أقلام حرة

الحب الممنوع في زمن "كورونا"

محسن الاكرمينسألني صديقي بتهكم الاستفهام، ولهجة غباء مستملح ومقبول: (واش "كورونا" ذكر أو أنثى؟ وحتى إذا افترضنا أنها أنثى، واش هي زوجة "كوفيد 19"، أو يمكن أن تكون أخته من الرضاعة؟). تبسمت، ثم ضحكت من حجم غباء السؤال، وكانت الكمامة الواقية تحجب صوت ضحكاتي المتتالية، فيما صديقي فقد بقي جادا في سؤاله وينتظر مني جوابا شافيا.

لم أثقل عليه ببطء الجواب المقنع، ولم أقفز عن سؤاله بالإنكار والتهكم، بل قلت: وما حاجتنا في "كرونا" أن تكون مذكرا أو مؤنثا؟!! فكان جوابه بهلوانيا وصادما لي، وأقسم بغليظ الأيمان أنه أصبح يعشق "كورونا". تنحيت بزيادة مسافة "التباعد الاجتماعي" بيني وبينه، وأضحى خوفي يزيد من أن تكون شيطنة " كوفيد 19" الخفي قد مسته سوءا ووباء. وتساءلت في مخيلتي" واش صاحبي أصابته حمى "كورونا " أم بات يعيش كآبة " الحجر الصحي" المضغوط، ثم نظرت بالتمحيص في عيونه، هل أنت واثق من حبك لـ " كورونا"؟ .

كانت إجابته وفية بالإيجاب والقبول بعهد عشقه لـ "كورونا".نعم، عشقت العيش في زمن "كورونا"، حين عززت "كورونا" مناعتنا الاجتماعية وربطتنا بالخير والتآزر بلا دوافع سياسية ولا وصولية. عشقت "كورونا" حين صنعت لنا مصالحة ثانية مع الدولة ومع قراراتها في حماية الشعب. عشقت "كورونا" حين أرجعتنا إلى بيوتنا نعيش لحظات ود وصفاء مع العائلة. عشقت "كورونا" حين انتفت عادات سلبية كنا نحملها كرها (البلية) والآن باتت المسافة بيننا وبينها محرمة بسلطة القانون الوضعي والسماوي. عشقت "كورونا" حين لم أتعرف عليها بالعين المجردة وكنت أقرض فيها شعر الهجاء والرثاء ولما حتى المدح. عشقتها حين أخاف منها ،وأحترم تطبيق أوامر الحاكم " كوفيد 19" في النظافة والوقاية الحمائية، والتباعد الاجتماعي.

ابتسمت من تعداده لفوائد "كورونا" الايجابية، ابتسمت حين كنت أمرر كل جواب منه في (سكانير) أشعة التحليل والتركيب. حقا وجدت أن"كورونا" أعادتنا إلى معرفة الذوات بالتصغير بلا غرور ولا تعالي. أعادتنا طوعا إلى مواجهة قبلة الله طوعا وبالتضرع له بأن يرفع عنا هذه الجائحة. أعادتنا إلى التفكير بحق في نموذج تنموي بمثال (لبس قدك يواتيك)، وكذا باعتماد الأولويات الوطنية (التعليم/ البحث العلمي/ الصحة/ الشغل/ الكرامة/ الحقوق...). أعادتنا إلى عادات قديمة من (تمغربيت) في التضامن والتواصل والدعم والمساندة بلا تسلط ولا تحكم انتخابي. أعادتنا إلى حكايات الجدات ولمّة الأسرة، واكتشاف أن أعضاء العائلة بحق أناس طيبون. أعادتنا إلى تقويم ممارسات بالتتبع ظهرت بيننا " التبرهيش"، حين لا يحترم القانون ويخترق "الحجر الصحي الإلزامي". أعادتنا إلى أننا بحق جد متأخرين في تطوير الأداء التعليمي حين ولجنا إلى التدريس عن بعد (بالاستثناء) بلا وسائل ولا مقومات تقنية وعملية. أعادتنا "كورونا" إلى إنسانيتنا وتعاملاتنا الأخلاقية، والقيم الوسطية لأبناء الشعب. أعادتنا "كورونا" أن الناس سواسية أمامه وكأنه الحاكم "العادل" لا فرق بين غني وفقير...

لكن صديقي عاشق "كورونا" ارتد رجوعا عن اعترافات حبه "كورونا" وقال:" ومالي أنا تنبغي "كورونا"، والناس عندهم الزين والحمام في دارهم (الأغنية)" . واه ، كم أنا بحق غبي، رفع يده اليمنى بالتحية، وانسحب وهو يتمتم كلاما تبين بختمه "بآمين" أنه دعاء.

 

محسن الأكرمين.

 

 

في المثقف اليوم