أقلام حرة

هل أن أقلامنا نرجسية عدوانية؟!!

صادق السامرائيهذا تساؤل تمخض من المتابعة والقراءة لما يُنشر في الصحف والمواقع، ولا أعرف الجواب عليه، لكن الظواهر التي دعت إليه يمكن تلخيصها ببعض الملاحظات الغير مألوفة في أقلام المجتمعات المتقدمة.

فعندما نريد أن نكتب عن حالة ما نبدأ بتصغير الآخر الذي كتب عنها بما يغاير ما نكتبه عنها، ونستعمل مفردات تكنز عدوانية واضحة، وتؤكد على أن الذي يكتب ممعن بنرجسيته وتضخم أناه، التي تؤثر على قدرات التبصر والفهم والتقدير السليم.

كما أن الأحكام المسبقة تتقدم معززة بحشد إنفعالي عاطفي كثيف يمنع الرؤية الموضوعية،  ويدفع بالكاتب لإستحضار ما يبرر إنحراف تصوراته وإقتراباته من الحالة التي يتصدى لها.

ويشترك في هذا الأسلوب أساتذة ومثقفون تحسب أنك ستقرأ لهم شيئا مفيدا ومنيرا، لكنك تصطدم في مستهل كتاباتهم بأنهم يعبّرون عن الآليات الفوقية النرجسية والعدوانية، ويجتهدون بتبريرها وإنكار الآخر بل ومحقه تماما.

ويمكن للقارئ الحصيف أن يكتشف ذلك فيما يُنشر من المقالات والدراسات والبحوث، التي ما أوصلتنا إلى ما هو جدير بالمعاصرة والأصالة، والقدرة على التعبير عن مكنونات الذات، أو عن تجربة ذات قيمة ثقافية واعدة.

فالكثير مما يُكتب يدور في محاور لا تجدي نفعا، وإنما تعبيرات عن كوامن نرجسية عدوانية فاعلة فينا، وتوهمنا بأننا قد فهمنا وعلمنا وإمتلكنا الدراية الكفيلة بمنحنا حق الكتابة بأساليب تستهين بالقارئ والواقع والمجتمع، وكأننا النخب العلوية التي لا يُطال مقامها الرفيع!!

والحقيقة التي نجبر أنفسنا على إغفالها، أن البشر لا يمكنه أن يحيط بأي علم مهما توهم التخصص والمعرفة، وما يعرفه لا يساوي شيئا ضئيلا من ذلك العلم الذي يتوهم معرفته، ولهذا عليه أن يجد ويجتهد طوال حياته للحصول على شيئٍ مما لا يعرف، فالذي يرى أنه يعرف فقد جهل، والذي لا يريد أن يعرف ويتعلم فهو من أجهل الجاهلين.

ولهذا فالمطلوب منا أن نتحلى بالموضوعية والرصانة المعرفية التي تؤهلنا لصياغة ما نريد الوصول إليه، إستنادا على حجج وبراهين وأدلة  قد تقنع القارئ وتقرّب الصورة إليه، وتزيده وعيا وقدرة على التفاعل المعرفي الجاد مع المكتوب.

أما أن تتوشح كتاباتنا بالرؤى الإنفعالية والتصورات العاطفية والتقديرات المُسبقة، فهذا سلوك لتدمير الذات والموضوع، ويبدو أنه من أساليب تعطيل العقل وتجميده، ولهذا تجد هذه الكتابات رائجة ومسوّقة!!

فهل لنا أن نكتب بالقلم؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم