أقلام حرة

عندما يصمت اللحن

وليد العرفي لمْ أُصدّقِ الخبر عندما هاتفني أحد الأصدقاء يُعلمني بوفاة المرحوم: محمد بري العواني ؛ فقد كان خبر رحيله مفاجئاً ؛لما اختزنته الذاكرة عنه من قوَّة بدنية، وصحَّة جسدية، وإشراقة وجه لم يبدُ عليه أي مظهر من مظاهر التعب، ونبرة صوت كانت هي الأخرى دليل حيوية الرجل الذي طالما شاهدته مُتأبّطاً حقيبته في أحياء المدينة بقامته السامقة التي كانت كالسنديان الذي يمشي على الأرض، من عرف هذا الرجل عن قرب لا يُمكن له أن ينساه؛ فهو إنسان  يبادرك بالابتسامة الودودة التي تُشجعك على طلب ما تريد من دون أن تجد نفسك في حرج من سؤال أو من تعدد المطالب، وتنوع الأسئلة، ومما يذكر لهذا الرجل أنه يبدو على اطلاع بكل شاردة وواردة، وأنه متابع لحركة المدينة الثقافية والفنية على مدى عقود ما تزال راسخة فيه تلك المسيرة، إنه الإنسان الراقي بخلقه، وسلوكه يعرف مقامات الناس  وقاماتهم، ولا يُنكر أدوارهم،  أذكر أنه حينما قدَّمني ــ رحمه الله ــ في نشاط من نشاطات اتحاد الكتاب العرب الذي كان هو عريف حفل الأمسية قال في ذلك التقديم: " لقد آثرت على نفسك كثيرين ؛ فقدمتهم على نفسك،  وها هم اليوم قد سبقوك وتجاوزوك، فآن الأوان لتقدم نفسك "، وهذا الموقف للراحل إنْ دلَّ على شيء ؛ فإنما هو دليل على نبل إنساني، وكرم منبت، وسمو أخلاق .

لقد تعددت أنشطة المرحوم: محمد بري العواني ، فقد كان موسيقياً مولعاً بفنونها التي كانت تُمثّل فرقة نادي دوحة الميماس ــ الذي ترأسه عقدين من الزمن ــ تعبيراُ عن الوجه المشرق والباعث للجمال في مدينة حمص قبل أن تصمت تلك الدوحة عن أنغامها بفعل الأحداث التي مرت، وقد كان إيمانه الراسخ  بدور الفن على أنه خير وسيلة تُهذّب النفوس، وتسمو بالأرواح أنه أعاد الدوحة إلى غنائها بمجرد استقرار الأمور ؛ فكانت عودة دوحة الميماس عودة حياة إلى المدينة، ونشر مظهر من مظاهر الفرح، وبعث جديد في الأرواح التائقة إلى الحب والتسامح والسلام

لم يكن رحمه الله مُجرَّد إنسان مُحبٍّ للموسيقى وآلة الكمان التي أحبها وحسب، بلْ كان رجلاً  تُدهشك فيه موسوعيته التي طالما كانت تلفت النظر في مداخلاته أو تعقيبه سواء ما كان عن المسرح أو الموسيقى، وكذلك في الأدب على اختلاف أصنافه وتنوع أشكاله، إذْ كان يُثير قضايا من صميم الموضوع المطروح ما يُضفي على المحاضرة، أو الأمسية إضافات جماليات تحسب .

- كان المرحوم: محمد بري العواني يمتلك لغة جميلة تلفت سمع المتلقي، بما في نبرته من سرعة تدفق مسبوك بسلاسة فكر، وتسلسل منطقي لا يمكنك إلا متابعته  والإصغاء إلى ما يقوله من دون أن تشعر بمرور الوقت ، وهو ما كان واضحاً في لقاءاته سواء ما كانت مشاهدة مباشرة في لقاء مفتوح مع الجمهور، أم ما كانت عبر الإذاعة، فرحم الله محمد بري العواني الذي رحل  عن دنيانا الفانية، وخلفه من الذكريات ما لا يُعدُّ ولا تُحصى، ولنا في نجله: رائد الأنيق خُلقاً وسلوكاً ولباقةً خيرَ خلفٍ لأفضل سلف .

- مواليد 1948 م، يحمل إجازة في اللغة العربية- جامعة دمشق.

- كاتب وملحن ومخرج مسرحي للأطفال والكبار.

- عضو اتحاد الكتاب العرب- جمعية أدب الأطفال.

- عضو نقابة الفنانين: ممثل ومخرج.

مؤلفاته:

1-  قمران: مسرحيتان للأطفال. الشارقة 1998. الجائزة الثانية

2-  التِّنِّين: مسرحية للأطفال. اتحاد الكتاب العرب. دمشق. 1998

3-  بستان المحبة: مسرحية للأطفال. دار المعارف. حمص. 2001

4-  شموس لا تغيب: مسرحيتان للأطفال. اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2001

5-  سيف الحرية.. نبوخذ نصَّر: مسرحية للفتيان. اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2005. الجائزة الأولى في مسابقة وزارة الثقافة 2002

6-  سَلَّةُ خّيْر: ضمن كتاب "نصوص من المسرح المدرسي" إعداد هيثم يحيى الخواجة- دائرة الثقافة والإعلام- حكومة الشارقة 2005

7- الأمير السعيد محمد عبد الكريم: سيرة قصصية. سلسلة أعلام الناشئة رقم 2. وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. العدد 2- دمشق 2011

8-  وطن الورد الأبيض: مسرحية للأطفال. وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق 2012

9-  شطَّة.. في ورطة: مسرحية للأطفال. وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق 2012

10- داود قسطنطين الخوري: سيرة قصصية. سلسلة أعلام الناشئة رقم 22. وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق2013

كتب للكبار:

1-  القوس والوتر.. دراسة في علاقة الشعر بالموسيقا: اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2008

2-  أبو خليل القباني.. ريادة التجاوز: وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق 2010

3-  عصفور الرمَّان.. مراد السباعي: اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2012

4- دراسات مسرحية.. نظرية وتطبيقية: وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق2013

5- دراسات في أدب ومسرح الأطفال: اتحاد الكتاب العرب. دمشق2013

6- المغامرة المستمرّة.. فرحان بلبل مخرجاً: وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق2014

 

د. وليد العرفي

 

في المثقف اليوم