أقلام حرة

صبحة بغورة: الرسائل السياسية للعروض العسكرية

عادة ما يقترن تنظيم عرض عسكري كبير للقوات المسلحة في إي دولة مع مناسبة احتفال الدولة بيومها الوطني أو إحياء ذكرى تأسيسها في إطار محفل لمسيرة التأسيس أو تخليدا ليوم استقلالها أو انتصارها على أعدائها في حرب مصيرية، أواحتفاء بالتضحيات المبذولة في حرب إقليمية ويهدف العرض إلى بعث روح الفخر والاعتزاز لدي أفراد الشعب بجيش بلادهم الباعث في النفوس نعمة الأمن والأمان.

كثير ما تعد العروض العسكرية مناسبة لتوجيه رسائل سياسية صريحة أو ضمنية، وهي قد تتحول إلى استعراض للقوة مثلها مثل المناورات التي تعد فرصة مناسبة لتصدير صورة عن مدى حجم القوة الصلبة وقوة الدولة، ومثل هذه النشاطات هي في حقيقتها جزء من الاستراتيجية العسكرية للدولة الدفاعية والهجومية والردعية، أن الاستراتيجية الدفاعية هي إظهار قوة الجيش وإظهار أن الجيش قوى ومستعد ولديه إمكانيات عالية، أما استراتيجية الردع فهي إظهار قوة الجيش وقدرته على حماية البلد دون الدخول في حرب بانتهاك استراتيجية الردع أي بمنع العدو من الاعتداء وهذا من خلال امتلاكها قدرات عسكرية على أعلى مستوى مع قدرات الدولة الشاملة.

تعكس العروض صورة رمزية وطنية بليغة المعاني لأنه يحمل دلالة على أن البلاد وهي تعيش عهدا جديدا في ظل تحولات عالمية كبرى تحمل في طياتها ملامح مؤامرات أو مؤشرات الخطر وعدم الأمن والاستقرار أن استقلالها الوطني في الوقت نفسه خط أحمر، وعليه ففي الغالب تترجم الرسائل السياسية للعروض العسكرية ملامح الاستراتيجية الردعية من خلال إبراز مظاهر الجاهزية العسكرية القتالية للرد على أي مساس بأمن الدولة القومي، فهوقد يعكس في حقيقته نوعا من التحدي في ظروف معينة يسودها الاضطراب سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، والعرض العسكري هو العنوان العملي لمدى توفر الإمكانيات وللمستوى التسليحي والتنظيمي للقوات، وهو استظهار للقدرات العسكرية للبلاد بالإضافة إلى أنه يؤكد مظاهر اللحمة الشعبية ويكرس مبدأ الوحدة الوطنية .

العروض العسكرية تكون على عدة أشكال في الظهور بحسب الهدف المراد من وراء تنظيمها ومنها:

* الاستعراض العسكري الاحتفالي في إطار إحياء مناسبة وطنية، و يضم وحدات رمزية لمختلف القوات المسلحة والكليات العسكرية من أفراد وأسلحة وعتاد لقوات الجيش البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، ويبرز من خلاله للخبراء والمختصين مستوى الضبط والربط ومدى ما بلغه الجانب التنظيمي من مهارات دقة العمل والتنسيق في التحكم بمرور قوافل الاستعراض أمام الحاضرين.

* اصطفاف القوات المسلحة وهو من العروض التي تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى مايحمل دلالات كثيرة منها تأكيد جاهزية لأداء مهام واجباته الوطنية في الحفاظ على الأمن القومي وفي قدرته على تجسيد سياسة البلاد العسكرية من استراتيجية دفاعية أو ردعية أو هجومية، والاصطفاف بهذا المعنى يعد ردا على أحداث من قوى معادية معينة تجمل رسالة هامة وهي القدرة على تنفيذ الرد المناسب في الوقت المناسب، والظهور العسكري في الاصطفاف هو تدريب على الظهور في حدود مجالات المشاركة على مستوى القوات المسلحة.

* " تفتيش الحرب" مصطلح العسكري يتعلق بإرادة الاطمئنان على بلوغ القوات المسلحة مستوى الجاهزية التامة والاستعداد الكامل لتنفيذ المهام التي تكلف بها من خلال تفقد الاصطفاف الكامل للقوات ولوسائل الدعم اللوجيستي، ويعتبر تفتيش الحرب أعلى الآليات التي تتبعها القوات المسلحة للتأكيد أمام القيادة السياسية العليا الاستعداد القتالي لتنفيذ الخطط وأداء المهام التي تمكن أن تكلف بها، وبعد الانتهاء من تفتيش الحرب تكون القوات المشاركة به على أتم الاستعداد للدخول في أي معركة، ويحمل تفتيش الحرب في ظروف اشتداد الصراع العسكري في المناطق المحيطة بالدولة معنى التحذير من عواقب اتساع دائرة الصراع وذلك من خلال إظهار هيبة الدولة وقدراتهاالعسكرية الكافية للدفاع عن النفس في حدود نطاق مسؤوليات الجيش، وبذلك يعد تفتيش الحرب طمأنة للشعب على قدرة جيشها على حماية الأمن القومي للبلاد لأنه إجراء عملي يظهر نموذج على جاهزية الجيش طوال الوقت للحرب واستعداده لأعمال القتال للرد على أي مخاطر أو تهديدات خارجية .

* المناورات العسكرية، قد تكون بأحد الأسلحة البرية أو الجوية أو البحرية أو بأكثر من ذلك لتحقيق هدف أو جملة أهداف محددة سلفا، وتختلف المناورة عن التدريب العسكري، حيث تعد المناورة امتحان لما تم التدريب عليه من مهام قتالية، ويمكن أن تكون المناورات بالذخيرة الحية لزيادة صعوبتها وتحقيق هدف معايشة الجندي البسيط لأجواء الحرب، ويسبق إجراء المناورة طابور عرض القوات المشاركة فيها، وقد أصبح شائعا إجراء المناورات أو التدريبات العسكرية بشكل مشترك مع قوات دولة أو دول صديقة لتبادل الخبرات في إطارالتعاون العسكري.

القوات المسلحة في أي دولة هي صمام أمنها والضامن لسلامتها وللزود عن ترابها وحرمة شعبها، وتحرص الدول على امتلاك كل مقومات القوة الشاملة التي تتألف من جيش متطور عصري وحديث ومن عناصر أخرى غير قتالية لأنها غيرعسكرية في طبيعتهاولكنها تدعم العمل العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر كتهيئة الطرق، ورفع كفاءة المواصلات وقطاع النقل والاتصالات، وتجهيز قطاعي الطاقة والتجارة لمواجهة متطلبات الظروف الطارئة، وترقية المنظومة التعليمية والتكوينية والصحية وغيرها من المجالات الحيوية في البلاد.

***

صبحة بغورة

 

في المثقف اليوم