أقلام حرة

حشاني زغيدي: رحلة إلى أعماق النفس

حشاني زغيديفي جلسة صفاء مع أحد الأحباب، جلسنا نتجاذب أطراف الحديث حول حياتنا التي نعيشها، جلسنا نستفرغ الهموم والغموم، نسلي أنفسنا، نروّح عها هواجس زمن الغربة .

يقول صحابي: كم نحن فاشلون في فن التعامل مع أنفسنا؟ وكم نحن قساة وجفاة ؟ للأسف الشديد لا نعرف مداخل السرور، لا نعرف إدارة النفس التي بين جنبينا، الواحد منا يحسب النفس آلة صماء، نلبي وتستجيب لنا، تنفذ أمورنا بضغط على الأزرار، وهي غير ذلك.

تنهدت تنهيدة طويلة من أعماق نفسي، ثم قلت: الواحد منا يا صاحبي، يجهل طرائق النجاح، يجهل طرائق التعامل مع النفس، فنحن عاجزون في إداراتها بفاعلية .

و النفس كالطفل تحتاج إلى التربية والتنشئة الصالحة، تحتاج إلى التعهد بالتحلية والتزكية والرياضة والترويض كما نفعل مع صغارنا.

قال صاحبي : وكيف السبيل إلى إصلاحها؟

قلت: لا يستقيم حال النفس وهي بعيدة عن الله تعالى، ولا يستقيم حال النفس وهي بعيدة عن فطرتها، فأول الخطوات معها؛ اجعل النفس تقف عند حدود الله، ترعى حقوقه، تؤدي فروضه، تقبل على أوامره، تتجنب نواهيه، ثم طوع النفس لتكون حياتها في رحاب لله، فإن الله سوف يصلح حالها، وييسر أمرها، ويذهب همها، ويشرح صدرها، 

ثم أردفت قائلا : وألزم التفاؤل في كل أمورك، تشرع لك أبوابها المغلقة، وتفتح لك مغاليقها، فاليأس في ديننا أخو الكفر والجحود.

تم قلت، تأمل تجارب الحياة فيها أمثال شاهدة ؛ فما أكثر من سدّت في وجوههم الأبواب! لكن إذا توفر الإصرار والتحدي  في داخلنا، وشعورنا بلذة النجاح ورافقه العزم على المضي على مواصلة السير ولو حبوا، فسوف يدلل الله لنا السبل المغلقة، سوف يدلل الله لصاحب المسير تلك الصعاب، كل ذلك بتوفيق منه سبحانه، فالله وحده يبلغ القصد، ويتحقق المنى .

قال صاحبي: صدقت، ولكني أرى الكثير ينشد النجاح بالأماني، ينشد الرفعة بأحلام اليقظة.

قلت: إن الله شرع لنا عبادته بالطاعة والعمل الصالح، وأن الفوز بالجنة مرهون بالإيمان والعمل الصالح، والأمر نفسه في أمور حياتنا الدنياوية .

و لا يكون لنا أعمال صالحة دون أن يكون لنا أهداف مرسومة واضحة، فيضرب كل إنسان في ميدان تخصصه، وفي إطار المواهب والإمكانات المتاحة له، فينطلق لتحقيق الهدف المرسوم في مواعيد محددة في جدول تشغيله.

و لهذا فأن قيادة النفس وتحفيزها وتفجير مواهبها، لا يكون بالبطالة أو الارتجال، أو التسويف، أو التنظير والتفيقه، أو باستنساخ التحارب، فالناجحون لهم عقول، ولهم إرادة صلبة مثل الحديد، يعملون ليكون النجاح حليف المبدعين.

فالأمة الجائعة لا يحق لها الرقص أو السير في طريق اللهو والمتع.

و الأمة التي تأكل ما يجلب لها من وراء البحار لا يحق لها أن تصرف المليارات في مهب الريح، تصرفها في مشاريع الترف والبذخ، إن الأمة التي تريد النهوض تحمل النفس على رياضة رفع الأثقال والمارطون الطويل .

في ختام اللقاء تعززت في نفس صاحبي يقظة وصحوة كأنه لخص لقاءنا مرددا الحكمة القائلة: " لا نحقق الأعمال بالأمنيات وإنما بالإرادة نصنع المعجزات” .

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

 

في المثقف اليوم