أقلام حرة

مواطن من أهل الله

 سين بشهادة الجميع من زملائه الموظفين في العمل، أن الإخلاص والنزاهة والصدق من أهدافه المركزية في الحياة، وأن هذا المواطن يتمتع بعلاقات طيبة مع أهله وعشيرته وجيرانه وأناس المنطقة التي يسكن بها منذ طفولته، والمواطن سين لم تخدعه الدعوات التي وجهت له مرارا وتكرارا من منظمات المجتمع المدني والتي كانت تحرص على تواجده في ندواتها الشعبية، ولذا لم يستجب لأية دعوة منها والسبب أنه يدرك أن تلك المنظمات جاءت لمنفعة أفراد بعينهم على حساب آخرين، وهذا المواطن لم يقرع طبول الفرحة والنصر حين رأى الدبابات الأمريكية تزحف على ظهر جسر الجمهورية، الأمر الذي حسبه البعض أن المواطن سين لم يكن راغبا بالتغيير الدراماتيكي الذي حصل للبلاد، وهم لايعرفون أن المواطن سين كان مراقبا من قبل أجهزة الأمن في النظام السابق بسبب تردده على إحدى الجوامع للصلاة فيها، بل أن تلك الأجهزة الأمنية إستدعته للإستجواب لأكثر من مرة وحين عرفت أن هذا المواطن من أهل الله أطلقت سراحه مع تعهد خطي أن لا يزور تلك المساجد والجوامع مرة أخرى، لكنها ظلت تراقب حركاته وسكناته عن كثب وهو لايدري بذلك،  والمواطن سين لم يحصل على مكرمة لا من النظام السابق ولامن الحكومة الجديدة وهو لايريد تلك المكرمة مادامت ستجر خطاه مجبرا للحضور الى ندوات ولقاءات لايرغب بها مطلقا، والمواطن سين مازال يسكن مع عائلته في بيت قديم للإيجار ويعيش على راتبه الشهري وعلى مايحصل عليه من " جمبر السجائر " الذي يجلس خلفه بعد إنتهاء الدوام، والمواطن سين لم يسافر خارج البلاد مطلقا  ولا يمتلك جواز سفر ولايفكر أن يحصل على جواز سفر لقناعته ان أرض السواد هي أجمل بلاد في الدنيا، وهذا المواطن لايرتاد المقاهي الشعبية ولايدخن السجائر ولايشرب المنكر، غير أن الداء الوحيد الذي لايمكن الخلاص منه  للمواطن سين هو شغفه بقراءة الكتب كلما سنحت له الفرصة ووقت الفراغ الى ذلك، المواطن سين قرأ الأدب الجاهلي والعباسي والعربي والأوربي والأمريكي والصهيوني كما يحلو للبعض من تسميته، والمواطن سين يمتلك مكتبة كبيرة هي كل ثروته بهذه الدنيا مع زوجة متعففة إكتسبت جميع طباعه الطيبة مع مرور السنوات، لايمتلك هاتفا نقالا ولا ستلايت في بيته لكنه يمتلك راديو صغير يتابع به منذ أمد طويل إذاعة لندن لمعرفة آخر الأخباروالتطورات في العالم، غير ان المواطن سين منذ أيام ليس على مايرام وقد تبدلت جميع صفاته الحميدة الى صفات غير مستحبة لدى الناس، صار المواطن سين يدخن ويشرب المنكر ويحضر المؤتمرات السياسية وندوات المجتمع المدني، وصار يشاهد قنوات الستلايت ويقال انه ينتمي الى اكثر من حزب وحركة وتيارسياسي، وفي عمله صار مثالا للرشوة والمكر والإحتيال وهو الآن مرشح ساخن للفوز بكرسي البرلمان وربما بعدها سيحصل على منصب رفيع في الحكومة القادمة .. المواطن سين أدرك اللعبة أخيرا، إنه يسعى بكل قوة الى ربح العالم لكنه لا يدري إنه خسر نفسه مع الأسف .

 

 

حسن النواب

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1289 السبت 16/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم