أقلام حرة

المولدي فرّوج: عن دكاترة الفيسبوك

ماذا عن دكاترة فضاءات التواصل الاجتماعي؟ وكيف للمبحر البسيط أن يفرّق بين الصّفة وانتحال الصّفة؟

يصعب الخوض في هذا المواضيع ولكن استفحال الظاهرة جعلني أتجرّأ على اثارته والتوقّف عنده لوزنه أخلاقيا وقانونيّا. وقد تصيبني سهام حاقدة يطلقها هؤلاء الذين يعضّون بأسنانهم على شهادات وهمية يحصلون عليها من جمعيات أو مؤسسات لا يتعدّى وجودها صفحات الشيخ غوغل أو أحضان التيك تويك وغيرهما، لأنّهم يعتبرون كشف حقائقهم تدخّلا في شؤونهم الخاصة أو قطعا لأرزاق سهلة يكتسبونها من التّحيّل الأدبي. نتناول هذا الأمر بكل تجرّد غايتنا في ذلك زرع الحقيقة والصّدق والصّفاء وهي صفات على كلّ كاتب أن يتحلّى بها.

1 ــ انتحال صفة الممثل:

قبل أن أتناول موضوع الشهادات أودّ أن أشير الى بعض الاساءات الأدبية التي يرتكبها البعض من الكتاب والكاتبات الذين لا يجدون حرجا في طلب المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية أو تلك خارج الوطن، فيدفعون من مالهم الخاص كلّ ما يتصل بالتظاهرة من نفقات ثم يعلنون على فضاءات التواصل الاجتماعي وفي بعض الصّحف أنهم سيمثّلون بلدهم في تلك التظاهرة او المهرجان، شاكرين المستضيفين الذين منحهم فرصة التمثيل هذه. وقد يقفون على الرّكح فيضعون على رؤوسهم أعلام بلدانهم. أقول هذا دون تقييم لمداخلاتهم: ذلك شأن النّقّاد، غير أن الأمر يكون قاسيا على الوطن عندما تكون المداخلة أو النّص دون المستوى. نعرف ان لا أحد يمنع المشاركين والمشارِكات من المشاركة والمشارَكات، لكلٍّ ظروفه ونصيبه ولكن لا يحقّ له أن يمثّل هذا الوطن أو ذاك دون علمه، ألا يعتبر هذا العمل انتحال صفة؟ وهو ما يمنعه القانون في كل البلدان.

2ـ انتحال صفة الدّكتور:

عندما نلقي نظرة استقراء على فيسبوك خاصة نلاحظ أن عددا كبيرا ان لم اقل هائلا من أصحاب الحسابات يضعون في واجهات صفحاتهم عبارة: الدكتور. يدفعك حب الاطلاع للبحث عن نوع الدكتوراه ومضمونها فتفاجأ أن الشخص لا يملك شهادة دكتوراه واحدة بل شهادات جامعية في ميادين مختلفة ومتنوعة ممنوحة كلها من مؤسسات وهمية أو جمعيات (لا جامعات) تتسابق في استجلاب البسطاء والسّذّج لمنحعهم شهادات في مناسبة او في غير مناسبة وبطاقات تهاني وتختلق لهم مسؤوليات ومهام كسفير الادب أو سفير السلام وحقوق الانسان وممثل الجمعية في بلاده وقد تطلب مساعدته في أداء مهمّته الديبلوماسيّة الأدبية. استفحل الأمر حتى صار مدعاة للأسف والسخرية وحتى الشفقة فترى بعض الأساتذة يكتبون في أعلى صفحاتهم وعلى كتبهم عبارة الدكتور، هكذا دون أدنى حياء. وكثير منهم لم يحصلوا على شهادة بكالوريا.

3 - ماذا في العرف والقانون الدولي والمحلي:

يتعلل هؤلاء الدكاترة "الموهومون" بأنهم حصلوا على شهادة الدكتوراه الفخرية ويتعمّدون الايهام وامتهان الكذب على أنفسهم حتى يصدّقوها. وفيما يلي شروط منح الشهادات الفخرية وشروط الحصول عليها وهي، كما نلاحظ، أصعب من شروط الحصول على الدكتوراه العلمية أو الأكاديمية: تمنح الدّكتوراه «الفخرية» لشخصيات معينة تعبيرا عن العرفان بالجميل أو الإنجازات العلمية أو الاجتماعية التي قاموا بها. هي عملية تكريم للشخص ومسألة تقدير واعتراف بالجهود والأعمال التي قدمها المكرّم أو سيقدمها للمجتمع أو لمؤسسات في المجتمع ومنها المؤسسات التعليمية. ولا تسمح هذه الشّهادة لصاحبها بأن يتقدم إلى وظيفة وفقاً لدرجة الدكتوراه الفخرية التي يحملها. ولا يحق له وضع حرف د. أمام اسمه بل يمكنه وضع حرفي h.c.  أي honoris causa. . ولعلّ أهم الشروط هو أن ينص قانون إنشاء الجامعة الرسمية، أو الجامعات الخاصة، على صلاحية منح شهادة الدكتوراه الأكاديمية، وأن يجاز لها منح شهادة الدكتوراه الفخرية في حدود اختصاصية محددة، تتوافق مع الكليات العاملة في الجامعة.

كما يمكن للمانح أن يسحب الدكتوراه الفخرية عندما يرى موجبا لذلك، فعلتها جامعة الخرطوم مع العقيد المرحوم معمّر القذّافي الذي كان قد منح الدرجة نتيجة لمساهمته في بناء قاعة محاضرات في الجامعة نفسها.  ومثلها فعلت الجامعات المصرية عندما سحبت الدكتوراه من السيدة سوزان مبارك.

وقد تعرّض القانون التونسي الى جريمة انتحال الصفة في أكثر من موضع: 

حيث يعاقب بالسجن وبخطية مالية كل من ينسب لنفسه لدى العموم أو بالوثائق الرسمية صفات أو أوسمة.

ويعاقب بالسجن أيضا وبتخطئة مالية كل من استخدم اسمًا مستعارًا أو سمات غير صحيحة، كي يقنع الغير بمشاريع أو أعمال لا أصل لها.

كما يعاقب قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة من يقدم إرشادات أو وثائق مغلوطة بشأن المنتوج (الإبداعي).

***

المولدي فرّوج

في المثقف اليوم