تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

المولدي فرّوج: كيف تدحرج الجهاد الى النّضال؟

ناضل يناضل نضالا أي كافح عن وطنه ودافع عنه قولا وفعلا.

جاهد يجاهد جهادا العدوَّ أي قاتله وجاهد في سبيل الله جاد بنفسه.

نافق ينافق نفاقا أظهر خلاف ما يبطن والمنافق هو من يخفي الكفر ويظهر الايمان.

يبدو منذ الوهلة الأولى أن ''ناضل'' و ''جاهد'' فعلان لا يلتقيان أبدا رغم أنهما يسيران في الاتجاه نفسه، متوازنين جنبا الى جنب كل على سكتين منتظمتين، تخالهما ملتصقين ومترادفين ولكنهما متنافرين في الباطن. ويبدو النفاق متنقّلا بينهما فتارة يركب هذا وأخرى يأخذ صفة الثاني.

وتقول المعاجم أن كلمة ناضل تعني في الأصل الدفاع عن الشيء او عن المجموعة بالكلمة وبتقديم المواقف والرأي لذلك اعتبرت قبائل العربية ان النضال بالكلمة أشد وقعا أحيانا من النضال بالسيف فكانت تعوّل على شعرائها للنضال شعرا وللدفاع عن اعراضها ونسبها وذكر مناقبها.  

وفي أيامنا هذه فتح باب النضال على المجالات الاجتماعية المتنوّعة فصار الفرد، داخل المجموعات المهيكلة وخارجها، يناضل من أجل القضاء على الفقر ومن أجل خلق فرص التعليم والرفاهية ومن اجل توفير الشغل ومن اجل الحريات الفردية والجماعية ومن اجل حقوق المرأة وحقوق الطفل والحق في الانتخاب والترشح للمناصب الحكومية وغير ذلك وكل هذه المجالات تفترض النضال بالكلمة والكتابة دون لجوء الى العنف أو الشغب. ودون بحث عن مكافأة أو أجر أو منصب. لأن من صفات المناضل الحقيقي الصدق في مسعاه والثقة والأمانة والمثابرة والثبات على المبدا وكلها خصال لا تتوفّر في الساعين الى السلطة أو الكسب أو الارتزاق من خلال حراكهم. فالنضال اذن يستوجب الصّدق. وعلينا أن نفرّق بين الشبعان الذي يناضل مع الفقراء ليحصلوا على الرغيف وبين الجوعان الذي يناضل من أجل أن يشبع.

وتقول المعاجم العربية أن "الجهاد" يعني عمومًا "الاجتهاد وفي الدلالات الدينية يفهم منه البذل الوافر في سبيل الله وقد يتغيّر باختلاف المقاصد فالجهاد الأصغر هو مكافحة الظلم والجهاد الأكبر هو مكافحة النفس. والجهاد، خلافا للنضال، قد مرّ بعديد المفاهيم حتى اكتسب دلالات كثيرة لكنها متشابهة في الأصل فنجده في مجموعة الحديث النبوي الشريف بمعنى العمل المسلّحً   وهو يرتقي الى مرتبة الصلاة والصوم كأفضل الأعمال. ثم برز مفهوم الجهاد مع ظهور الاخوان المسلمين ومع السيد قطب الذي دعا الى الاستيلاء على الدول وفرض الحكم بالشريعة وبناء دولة الخلافة. ولهذا تجندت ''الدول الديمقراطية ‘‘لتصنيف الحركات الإسلامية عامة كمنظمات إرهابية، مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وأنصار الله وغيرها. وليس غريبا أن يتبنى الإسلاميون لفظ الجهاد فهو   الذي ورد في القرآن الكريم في واحد واربعين موضعا، وذكره الحديث النبوي الشريف خمسين مرة تقريبا. ولم نعثر على لفظ نضال لا في القران ولا في الحديث، فلماذا تبنّاه الاسلاميون؟

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 ربط الغرب كلمة الجهاد بالإرهاب وظهرت الاسلاموفوبيا وصار الاسلاميون أنفسهم يتحاشون الحديث عن الجهاد خوفا من ادراجهم في قائمة الارهابيين.

حدث هذا في سائر الأقطار الاسلامية وخاصة العربية منها فبعض دول المشرق لم تعد تسمّي داعش باسمها بل تقول ''تنظيم الدّولة'' وجعلت بينها وبين هذا التنظيمات مسافات خوفا من اتهامها بمناصرة الارهاب. الاسلاميون في تونس لم يشذّوا عن القاعدة، فما إن تولّى أمينها العام رئاسة الوزراء حتى ألقى خطبته الأهم مبشّرا علنا وأمام الجماهير بالخلافة السّادسة لكنه اصطدم بوعي المجتمع المدني الذي رفض الدخول في المشروع الاخواني المبطن فاستقال وأخفى مشروعه متظاهرا بالتخلّي عنه.  وحاولت حركة النهضة أن تراجع حساباتها وحذفت من قاموسها ومن بياناتها كل الألفاظ التي تتصل بالاخوانية والاسلامية وحتى الشّريعة. وتخلت، في الظّاهر، عن برنامجها الدعوي لتبدو وكأنها حزب سياسي لا يرتكز على الدّين. وأسقطت نهائيا كلمة الجهاد من قاموسها بعد أن كانت نوّعت في مغزاه أيّام حكمها، فمن الجهاد في سبيل الله الى الجهاد ضدّ الأنظمة الى جهاد النّكاح. واستبدلته بكلمة ''نضال'' التي سرقتها من اليساريين فلم تعد تدعوهم بالعلمانيين وانما بالحداثيين، وصرنا نقرأ في كتابات السجناء السابقين من الحركات الاسلامية: فلان مناضل سياسي مع بعض النعوت الاضافية للزّينة ولرفع المعنويات وإن نفاقا. 

***

المولدي فرّوج

 

في المثقف اليوم