أقلام حرة

مدارات الإقتدار!!

صادق السامرائيلكل قوة مدارها ورؤيتها التي يفرضها ذلك المدار، ولكي تنتقل أية قوة من مدارٍ أصغر إلى آخر أكبر عليها أن تتقوى وتكون ذات قدرة وقوة للحركة بسرعة أعظم لتكون في المدار الجديد، وإلا فأنها ستبقى مكبلة بقيود مدارها الأدنى، والقوى بصورة عامة تسعى للوصول إلى مدار أكبر لكي ترى أوضح وتتمكن من الفبض على مصير المدارات التي دونها.

وفي القرن العشرين رأينا العديد من القوى التي نهضت من مدارات دُنيا إلى أخرى عُليا وبالعكس، فالعديد من الإمبراطوريات تهاوت والعديد من القِوى الجديدة تسامقت.

والفحوى الجوهرية من لعبة المدارات الإقتدارية، أن القوى القابعة في المدارات الدونية تكون مستضعفة ومقبوض عليها من قبل القوى التي في المدارات الكبرى أو العلوية، وهذه القوى ترى ما لا تراه القوى في المدارات الدونية، ولهذا فأنها تمتهنها وتفترس وجودها وتتحكم بحياتها وتقبض على مصيرها.

والأمثلة كثيرة،  فالقوى في الدول المتأخرة، تبدو ساذجة وخالية من المعرفة والدراية أمام القوى الكبرى التي ترى ما يجري على مساحة أكبر مما تراه هذه القوى المندحرة في مدارات متصاغرة أو منكمشة، ولهذا يكون من السهل على القوى الكبرى توجيهها وفقا لمصالحها  وما تشير إليه بوصلة تطلعاتها ومشاريعها وما يقتضيه إنجاز أهدافها.

وهذا ينطبق على العديد من الأحداث والتطورات والتفاعلات الجارية في أروقة الدول المغلوبة على أمرها، والتي تدور في دوائر مفرغة من الويلات والتداعيات والإنهيارات الذاتية والموضوعية.

فما جرى في عدد من الدول العربية يوضح التباين ما بين مدارات الرؤية والإقتدار، والذي يظهرها على أنها مغفلة وضيقة الأفق، وترى أنها تعمل لإنجاز شيئ وهي تسعى لتحقيق مصالح القوى الدائرة في المدارات العلوية.

وبسبب ذلك فأن ما تحصده القوة المتصاغرة المدارات لا يخدم مصالحها، وإنما يأخذها إلى مهاوي الإتلاف والإحتراق والضمور والخمود، بل الإندحار في الماضويات والغابرات ويطمرها بالمآسي والويلات، فلا تنجز نافعا وتغوص عميقا في أوحال الباليات ، فتحصد سوءً بعد سوء، وتدخل في دوامات الأزمات والمشاكل والإضطرابات، والقوى في المدارات العلوية ترقبها وتساهم في تنمية إفتراسها وضعفها المديد.

وعليه فأن القوى في المجتمعات المتأخرة عليها أن تفعّل عقول المواطنين وتجتهد في إبتكار مهارات وآليات كيف تتمكن من الصعود إلى مدارات أرحب، وتتحرك بسرعة متوافقة مع إيقاع العصر.

وعليها أن تكون جادة ومتبقظة للنهوض بقدراتها والتعبير عن طاقاتها الإيجابية اللازمة لصناعة الإرادة المتوثبة نحو آفاق القدرة على تقرير المصير.

فهل سنختزن طاقة تكفينا للإنتقال إلى مدار أعلى وأسرع؟!!

 

د. صادق السامرائي

2\11\2017

 

في المثقف اليوم