تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

محمد سعد: الصعود للهاوية ونهاية المجتمعات العربية!!

أمام عجز الحكومات العربية، وأمام غياب الفاعلين الاجتماعيين، واختفاء الزعامات الشعبية، كيف لا نلتفت إلى أنفسنا في ظل الأحداث الجارية في المنطقة العربية، على الرغبة في الفعل، وعلى الجهد من أجل التجديد والتحديث،، فذلك وحده ما ينتشلنا من براثن الضياع الذي قد يقودنا نحو الجحيم، ما لم نتمكن من تجنبه. كثير من الحضارات السابقة التي نتغنى بها غطتها الرمال، أو هدمها الغزاة، حين انقسمت إلى ممالك متطاحنة، نعيش نفس المأساة في العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، وفلسطين،، من المؤكد أن الفشل أو السقوط لَيسَا قَدرًا لا مفر منه،، ولكن أُولئكَ الذِينَ لَا ينظُرُونَ بِتبَصُّر  إلى المخاطر التي تهددنا، يجردوننا من أسلحتنا، ويخدروننا بالألعاب والأخبار الزائفة العابرة، ويجعلون أعداءنا أكثر جرأة كما يحدث الآن في غزة، وهم أعداء موجدون فينا مثلما يوجدون حولنا.

ليس علينا أن نستنجد بالأسلحة، ولا بالقانون الدولي، ولا بمحكمة العدل الدولية، أو بالثورة، وإنما بالوعي وبالاقتناع بأن أخطر أعدائنا اليوم هو انعدام الوعي لدينا، وهو بحثنا عن أكباش فداء، وهو ضعف إرادتنا للحياة، وهو ضعف حبنا للمساواة والعدل والحريات، أننا نعيش عصور الشيخوخة وما راكمته من تجارب. ولن يفيدنا في شيء أن نحتمي بمقولة أو بشخص يرعانا أو يفترض أنه سيرعانا. يجب أن نعطي الكلمة للذات الكامنة في كل واحد منا، فهي وحدها القادرة على أن تجعل منا فاعلين، مبدعين لمستقبلنا، وذلك حتى تخاطبنا هذه الذات وتحثنا على تحرير مشاريعنا الوهمية إلى الحقيقة الغائبة، نحتاج إلى الإرادة في تغيير طريقة التفكير أو طريقة العيش أصعب من تغيير نظام الحكم أو تغيير نحو اللغة.، فمنذ أن اعتقد البعض من دول النفط الغنية ما يكفي من القوة فما عدنا نتصور أنفسنا كمخلوقات للإله ولكن كخالقين للإله، حينذاك انسقنا وراء فكرة أن نتوارى من تلقاء أنفسنا متنازلين عن حريتنا في الاختيار، وأن تتماهى مع أعمالنا، مع آلاتنا، مع قراراتنا السياسية وخاصَّتًا مع معارفنا. لقد اقتنعنا بأن قوتنا تكمن في فكرة الحتمية التي علينا أن نستسلم لها، لأن لغتها ليست لغة المعتقدات أو لغة العواطف الشخصية، ولكن كيف يمكن أن نحدد وضعيتنا الراهنة التي أعتبرها اليوم وضعية ما بعد قرن أو قرنين من تشَكُّلُ ما سمته كتبنا التاريخية القديمة بالعالم الحديث العالم الذي ولد مع الثورة الفرنسية كما يقول الفرنسيون، أو مع حركة الإصلاح، أو مع الثورة الصناعية أو مع بداية عصر هذا العالم الذي اعتبر هوياتنا تتلاشين مع أعمالنا.

لا عذر لنا لننعزل داخل عاداتنا المحلية بعد أن استنفدنا سحر غزو العالم. علينا أن نَسلُكُ طَرِيقًا مُعَارِضًا، وهو أن نتشبع بالوعي وبحقوقنا، وبقدرتنا على التصور، قدرتنا على الكلام، وعلى البناء ورسم المستقبل وربما يكفي أن نقتنع بقوة بأن طريق الفكر وطريق خلق عوالم دائمة التجدد، وذلك حتى نستعيد الرغبة والشجاعة كي ننجح في بناء انبعاث أكثَرُ نَجَاحًا مِنْ انبعاث دول كثيرة خلال القرن التاسع عشر. إن الإرادة وحدها كفيلة بتشكيل أدوات تحررنا، وأقواها الرغبة في أن نكون أَحرَارًا مُبدِعِينَ، وأنْ نحترِم حُقُوق الْآخَرِينَ بِقَدرِ احتِرَامِنَا لحُقُوقِنَا. يعيش عالمنا العربي أزمات طاحنة تعصف بدول هشة اقتصادِيًّا منذ حرب روسيا وأوكرانيا وتداعيات هذه الأزمة على دول في المنطقة حول الأزمة الاقتصادية التي قذفت بنا في أتون البؤس والحروب الأهلية الدائرة، قد كشفت بصمت الفاعلين الاجتماعيين بل بغيابهم، أكثر مما حددتها النتائج الاقتصادية والاجتماعية لانتصار الرأسمالية المتوحشة، التي خانت مهامها الاقتصادية. ومنذ ذلك الوقت ازددنا اقْترابًا من الهاوية بما يكفي ربما كي يدرك من يحكموننا من داخل البيت الأبيض إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل إلى ضرورة التدخل في كل شأن عربي، ومنذ ذلك الحين أَيضًا ازدادَتْ وضعِيتُنَا تدهوُرًا مرَّاتٍ عدِيدةً بالمناسبة، لكن رغبتنا في التدخل ازدادت بدورها. ومع ذلك، لم تشرق الشمس بعد على عالم لا تحركه الإرادة والمعرفة والرغبة في أن ننقل للأجيال التالية. عالمًا مُتطَورًا يمنحُ حُبَّ الحيَاةِ مِنْ استِعادتنَا لِوعينَا. هل عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين عندما كَتبَ كِتابهُ: "نهاية المجتمعات" هل كان يقصد العالم العربي...؟!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

في المثقف اليوم