أقلام حرة

تونس الجريحة والمخاض العسير

قلت منذ زمان وكتبت قبل ايام انهم سيبقون يتباكون على ضياع الفريسة.. كاتب هذه السطور يعرفهم جيدا ومن كان يستند في تحركاته ونشاطه السياسي على قوة السلطة القاهرة حين كان يحكم مستعملا كل الاساليب المتناقضة جوهرا وموضوعا مع منظومة قيم الأخلاق لا تستغرب منه في أي لحظة الخروج عن سباق المنطق والذهاب سريعا إلى قانون الغاب.. هذا الاسلوب تعرفه جيداً الضباع التي تمزج في خططها للانقضاض على الفريسة في الزمن والمكان المناسبين.. لا تستطيع الضباع الذهاب بخطتها الممنهجة وتحقيق هدفها ألا بالمزج بين التكتيك والاستراتيجا مستلهمة هذا النهج الافتراسي من طبيعة الحياة والعقيدة السياسية للاحزاب الفاشية….

للأسف، ضاعت البوصلة وصار الاخوان يبحثون عن الحجج الواهية لتبرير عشرية حكمهم السوداء… لكن حركة التاريخ لها احكامها…

ما يحدث الآن في تونس المثخنة بالجراحات والانكسارات يجعل المتايع للاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما تتخللها من تداعيات وصراعات بين اطراف متنازعة ومختلفة واحيانا متناقضة فكرا ونهجا ورؤيا.. هذه الاطراف الحاملة لمشاريع سياسية واجتماعية متناقضة لا تستطيع ان

تتقاطع في أي مسالة لأن التناقض والصراع جوهري ويمس الآسس الفكرية والايديولوجية المحددة لطبيعة أي مشروع سياسي واحتماعي لهذا الطرف أو ذلك.. يمينا أو يسارا…لا يخفى لا أحد ان الصراع المحتدم بين الأطراف السياسية والاجتماعية والحقوقية والنقابية في تونس الراهنة مرده كما اسلفنا سابقا هو الإختلاف الجوهري بين اطراف الصراع .. الحكم من جهة والمعارضة من الجهة المقابلة… والملفت في هذه المسالة ان كل طرف له مبرراته ومشروعيته الفكرية والسياسية مثلما يقول قادة هذا المعسكر أو ذلك…..

ما ينتظره التونسيون الآن وليس غداً هو الخروج من ظلام المرحلة باخف الاضرار والذهاب بالبلاد إلى بر الامان بعيدا عن شعبوية الخطاب السياسي لكل الاطراف والجلوس إلى طاولة الحوار العميق حول كل القضايا العالقة والتاسيس الفعلي للدولة الديمقراطية بافقها الاجتماعي ودستورها المكرس للحقوق والحريات وعلوية القانون والسيادة الوطنية بعيدا عن المحاصصات الحزبية…

إن المخاض في دلالاته الرمزية في اللغة والثقافة والفنون على اختلاف الشعوب والحضارات والأديان.

هو المعبر الحقيقي عن الولادة وعسر خروج الوليد من رحم الأم الى الدنبا والعالم.. في عالم السياسة يكون المخاض هو الجسر الذي تعبره الحشود ،فرادى وجماعات للخروج من ضفة الياس الى ضفة الأمل وتأسيس مرحلة جديدة قوامها التحرر والإنعتاق وتركيز دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون والسيادة الوطنية والقطع مع أي مشروع سياسي يدعو الى الشمولية والاستبداد والإستغلال..

تونس الراهنة. المكتوية بالجراحات والانتكاسات والخيبات والخيانات، ليس لها من سبيل للخروج من مسار الانحدار الكبير سوى التوحد حول مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي يلتف حوله الشعب

بكل اطيافه السياسية والمدنية وتعبيراته الفكرية والفنية والاكاديمية لفرض هذا المشروع الديمقراطي الحقوقي والاجتماعي والثقافي التنويري....

هذا المشروع لا مكان فيه لخصوم الحرية والمساواة

والعدالة الاجتماعية والتقدم والتنوير الثقافي..

- كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة

والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

***

البشير عبيد / تونس

في المثقف اليوم