أقلام حرة

ليلى الدسوقي: أنت امرؤ فيك جاهلية

ليلى الدسوقيمعنى الجاهلية في المعجم الوسيط: جهلت القدر جهلاً: اشتد غليانها، وجهل على غيره

جهالة وجهلاً: قسا وتسافه، وجاهله: سافهه

وفي القرآن (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) سورة البقرة 67

والجاهلية ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة والضلالة

والمجهلة: ما يحمل الإنسان على الجهل وجاء في الحديث الشريف: «الولد مبخلة مجبنة مجهلة"

وهكذا (نتبين أن الجاهلية ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه، إنما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق فهي تقابل كلمة الإسلام التي تدل على الخضوع والطاعة لله عز وجل وما يطوى فيها من سلوك خلقي كريم)

وقد تنصرف إلى معنى الجهل الذي هو مقابل الحلم وليس ضد العلم إلا أن العصر الجاهلي عرف كثيراً من الناس عرفوا بالحلم والتسامح مثل قيس بن عاصم، والأحنف بن قيس، وغيرهما حتى ضربت بحلمهما الأمثال

اذن فكلمة جاهلية كانت تطلق على العرب قبل الاسلام وهى لا تعنى الجهل المضاد للعلم والمعرفة بل تعنى الجهل بالدين الحق اى بالتوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى وتعنى الجهل الذى هو ضد الحلم والتعقل وليس الجهل الذى هو ضد العلم لان القران الكريم وصف العرب المعاصرين للرسول ﷺ بالعلم فقال تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‎﴿٣﴾) سورة فصلت وسجل انهم كانوا يعرفون القراءة فقال تعالى (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ‎﴿٩٣﴾‏ سورة الاسراء

وقد وصلت لغتهم مرحلة عالية من الرقى نلحظ ذلك فى الشعر الجاهلى والحكم والامثال التى اثرت عن بلغائهم وفصحائهم وحكمائهم والدليل على رقى اللغة العربية انهم كانوا يفهمون القران الكريم الذى هو اعلى درجات الفصاحة والبلاغة بل ان كثيرين من عظمائهم اسلموا ماخوذين ببلاغة القران المعجز كعمر بن الخطاب حينما قرء القران، فتعجّب من حُسن الكلام الذي قرأه، وحينها خرج خبّاب، وأخبره أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دعا له بالإسلام

فمعنى كلمة الجاهلية اذن ليس الجهل المضاد للعلم والمعرفة وانما هى وصف لقوم ضلوا طريق الدين الحق وكانوا مكابرين معاندين واصحاب لدد فى الخصومة وكان يغلب على مسلكهم الطيش والخفة والنزق والمفاخرة والاعتداد بالحمية فى غير موضعها ولذلك وردت كلمة الجاهلية فى سياق ومناسبات كثيرة دالة على هذه المعانى من ذلك قول الرسول ﷺ لابى ذر الغفارى رضى الله عنه عندما سب بلالا رضى الله عنه وعيره بسواد امه " يا ابا ذر اعيرته بامه – قالها النبى ثلاثا – انك امرؤ فيك جاهلية " اى فيك شىء من روح الجاهلية وهو التعالى والعنصرية وقوله ﷺ: " اذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يجهل " وما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت عن سعد بن عبادة الانصارى رضى الله عنه " كان امرؤا صالحا الا انه كانت فيه جاهلية "

و من ذلك قول عمرو بن كلثوم: الا لا يجهلن احد علينا  فنجهل فوق جهل الجاهلينا

والمقصود بالجهل هنا التهور والاندفاع والاسراع الى الشر

والعرب أطلقت الجهل على ما قابل الحِلْم، قال ابن الرومي:

(بجهل كجهل السيف والسيف منتضى ..وحلم كحلم السيف والسيف مغمد)

والمفسرون يفسرون الكلمة فى القران الكريم بما لا يخرج عن هذا المعنى فابن كثير رحمه الله تعالى – عند تفسيره لمعنى الجاهلية كما جاءت فى سورة القصص اية 55 (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ‎﴿٥٥﴾‏

يقول اذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق اعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ولا يصدر عنهم الا كلام طيب وكذلك يفسر الكلمة فى سورة الفرقان اية 63 (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ‎﴿٦٣﴾

فيقول اذا سفه عليهم الجهال بالقول السىء لم يقابلوا عليه بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون الا خيرا كما كان رسول الله ﷺ لا تزيده شدة الجاهل عليه الا حلما

اخيرا فمعنى كلمة جاهلية يدور حول السفه والطيش وسوء الادب وتلك صفات يمكن ان يتصف بها اكبر العلماء واوسعهم معرفة

وهذه مشاهد نراها يوميا فى حياتنا كثيرا فبعض الناس الذين يحملون ارقى واعلى الدرجات العلمية نجده احيانا فى غاية السفه والطيش والحمق وسوء الادب بينما نجد انسانا بسيطا اميا لا يقرا ولا يكتب لكنه فى غاية التعقل والاتزان وحسن التصرف

و الله تعالى اعلى واعلم

 

ليلى الدسوقي

 

في المثقف اليوم