أقلام حرة

ثامر الحاج امين: اليمين عند الشعوب

خلال حياتنا اليومية وما يتخللها من تعاملات تجارية واجتماعية يلجأ البعض الى اليمين او القَسَم للتأكيد على صدق أقواله أو سلامة تعامله من الغش من أجل خلق القناعة عند الآخر، وعادة ما تخضع صيغة القسم لطبيعة المكان، فأداء اليمين أمام القضاء محدد بصيغة لا يجوز للمطلوب منه أداء اليمين تجاوزها، أما في الحياة العامة فالمتحدث له مطلق الحرية في اختيار المقسوم به، كما نختلف صيغة اليمين من شعب الى آخر، فالشعوب ذات الارث الديني عادة ما يكون القسم بالذات الالهية والانبياء والأولياء وكذلك القسم بالشرف والمقدسات وبأرواح الموتى، في حين شعوب اخرى تعتبر مفردات الطبيعة ذات قدسية مثل الماء والهواء والاشجار فتلجأ الى القسم بها، وهناك من يستخدم اليمين أداة للمشاكسة مثل الذي حدث في البرلمان التركي عندما ابتدأ النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي "محمد علي أصلان" قسمه باللغة العربية خلافا للغة المقررة، أما الشعوب التي انعم الله عليها بنعمة القانون فأنها لا تحتاج الى اليمين لتأكيد سلامة تعاملها ذلك ان القانون لديها هو الضمان على حسن التعامل، وعلى الرغم من تعدد انواع اليمين الا ان التجارب وبمختلف طبيعتها سواء السياسية منها او الاجتماعية الشائعة في تعاملنا اليومي كشفت لنا انه لا يبدو هناك حرمة او قدسية لـ (اليمين) أو (القَسَم) عند الكثير رغم ما يتضمنه من الفاظ واسماء تقشعر لها الابدان، فالحنث باليمين وعدم البر به صار ظاهرة مؤسفة، وهو عند الغالبية لا يتعدى اكثر من اجراء شكلي يؤديه البعض لاجتياز عقبة في طريقه ويحتاج اليمين لعبورها، كما ان البعض اتخذ منه طريقا للكسب فهناك من هو مستعد لتسهيل قضايا الاخرين من خلال الشهادة لهم في الدوائر الرسمية على الرغم من انه لا يعرف أي تفاصيل عن القضية وان كل ما يقوم به مقابل مبلغ من المال أي (اليمين مقابل المال) وقد قيل قديما (قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج) اذ لا قيمة للقسم حتى وان تضمن في صيغته لفظ الجلالة اذا لم يتوفر عند مؤديه نقاء الضمير والنية الصادقة والايمان الحقيقي بالذي يقسم به، فمثلا استطاعت امبراطورية " موريا " التي ظهرت في الهند بعد عام 323 ق . م ان تبني دولة قوية اقتصاديا وتجاريا من خلال ادارة داخلية وخارجية حكيمتين وكل التطور الذي شهدته الامبراطورية لم يكن للرب وجود في القسم الذي يؤديه الملك حيث كان العرف يحتم على الملك عند تتويجه، ان يقسم اليمين على خدمة الشعب، فيقول: " لتكن السماء والحياة والذرية محظورة عليّ اذا ظلمتكم " ..

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم