أقلام حرة

الوبائية الأرضية!!

صادق السامرائيالتوازن قانون أزلي أبدي يتحكم بالموجودات الكونية والأرضية، فهو الذي يحقق التواصل ويحافظ على الطاقة اللازمة للحياة بأنواعها.

وفي حديقة الدار الخلفية ما أن تتكاثر الأرانب حتى تتسلط عليها الثعالب، وما أن تبدأ فراخ السنجاب بالنزول إلى الأرض حتى تتناهبها الثعالب لبطئ حركتها، وما أن تتكاثر الطيور حتى تتزاحم الطيور الجارحة وتتأهب للإنقضاض عليها، وكذلك الفئران ما أن تزداد عددا حتى تأتيها الثعابين والطيور الجارحة لأكلها، وهكذا دواليك.

وفي عالم البشر الذي تمكن من السيطرة على الأمراض السارية والمعدية وإختراع اللقاحات اللازمة للوقاية مما يفتك بالطفولة، تسلطت عليه الحروب المروعة بما إبتكره من أسلحة أوتوماتيكية وإنفجارية ذات قدرات قتلية فائقة، فهي تقتل المئات والآلاف والملايين في غضون لحظات، وكأن الأوبئة الجرثومية قد تحوّلت إلى أوبئة بارودية ورصاصية، وغيرها من مواد القتل وآلاته وأدواته المتطورة إلى  أبعد من أي خيال.

فما أوجدته البشرية من وسائل لمحق وجودها يتفوق على ما أوجدته لبناء حياتها، وهي تقبض على جمرات فنائها، ولا بد لها ذات يوم أن ترخي قبضتها وتقضي على وجودها، أي أن البشرية على شفا هاوية الإنتحار الشديد.

ويبدو أن البشرية تعيش عصر هبوب الأوبئة المتنوعة عليها من جميع الجهات، فالأوبئة الدينية والمعتقدية يتكرر هبوبها بعواصفها وأعاصيرها وزوابعها على مر العصور، وقد فعلت فعلها في قارة أوربا وأمريكا وآسيا، وها هي اليوم تهب وبشراسة على مواطن الحضار ة الأولى وتسعى لإبادتها، فوباء الدين المتطرف والغلو الشديد يعصف بالمنطقة، وهو نهج غريب تفرضه قوانين التوازن والتفاعل الارضي لتقليل الأعداد والحفاظ على قدرات الحياة، وفقا لما تقتضيه مواردها وقدراتها على إعالة ما عليها.

فالتصارع البشري بأنواعه يتناسب عكسيا مع الموارد الأرضية، لأن الأرض عندما تدرك أنها قادرة على إعالة خلقها فأنها تسعد بهم، وعندما تجد أنها مثقلة بهم ولا تستطيع إعالتهم فأنها تبتكر ما يقلل أعدادهم، وهذا قانون أرضي خفي، على البشر أن يدركه لكي يحافظ على سعادته.

فالشعوب الغير قادرة على إطعام نفسها والحفاظ على جمال بيئتها وعمرانها، تستحضر دواعي وأسباب إنقراضها أو تقليل أعدادها، لأن الأرض لا تريد من لا يعرف كيف يستثمر مواردها ويتنعم بعطاءاتها، وكيف يستولدها ما يُسعدها وتفخر به.

فالأرض تأنس ببشرها السعيد وتسأم من بشرها التعيس، والتفاعل ما بين الأرض والبشر حيوي وديناميكي ومتبادل المعطيات، والأرض تغضب وتحزن وتفرح، والبشر الذي يُغضبها يلقى جزاءه ويحصد ما بذرت يداه.

وهذا ليس تكهنا بل قراءة موضوعية لسلوك الأرض ومساراتها ومعادلاتها التفاعلية، التي على ضوئها تتفاعل مع موجوداتها وتحدد معالم مسيرتها ومنطلقات حاضرها ومستقبلها.

فالمجتمعات التي تريد حياة سعيدة آمنة مستقرة عليها أن تتفاعل مع أرضها بمحبة ومودة وتتجنب ما يغضبها ويحزنها، وأن تتمكن من الإستفادة منها بإطعام نفسها وتحويلها إلى جنان ذات قيمة جمالية وإقتصادية،  لكي يتحقق الجريان ما بين ينابيع السعادة الأرضية والنفسية والسلوكية عند مخلوقاتها.

ومن الواضح أن ما يحصل في العديد من المجتمعات يُغضب الأرض ويحزنها ويؤلمها، مما سيساهم في إستحضار ما هو سلبي ووبائي وتدميري لكل مَن يساهم في صناعة الويلات والتداعيات ويستثمر في الخسران البهتان.

فهل نحن على موعد مع حرب ضروس أم وباء هروس؟!!

 

د. صادق السامرائي

31\6\2016

 

في المثقف اليوم