أقلام حرة

"صفاقة القرن" والفصل بين الوطني والانساني

عبد اللطيف الصافيبعض الذين يطبلون ل "صفاقة القرن" ويشحذون ألسنتهم البذيئة ضد كل من ينتقد مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، يبررون موقفهم المتخاذل بالقول ان الفكر الذي يستند عليه هؤلاء المناهضين ينتمي لزمن ساد فترة وباد، ولم يعد ينتمي لهذا العصر. وأن الواقعية تفرض على الجميع إرساء علاقات ود وتكامل مع الدولة العبرية التي يمكن الاستفادة مما راكمته في المجال العلمي والتيكنولوجي وبناء دولة الرفاه، متناسين أن إسرائيل دولة احتلال قامت بالحديد والنار وشيدت على أشلاء مئات الآلاف من البشر و مثل ذلك من المهجرين قسرا الذين توزعوا في الشتات بدون هوية. والحال ان العديد من الانظمة العربية والإسلامية بالتحديد وأدعياؤهم من "الانتهازيين الجدد" لا يستطيعون الإفصاح بشكل واضح عن ماهية هذا الفكر الذي، بنظرهم، انتهى إلى غير رجعة، فتراهم يرددون كالببغاوات ما تمليه عليهم الإدارة الامريكية راعية الارهاب في العالم وقلعة الرأسمالية المتوحشة التي لا ترى في القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي سوى صفقة يتم تمويلها من ثروات الشعوب العربية نفسها وتصب أرباحها في الخزينة الأمريكية وفي مصارف التوحش الإمبريالية.

إن تجسير العلاقة مع العدو الصهيوني من خلال صبغها تارة بالعمل المشترك ضد الارهاب (بأي معنى؟) وطورا باجبار الفلسطينيين على قبول الأمر الواقع المتمثل في تخليهم، طوعا أو كرها، عن أحلامهم التي شكلت مسوغ وجودهم وأساس هويتهم الوطنية هو تقويض للعدالة الانسانية و انتهاك للشرعية الدولية وتنكر لا مثيل له لدماء الشهداء و قتل عن سابق إصرار لفعل المقاومة المشروع . كما أن توغل الفكر النكوصي والتبريري  في عمق العقل العربي سواء منه النخبوي أو الشعبي الذي يؤصل لمقولة : بالخبز وحده تحيا الشعوب، وفك الارتباط بين الوطني والانساني بذريعة ان الأولويات تقتضي الارتكان للداخل الوطني المثقل بالمشاكل والرهانات والنأي بأنفسنا عن القضايا التي لا تهمنا وكأننا نعيش في جزيرة من جزر الواق واق، يدخل حتما في عملية تعبيد الطريق للقبول بفكرة أرض الميعاد وان الشعب اليهودي أحق بهذه الارض التي سلبت منه في غفلة من  التاريخ، وأن العرب الفلسطينيين كانوا على امتداد قرون من الزمن مجرد خماسين يحرسون تلك البقعة المقدسة من العالم إلى حين عودة أصحابها الشرعيين الذي ليسوا سوى اليهود المتصهينين.

لا شك أن عالمنا العربي يعيش اليوم حالة من التردي والحيرة، فكرا وايديولوجيا، يصعب معها مواجهة كل القضايا المطروحة على جدول أعمال النضال اليومي العقلاني ورسم ممكنات التحول نحو ترسيخ ممارسة نضالية ترتبط بالعيش اليومي للإنسان العربي وتأمين كرامته من دون فصله عن واجبه في التضامن الإنساني ضد كل أشكال البشاعة والجشع الذي بات يهدد الوجود الإنساني برمته. وتلك، لعمري، مهمة المثقفين الذين لازالوا يؤمنون بأن خلق عالم جديد، خال من الاستغلال، أمر ممكن.

 

عبد اللطيف الصافي- كلميم / المغرب

 

في المثقف اليوم