أقلام حرة

يتجسد الواقع الاجتماعي الجديد ما بين تغييرات الثقافة والسياسة والاقتصاد

احيانا في المراحل التارخية الغابرة وفي جزء من الحقبات الواضحة المعالم، ووصولها الى ما هي عليه اليوم من الرقي والرهافة في العمل والتعامل والنظرة الى الاخر، نلاحظ مدى تغييرها من كافة النواحي ، اضافة الى ذلك نكشف طريقة غورها في العملية العقلانية المتعددة الجوانب في تسهيل امور الحياة واعتمادها التقدم التكنولوجي من اجل راحتها ومعيشتها واتساع الهوة والمسافة الطويلة بينها من كافة النواحي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية السياسية  وبين الكائنات الادنى رتبة منها وفق نظرية التطور وما تضمنها.

الانسان بحد ذاته محب للتغيير الدائم ان عاش طبيعيا ويستغل كافة القوى المتوفرة او يبتكرها كوسيلة للوصول الى المبتغاة، وحب الذات دافع قوي للتركيز وتكثيف الهمة واتباع الطرق المختلفة لحل المعادلات والتفاعل مع المحيط وانتاج الثمرة المنشودة في قافلة الحياة.

بدون شك، ان النظريات المختلفة ومن الجوانب المتعددة تلتقي في النهاية في نقطة واحدة، وهي الانتقال المرحلي والتغيير الدائم وحصول المستجدات في كل مرحلة وتجمعها وتراكمها والتقائها في النهاية . فان التطور الطبيعي والارتقاء والانتخاب والصراع من اجل البقاء تتوافق مع المادية في التفكير والاعتقاد، وفي المقابل ربما يفرز ما يقف ضد التجديد والتحديث وهو شان ما يجري في الحياة البشرية بين السالب والموجب ومرادفاتها من حيث المضمون والمعنى والشكل والتركيب والاهداف من الناحية الفلسفية والاجتماعية والسياسية وما ينور الطريق ويجد الحلول ويعبر العملية نحو النجاح هو الثقافة الصحيحة الملائمة لكل جديد.

 بما ان الحياة قد تبنت على العنف والشدة والصراع من اجل البقاء كما هو المعلوم، فان الثقافة هي التي غيرت الانسان ووجدت له طريق السلامة والامان واستبدلت مجرى حياته واعلتها نحو مرتبة اخرى من سلك تطور الكائنات الحية، اي اللغة والصناعة والعلاقات والروابط الاجتماعية والتجمع البشري والتركيز والتكثيف في العمل على تقوية العقلانية في السيرو التي هي من العوامل لاساسية للتقليل من حدة القمع واحترام الاخر وتوفير الحرية بوجود المستلزمات الضرورية الهامة في حياته والتي تزداد يوما بعد اخر.

و بعد تعقيد الحياة وما فيها من المستلزمات ، اجبر الانسان على اتباع طريقة لادارة التجمعات وكيفية التعامل مع المستجدات وانبثقت جراء تلك التطورات والتغييرات مصالح مختلفة ومن ثم اعتلى شان القيم والمباديء في مراحل متلاحقة، وهنا احتاجت الحياة الى طريقة وفكر وعقل مختلف تماما لمسايرة الامور التي تمس الاطراف كافة، فبرزت السياسة كعلم وطريقة في ادارة ما يمكن تنظيمه لصالح الملمين والمهتمين، وهذه ما تحتاج الى اليات ووسائل وابتكرت جراء التاكيد على ايجادها وضرورتها ،و اثرت على القمع والشدة الموجودة اصلا وبالتالي اثرت على الواقع واستجد اخر مغاير له تماما بمرور المراحل.

بعبور المراحل المتاخرة والمتخلفة من حيث المعيشة في العصور الغابرة، انتقل الانسان الى وضع وواقع لا يمكن التراجع عنه، وخلف ورائه الصراعات الحيوانية، وترسخت ارضية ملائمة لما تهم الانسان والانسانية وحقوقه ومعيشته واحتياجاته وواجباته، وبدا عصر التنوير والتجديد والذي استهل من الانسان وفيه بالذات، اي العمل على ازالة ما مرً عليه الزمن من تفكيره وعقليته وصفاته ومعاملته مع الاخر ونزع الترسبات والتراكمات الاجتماعية السلبية منه وتحرر  وانعتق من اغلال العادات والتقاليد التي كونتها الروابط الاجتماعية والثقافية العامة للانسان في مراحله المختلفة.

و من ثم بدا التطور والتقدم في كافة الاختصاصات التي تهم الانسان نفسه وحياته من السياسة وما تحتويها والثقافة وفروعها والمجتمع وما يتضمنها من كافة النواحي  والاقتصاد وروافدها والادارة واسسها ونظرياتها.

 وعندما وُضع قطار معيشة البشرية على سكته الخاصة بدا التجديد والتحديث والاصلاح والتغيير بعد تراكم التغييرات واختلفت الموازين وانتقلت المراحل . وهنا ظهر التجديد الحقيقي وهناك وجدت الترددات والخوف من الانتقال وظهرت الثقافات المزيفة المعرقلة للحقيقة الصادقة الصحيحة للبشرية وما تمسها، الى ان وصلت الحال الى الاعتماد على الفرد بنفسه ومحاولاته المتكررة في التجديد والتغيير ومن ثم التاثير على العام وحدث ما يدفع الى ايجاد المبتكرات والمخترعات والابداعات في كافة المجالات، الى ان تم وضع حجر الاساس لعالم مغاير تماما لما كان عليه من قبل، ووصل الى مرحلة التقدم التكنولوجي والاتصالاتي وما فرضته العولمة واثرت على البشرية، ولم نجد بقعة الا وتاثرت بالتطورات العالمية وما لها من الابعاد والمعطيات وما فرزتها من المنتجات الجانبية. وتغيرت الثقافات وتاثرت ببعضها وكما هزت التربية والتعليم والروابط الاجتاعية الاقتصادية العالمية من مكانها وتغيرت مكانتها وموقعها وتواصلاتها وعلاقاتها مع بعضها، الا ان الفروقات الطبقية ازدادت توسعا واثرت على حياة البشرية ، ويمكن ان تكون مؤقتا لفترة او تبقى هذه الفروقات لمراحل بسيطة وقصيرة مقارنة مع تاريخ البشرية، ومن ثم تبدا مؤثرات وموجبات العدالة الاجتماعية المطلوبة وتطلق تاثيراتها وتفعل فعلتها في نخر كيان الفكر والعقيدة والفلسفة التي تضر بالبشرية وما يهمها، ويسير العالم نحو المساواة.

 اذن بانبثاق ثقافات جديدة من رحم التغييرات وانعكاساتها او بالعكس وبازالة القمع والشدة والعمل على تخفيف اثارها وبسياسة واضحة مدبرة لامور المجتمع سيتجسد واقع اجتماعي مغير لما قبله ويحدث التطور المشود وبه تتقدم البشرية وتبدا مرحلة انسانية جديدة وعامل انساني اكثر امنا.

 وعند القاء النظرة الفاحصة الان ونحن في القرن الواحد والعشرين على ما فيه العالم في كافة بقعه نرى اختلافا واضحا في طبيعة المعيشة للفرد والمجتمع،و اختلاف المواقع يكون  حسب الاجتهادات واصرار الشعوب على التطور المستمر، وهنا يبرز عامل الحسم في انبثاق التغيير ويتكون واقع جديد مغاير تماما لما قبله في كل بقعة، وتكون التغييرات متوالية وتلتقي البقع اخيرا وربما تكون متسلسلة  ولكن يكون السير دائما نحو الامام .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1290 الاثنين 18/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم