أقلام حرة

صادق السامرائي: التأريخ المشطور!!

صادق السامرائيتأريخنا شامل للسلوك البشري بدرجاته المتنوعة، من أقصاها إلى أدناها، وفيه تطرف خبيث وتطرف حميد، وما يُقدَّم لنا منه، هو التطرف الخبيث.

فعندنا علماء أفذاذ أناروا مسيرة البشرية ووضعوا أسس علومها، وهؤلاء لا ندرسهم وهناك توجهات مقصودة لتجهيلنا بهم، وعندنا قتلة وسفاحي دماء، وهم الذين يتم إبرازهم وترسيخهم في الوعي الجمعي للأمة، فتحسب الأجيال أن الحياة في الدم.

لماذا التركيز على السلبي وإبعاد الإيجابي من الحضور؟

جوهر الأمة أنها عالمة، ولكي تقضي على جوهرها لا بد من إيهام الأجيال بأنها جاهلة، فتجد المفكرين والمثقفين والفلاسفة ينطلقون من إفتراض أن الأمة جاهلة، وحتى دينها قد جاء إليها لأنها جاهلة، وذات درجة عالية من التوحش والإجرام، وبأنها من أسوأ الأمم ولهذا كانت الأديان فيها.

ويتكرر التصوير السلبي للأمة، ويُغفل دورها العلمي وإرادتها الإبداعية الرائدة في مناحي الحياة العقلية والمعرفية، التي أضاءت دروب الإنسانية.

والحقيقة المطمورة أن الأمة عالمة بمقايس عصرها، حتى قبل الإسلام، فكانت لديهم منظومتهم المتطورة، وطاقاتهم العلمية والإبداعية المتنوعة، ولهذا جاء القرآن بهذه البلاغة الراقية ليخاطبهم، ولو لم يكونوا بهذا الرقي العقلي، لكان القرآن بأسلوب آخر.

لكننا لن نجد كتابات تؤكد على ما في الأمة من قابليات وإنجازات حضارية، وتنتشر في ربوعها الأضاليل والأكاذيب، الداعية إلى تأمين الإنكسار والشعور بالإنهزام والدونية وإستلطاف التبعية، ونشر العنف والإزدراء والنيل من قيمة الإنسان ودوره الإيجابي.

فما يُدرَّس في كتب التأريخ لايفصح عن حقيقة الأمة، وإنما عن تطلعات الطامعين فيها، والداعين لإفتراسها وإنتهابها.

فلماذا لا ندرِّس تأريخ الأمة العلمي، ولماذا لا يكون علماؤها هم الأبطال، وليس الذين قتلوا وظلموا وقهروا ونكلوا بالإنسان، وعبدوا الكرسي؟

فالعربي يعرف عن القتلة في التأريخ أكثر مما يعرف عن العلماء؟

ولو سألتهم عن البيروني لما عرفوه، أما لو سألتهم عن الحجاج لتكلموا فيه!!

فهل من إعادة نظر في الإقتراب من تراث الأمة وتأريخها المجيد؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم