أقلام حرة

الكتابة الخائبة!!

صادق السامرائيفي بداية التسعينات من القرن العشرين أمضيتُ أربعة أشهر بكاملها في مكتبة للتراث العربي في إحدى الدول العربية،  وكانت رفوفها  مُنضّدة بالموسوعات التراثية الكبرى.

وغصتُ في بطون كتبها وتملكتني الدهشة أمام الكم الغزير من الإبداع العربي، الذي لا يمكن لشخص أن يلمَّ به حتى لو بلغ الألف سنة من العمر.

لقد كتبوا في موضوعات تخطر ولا تخطر على بال، وأفاضوا وتعمّقوا وأبدعوا تراثا معرفيا لا يُضاهى.

ولا أظن أحدا - إلا فيما ندر - من أبناء الأجيال المتوافدة، وعلى مدى قرون قد درس بإمعان الموروث الثقافي الحضاري العربي، أو تعلم منه ما ينفع حاضر الأمة ومستقبلها، أما أصحاب الكراسي فهم من أجهل الناس بما في الأمة من كنوز معرفية، وأنوار ثقافية ترشد إلى سواء السبيل في أمور الحياة المتنوعة.

فلو أردتَ أن تكون قائدا ناجحا، ستجد الدليل إلى ذلك، ولو فكرت بإصلاح شؤون البلاد والعباد سيظهر لك من المهارات والأدوات ما هو نافع ومفيد.

في حينها وقفت متحيرا متسائلا: " كيف تكون أحوالنا سيئة وعندنا مَعين عطاءٍ لا ينفد"؟!!

لم أعرف جوابا، ورحت أبحث عن السبب!!

وأول ما تبادر إلى ذهني كلمة "إقرأ" !!

فهل نحن نقرأ؟

ووجدت أن النسبة العظمى من مجتمعاتنا لا تقرأ!!

وتساءلت عن قادة الأمة ونخبها هل يقرؤون؟

واكتشفت أن النسبة الكبيرة منهم لا تقرأ أيضا!!

فلماذا نلوم الناس وننسى أنفسنا؟

فأكثر الكتابات المنشورة تشير إلى أن الذين يكتبونها لا يقرؤون ويتصورون أنهم يعرفون، فتحوّلت الكتابة إلى هراء مسطور، فالإناء ينضح بما فيه!!

فما يُكتب تنفر منه العيون، وتنكره الألباب لأنه بالعواطف السيئة مشحون!!

فلماذا تكتبون؟

وكيف تكتبون؟

وهل أبقيتم عند الناس بعض رغبة فيقرؤون؟!!

قد تغضبون، لكن الواقع يؤكد أن المكتوب لا يُقرأ، وهناك مسافة شاسعة بين أجيال القرنين، وكلّ على هواه، ولن تعيش كتابات أجيال القرن العشرين، بضعة عقود من الآن في القرن الحادي والعشرين.

فالشعر مات والكتابة في طريقها للوأد والممات!!

فهل من قدرة لإعادة الحياة للشعر والكتابة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم