات والقادة سوى كانت في مرحلة النضال بجميع اشكالها او في حال الاستقرار والامان وفي مرحلة تحققت فيها الاهداف والامنيات والشعارات،وضمنت المصالح العليا الهامة المحددة لمسيرة الموقع وما تنتج في خضم العمليات المتعددة في السياسة العامة للبلد من الاخطاء وما تفرضه المصالح الشخصية والصفات الخاصة بالبعض من النرجسية والطبيعة الخلقية والارادة والمميزات والاختلافات في العقليات عند العمل والتوجه بين القادة والقوى، مع العوامل والمسببات الثانوية الاخرى التي ستبرز وتكبٌر الخلافات وتكون حادة في بعض الحالات وحسب الارضية والدوافع ومنها تكون سياسية بحتة كما نحس بها اليوم في اكثريتها او فكرية وهذه نادرة وستكون مثمرة في اخر المطاف، او ايديولوجية او شخصية نابعة من الجذور الانانية والذاتية، وهذه اكثرها ضررا بالشعب والقضية ومستقبل الاجيال،و اوسعها انتشارا.

و ما تنتج من خلال الرفقة النضالية والعمل المشترك بين القادة المختلفين في الطبع والصفات والتربية والاعتقاد والتعامل مع الاحداث، وما يحملون من النظرات الى المواضيع العامة والخاصة المختلفة والرئيسية سينعكس سلبا على القضية بشكل كبير،و ستبرز من الاختلافات اثناء العمل وتتراكم لتصل الى الخلافات، وما تكرسها وتقويها هي الصفات والاخلاقيات الشرقية وما يتمتع بها الانسان الشرقي من الكبرياء والغيرة والعاطفة وردود الافعال والانفعال، وما يصعب تطبيع الاوضاع والذي يفرض بقاءه لمدة طويلة دون حلول ويمنع اعادة المياه الى مجاريها، وتبدا من الخلافات السياسية وما تفرزه الصراعات وما تصطحبها من الصفات المغايرة للقادة عن بعضها ومن ثم تتطور وتتخللها تعقيدات تصعب فكها او حلها، مما يجعلها ان تبقى معضلة امام المسيرة السياسية التي تتوقف عليها حياة المجتمع بشكل عام. ومن هنا تبدا التكتلات والتوافقات وحتى المساومات بين مكونات الحزب او التيار او منظومة او تركيبة واحدة حاملة لفكر وعقيدة ومباديء واهداف وشعارات موحدة وفلسفة مشتركة، وتصل الخلافات لحد الموآمرات والتسقيط والتخوين بين الاطراف والشخصيات والتكتلات. فكيف الحال ان كانت الخلافات بين حزبين وفكرين وعقيديتين وتوجهين ومصلحتين مختلفتين، سوى كانت في مرحلة النضال التي لا تحوي ما تتسم به الدولة اثناء الاستقرار والامان ومن ملذات السلطة في حال التحرر وادارة البلد وما فيها من المصالح المختلفة العديدة والتي تفرض العديد من الخطوات والخطط للنيل بها امام الجهات الاخرى، وللوصول الى المرام والتمتع بها والاستاثار بمواردها وامكانياتها كما هي نوايا القوى كافة في الصراعات الشرقية.

بالقاء النظرة الفاحصة على الخلافات الظاهرة على الساحة السياسية العراقية بعد سقوط الدكتاتورية وخلال المراحل المتنقلة ولحد اليوم، اننا نلتقي بمختلف التوجهات ومنها معاكسة تماما لبعضها البعض ومنها حادة ومتضاربة، الا ان نوعية الخلافات مختلفة الشكل والاهداف والاغراض والاسباب . بما ان الساحة تحوي على هذا الكم الهائل من الجهات السياسية والتي لا يمكن التميز بين اكثريتها الا بصعوبة من حيث التركيب والفكر والايديولوجيا، لذلك يمكن توضيح الامور الخلافية استنادا على الواقع والخلفية السياسية والفكرية والمصلحية للجهات المتصارعة. بما ان الجهات والاحزاب والتيارات متوازية ومتوائمة لطبيعة وتركيبة المجتمع ومنبثقة منه، فنجد ان الخلافات الاجتماعية منعكسة ايضا عليها ومجتمعة مع الخلافات العديدة الاخرى داخل الكيانات السياسية، فمنها خلافات عرقية او مذهبية او دينية وقليل منها فلسفية او مبدئية اذا استثنيناما يحمله العلمانيون والليبراليون الجدد الذين لازالوا في طور لا يسمح له ثقلهم وامكانياتهم وتاثيراتهم المتواضعة من تنافس الاخرين في هذه المرحلة، لذا الخلافات الشديدة لازالت بين القوى المناضلة المختلفة التي لها التاريخ العريق من مقارعة الدكتاتورية ونضالاتها مليئة مخضبة بالدم وبين القوى الاخرى المنبثقة من الواقع الجديد وهم من مخلفات العصر السابق ولملمة من المتضررين من المستجدات ومن بقايا فتات النظام الدكتاتوري التي بقت لحد اليوم بفعل الظروف، او من خالفه في لحظة ماو اليوم يحن اليه او من كان يعيش في ظل حكمه ولم يهتم بامور التحزب ويتنازل بكل شيء من اجل مصالحه المادية، ويحس اليوم بان عصره الذهبي قد ولٌى . وهذا ما يدعنا ان نعتقد بان الخلافات التي يمكن ان نسميها بالفكرية بين الجهات ليست بالقوة التي يمكن ان تؤثر على العملية، بينما الخلافات السياسية التي تتدخل فيها القوى الاقليمية والداخلية والعالمية هي التي يمكن ان تكبر الثغرات الموجودة بين فئات المجتمع. اما ما نتلمسها من الصراعات الانية وما تنبثق منها من الخلافات المؤقتة بين القوى المتقاربة من بعضها هي نتيجة طبيعية لصراعات سياسية محدودة ليست الا خلافات مصلحية ايضا سوى كانت حزبية او شخصية ونتيجة منافسات بين الاقربين للوصول الى السلطة، ولا يمكن اعتبارها بالخلافات العقيدية الفكرية، كما هو الحال بين الاحزاب والتيارات المنبثقة من مذهب او قومية واحدة، وتعتمد هذه القوى على التحالفات والائتلافات والتجمعات المصلحية والمستقبلية ومنها المؤقتة التكتيكية لتحقيق اهدافها ولا يفرقها خلاف فكري او فلسفي معين. ومن هنا يمكننا ان نصنف الصراعات والخلافات على اسس مبدئية وفكرية وفلسفية واخرى مصلحية حزبية شخصية بحتة، والاولى لها التاثيرات العميقة المباشرة اما الثانية ستكون عابرة حسب العمليات السياسية والمحطات التي تبرز منها تلك الخلافات وربما تكون سلبية بعض الشيء، ولكن المتضرر الاول في حال اشتدادها ومن افرازاتها هو المواطن والشعب العراقي بشكل عام. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1283 الاحد 10/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم