أقلام حرة

ديموقراطية العراق الجديد يضمنها تهميش اللاديموقراطيين

المواقف وتغييرها بين فترة واخرة من قبل هؤلاء في المراحل المتعاقبة، وكيفية تعامل البعض مع المستجدات وتاثيرات القوى الخارجية والداخلية على الاحداث والعملية السياسية برمتها، تُكتشف لديه نية كل جهة ومقدار استقلاليتها وارتباطاتها وخططها وبرامجها وحقيقة نظرتها الى الوضع الجديد وايمانها بالتغيير، وما يخفي ويعمل مع او ضد انجاح العملية ومدى مساعدتها في الانتقال من المراحل والعبور وتجاوز الاحداث والازمات، او خلقها هي بذاتها للعوائق وعرقلتها للمسيرة لاغراض واهداف مصلحية ذاتية او بنيٌات مدفونة لديه لاعادة التاريخ وارجاع ما فقدته من الملذات بعد التغيير.

ان الديموقراطية المتبعة في هذا البلد المعلوم الصفات والتركيب والناريخ والمجتمع من حيث الروابط الاجتماعية ومستوى الوعي والثقافة العامة، ومدى توفر الاسس والعوامل المطلوبة لنجاح هذه العملية بما فيها من تذليل الصعوبات. وبعد القاء نظرة على كيفية تطبيق الديموقراطية الحقيقية وما تواجهها من المعوقات ونسبة نجاحها، والبحث عن نقاط الضعف وعوامل القوة المساعدة لنجاحها، يتوضح لدينا جليا ان العامل الحاسم في هذه الفترة القصيرة من عمر الديموقراطية التي تحتاج لعقود من اجل ترسيخها هو تعامل الجهات والشخصيات ومدى ايمانهم وتواصلهم معها او ما تفرضه مصالحهم وارتباطاتهم في الوقوف بوجه ما يسير عليه العراق الجديد.

منذ تاسيس الدولة العراقية كيفما كان، مرورا بانواع الانظمة وما كانت سماتها وتعاملها مع الشعب وتغييرها بانقلابات واحداث دموية، وبعد ان وصلت الحال الى شدتها من القمع والظلم طيلة خمسة وثلاثين عاما، لم يتم التغيير ولاول مرة بانقلاب عسكري وسيطرة ثلة واعادة تنظيم البلد والسيطرة عليه وفق هوى وعقيدة وفكر وثقافة الانقلابيين، وانما التغيير جاء بشكل وطريقة مختلفة وجذرية بحيث اصبح الواقع مغايرا تماما لما كان من قبل ولم تبق المؤسسات الضرورية للدولة على حالها وبدات اسس انبثاقها او تاسيسها وفق ما يتطلبه النظام العالمي الجديد، وو اجهت صعوبات وحدثت تراجعات في مواقع هنا وهناك، الا ان الاستراتيجية الرئيسية العامة بقيت على حالها وهي الاعتماد على الديموقراطية والاستناد على الدستور والخصوصية التي يتمتع بها العراق وما يلاقيه من تدخلات الاقليم والمصالح العالمية للدول الكبرى، واعتبرت هذه المرحلة من اهم المراحل لوضع الاسس الصحيحة لنجاح النظام العراقي الجديد، وبناء دولةحديثة، ووصفت على انها نقلة نوعية في تاريخ العراق، وتصبح التجربة طليعة لتعتمد عليها دول المنطقة وتؤثر عليهم مهما حاولوا من بناء السدود المنيعة امام تاثيراتها. وهذا ما يؤثر بدوره على فكرو نظرة دول المنطقة، لذا عندما احسوا بما ياتي سخروا كل ما لديهم من الامكانيات المختلفة من اجل عرقلة هذا النظام ووأده من الاساس، وعندما ادركوا انهم لم يتمكنوا من ذلك حاولوا عدم انجاحه او تشويهه والتقليل من اهميته، واستغلوا افضل السبل واقصرها لديهم وهو الدخول من الثغرات المفتوحة اصلا من حداثة العملية وفتيتها، ووجود ارضية لتدخلهم من توفير العناصر التي تضررت مصالحهم داخليا لاستغلالهم من اجل الوقوف ضد التيار، وصرفوا كل ما لديهم من الامكانيات والطاقات للوصول الى غيهم ونحجوا في مواقع وحالات ومراحل معينة واخفقوا في اخرى، الا ان التغيير اصبح واقعا وتتقدم المسيرة ببطء الا انها لم تتوقف لحد اليوم.

و كما هو المعلوم ان الديموقراطية تحتاج الى ارضية خصبة وعقلية وامكانية وممارسات متتالية،و كان اكبر العوائق وجود من يقف ضد العملية منذ البداية، وما شاهدنا من المقاطعة الجذرية للدخول في العملية السياسية من قبل البعض بداية، والوقوف ضد التغيير بكافة الوسائل ومنها الارهاب، ومن ثم المشاركة الخجولة، والاهداف التي حملوها كانت في اكثريتها معوقة وليست مساعدة، ومن ثم التركيز على المشاركة الفعلية واتباع سلاح الديموقراطية ذاتها من اجل الاهداف القديمة الجديدة، ومن اجل وأد العملية ايضا وبالاعيب وطرق مضللة باسم الديموقراطية ووقفوا منذ البداية امام امرار الدستورونفذوا ما لديهم من اجل الاهداف المستورة، واساسها ضرب العملية السياسية كاملة واعادة الاوضاع الى ما كانت عليه ان تمكنوا من ذلك، وهنا بدا تنفيذ الخطط المتعددة الجوانب المهيئة داخليا وخارجيا من التنسيق والتعامل مع الارهاب واستخدامها لاهدافهم ومن ثم تخفيفه في احيان اخرى، وهنا استغلوا النقص والتلكؤ في الخدمات العامة وحاولوا كسب عدد كبير من المواطنين من اجل الاعتراض السلمي وتهيج الشارع العراقي، وحاولوا خلق الفتنة الطائفية وكما يحاولون لحد اليوم خلق الفتنة العرقية لمنع الاستقرار، والهدف هو عدم اكتمال البرامج والاستراتيجيات العامة واستغلوا مواقف ونظرات الدول الكبرى من تغيير الاستراتيجيات ومحاولاتهم في توازن القوى من اجل تقوية دفتهم وازدياد ثقلهم وتعاونوا مع الشيطان لتحقيق اهدافهم، وهنا حدثت اختراقات، فدخلت مجموعات وافراد الى العملية الساسية من كانوا حتى الامس القريب مع القوى المانعة والمعترضة والارهابية من اجل استغلالهم مراكز السلطة، واصبحوا في مقدمة من يعملون بازدواجية مع الجانبين اي مع الارهاب والسلطة معا، الى ان قوٌوا انفسهم لحد ما وبشكل ما من مرتكزاتهم واعمدتهم واستندوا على ما كانوا يتمتعون به في العهد السابق من الامكانيات والخبرات والقدرة على التشويش والتضليل، مع ما امتدت اليهم من يد المنتفعين من تصرفاتهم والمتعاونين معهم من دول الاقليم . واليوم يحاولوا ان يعاودوا الكرٌة، ولكن ما هو الايجابي والفارق بين المرحلتين انهم تاكدوا تقريبا من عدم نجاح وسيلة الارهاب بشكل تام فالتجئوا الى السلم بعض الشيء ويحاولون بشتى السبل القانونية وغيرها لعرقلة بناء الدولة على الاسس الجديدة ويعتمدوا على نفس الاسس والطرق والاساليب التي اعتمدتها الدكتاتورية داخليا، وكما هي اعتقادهم ونظرتهم، لم يؤمنوا يوما وفي قرارة انفسهم بالديموقراطية وحقوق الاخر والمواطنة للجميع والمساواة، وكانوا يتعاملون دوما باستعلاء، وهذا ما غرز في انفسهم التكبر لكونهم بقوا عقودا طويلة مسيطرين على دفة الحكم وقوت الشعب مهمشين للاخرين بقوة الخارج وبكل الطرق وانتفع منهم الدول الاقليمية فقط، ومن ثم انعكست الاية واضروا بانفسهم  ومن معهم جميعا.

اليوم وعلى الرغم من عدم ايمانهم بمفهوم الديموقراطية قولا وفعلا، وينتمون فكرا وعقيدة للعهود السابقة، يلعبون بنفس الالة وعلى النغم ذاتها ويحاولون العرقلة بشتى الوسائل وليس التكامل والتعاون والمشاركة في الحكم والمساعدة لانجاحه في العراق الجديد، فان كانت الانقلابات العديدة التي حدثت في الماضي والمحاكم الصورية التي عقدت بعدها لانهاء السلطات التي سبقتها، فاليوم واستنادا على الاساس الصلب وهو الديموقراطية التي تعتمد على اعمدة وركائز مختلفة والتي من الواجب توفرها ومنها الطاقات البشرية المؤمنة بها فكرا وعقلية وتطبيقا لمنع تكرار الماضي، ويفترض على المهتمين بمستقبل العراق ان ينظفوا الطريق الطويل اللازم لترسيخ الديموقراطية، وهذا ما يُتمم بتهميش اللاديموقراطيين ومنعهم سلميا وديموقراطيا من منع نجاح العملية السياسية، الى ان تنمواو تنضج اجيال جديدة ديموقراطية المنشا والتعليم والفكر والعقل والصفات والاخلاق، وهنا يجب الاعتماد على الطبقة الكادحة  والمغدورين والمظلومين والمستضعفين والمتضررين من النظام السابق قبل غيرهم في هذه المرحلة، وفي طليعتهم النخبة المثقفة الواعية صاحبة المواقف والابداعات بعيدا عن المنتفعين والانتهازيين منهم، وافساح المجال وتوفير الفرص للدم الجديد والنظيف لادارة العملية السياسية وقيادتها في المستقبل القريب، ولا يمكن ان تتغير الشخصيات التي عاشرت المرحلة السابقة واستاثرت بها وانتفعت منها بشكل كبير ان تعيد النظر في طبيعتها وافكارها كاملة، وهذه هي طبيعة البشرية فانها تمتلك النرجسية وحب الذات ويمكن التقليل من تاثيراتهم وهذا ما يحتاج لوقت، وهنا يمكن ان نقول ا تهميش اللاديموقراطيين وتامين حياة حرة لهم بعيدا عن امكانية ادخالهم في العملية السياسية من ضروريات هذا العهد لمنعهم من وضع العصي في عجلة النظام الجديد.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1292 الاربعاء 20/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم