أقلام حرة

هل مات هارون الرشيد بالفتق المُختَنِق؟!!

صادق السامرائيمعظم الخلفاء لم يتجاوزوا العقد الخامس من العمر إلا قلة نادرة منهم، ومعظمهم يموتون مبكرا لأسباب بسيطة بمعايير عصرنا، لعدم توفر العلاجات وصعوبة التداخلات الجراحية، وما هو سائد ما يسمى بالفصد (شق الوريد وإخراج شيئ من دمه بقصد التداوي) او الحجامة (إمتصاص الدم بالحجم) . وهذه هي التداخلات الجراحية الشائعة لقرون، وعادة يكون موضعها الساق أو الذراع.

والعلاج بالأعشاب معروف وبالحمية، والتركيز على تنمية القدرات النفسية والروحية عند المريض.

ولا أدري لماذا كلما قرأت عن هارون الرشيد (148 - 193) هجرية، في آخر رحلة له، أتساءل هل أنه مات بالفتق المُختنق، وفي بعض الكتب التي قرأتها سابقا، هناك وصف يشير إلى أن ما كان يعانيه هو الفتق المختنق.

وفي تأريخ الخلفاء للسيوطي: " وفي سنة إثنين وتسعين (192) هجرية، توجه الرشيد نحو خراسان، فذكر محمد بن الصباح الطبري، أن أباه شيّع الرشيد إلى النهروان، وجعل يحادثه في الطريق إلى أن قال: يا صباح لا أحسبكَ تراني بعدها، قلت: بل يردك الله سالما، قم قال: ولا أحسبك تدري ما أجد، فقلت: لا والله، فقال: تعال حتى أريكَ، وإنحرف عن الطريق، وأومأ إلى الخواص، فتنحوا، ثم قال: أمانة الله يا صباح أن تكتم علي، وكشف عن بطنه فإذا عصابة حرير حوالي بطنه، فقال: هذه علة أكتمها الناس كلهم، ولكل واحد من ولدي عليَّ رقيب، فمسرور رقيب المأمون، و(جبريل بن يختيشوع) رقيب الأمين، ونسيت الثالث، ما منهم أحد إلا ويُحصي أنفاسي ويعد أيامي ويستطيل دهري، فإن أردتَ أن تعرف ذلك فالساعة أدعو ببرذون (غير العربي من الخيل)، فيجيئون به أعجف (مهزول، ضعيف) ليزيد في علتي، ثم دعا ببرذون فجاؤوا به كما وصف، فنظر إليّ ثم ركبه وودّعني، وسار إلى جرجان، ثم رحل منها في صفر سنة (193) وهو عليل إلى طوس، فلم يزل بها إلى أن مات".

يبدو أنه كان يعاني من فتق، وقد عمل على علاجه بشد بطنه بعصابة الحرير، لكن هذا الفتق فد تطور مع الأيام، وصار إنبعاجه مختنقا، أي لا يمكن للأحشاء المندلقة من الفتق أن تعود إلى جوف البطن، وبسبب ضغط الفتق عليها، يحتقن الدم فيها وتتورم، فتزداد صعوبة عودتها إلى داخل البطن، وهذا يتسبب بآلام شديدة، وإنسداد الأمعاء، وإلتهابات خطيرة وتسمم في الدم مما يؤدي للوفاة.

وهو في وصفه للبرذون الأعجف ما يشير إلى أن حركته وإضطرابه، تساهم في دفع المزيد من الأحشاء الداخلية خارج البطن، مما يزيد في علته، أي أوجاعه ومعاناته من مضاعفات ذلك.

ولا يُعرف لماذا لم يُعِدْ طبيبه الأحشاء المندلقة إلى داخل بطنه، ويوصِه بعدم ركوب الخيل ويحدد حركته، ويعين جدار بطنه على منع إندلاق الأحشاء، ولماذا لم يخضع للمراقبة اليومية، ويُنْصَح بعدم الذهاب إلى خراسان، فهذه الرحلة الطويلة على ظهر برذون أعجف ستقتله حتما، فهل كانت مؤامرة من أولاده، وبمشاركة طبيبه، ففي قوله ما يشير إلى ذلك!!

فهناك إهمال مقصود من طبيبه تجاهه، تؤكده ضعف ثقة الرشيد به، ووصفه بأنه رقيب عليه، ويوجز الأمين بحالته الصحية، وعدم إجراء أي تداخل علاجي مناسب له، ولم يرافقه، فكأن الرشيد كان يطبب نفسه، ويعصب بطنه للحفاظ على أحشائه الداخلية من الإندلاق الشديد.

وهل كان لطبيبه جبريل بن يختيشوع (رقيب الأمين عليه) دور في وفاته، البعض يذكر أنه مات بالسل أو بمرض أصاب دمه، لكن لا توجد أعراض وعلامات سريرية مدونة تشير لذلك، وربما يكون قد مات مقتولا بصورة غير مباشرة، وبتحالف طبيبه مع ولي عهده الأمين، فلطبيبه ربما دور في التعجيل بوفاته، وفي بعض المصادر ما يشير إلى تأزّم علاقة الرشيد بطبييه!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم