أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (97): الشعب آخر همهم

واجهت ألمانيا بعد صعود النازية وتسلمها سدة الحكم،  دمارا اقتصاديا جراء قلة صادراتها بعد المقاطعة العالمية لها.

فجاءت اتفاقية "هاڤار للتسفير" بين الحركة الصهيونية والنازية عام ١٩٣٣ لكسر هذه المقاطعة.

وقد تمثلت هذه الاتفاقية في "أن اليهود الذين سيغادرون ألمانيا إلى فلسطين يمكنهم استعادة بعض أموالهم باستعمال تلك الأموال لشراء المصنوعات الألمانية التي يمكنهم بيعها بعد ذلك".

وقد أدى بالفعل التطبيق العملي للاتفاقية إلى تقوية النازية من خلال إنقاذ اقتصاد ألمانيا.

والحقيقة أن الحركة الصهيونية لم يكن من أهدافها إنقاذ اليهود كما ادعت وروّجت إنما كانت تنوي من خلال نقل جانب من ممتلكات هؤلاء اليهود معهم إلى فلسطين الحصول على أجزاء كبيرة منها لتغذية مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وليس أدل على ما حدث قول

"أدولف أيخمان" أحد المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث والمتعاون مع الحركة الصهيونية لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين" إن دوائر القوميين اليهود سعداء جدا بالسياسة الألمانية الراديكالية، لأنها ساعدت على إيجاد تفوق عددي على العرب". أي أن السياسة النازية مع اليهود أسعدت الصهاينة لأنها دفعت بهم إلى الهجرة إلى فلسطين فانقلب الميزان الديمغرافي لصالح الحركة الصهيونية.

والجدير بالذكر أن اليهود الألمان بعد قدومهم إلى فلسطين حاولوا الذهاب إلى مكان آخر، إلا أن الوكالة اليهودية جمعتهم في مستوطنات جماعية بعد تجريدهم من أموالهم التي غذت كما قلنا المشروع الاستيطاني.

وفي عام ١٩٤٣ أثناء الحرب العالمية الثانية عندما روجت الحركة الصهيونية لعمليات الاضطهاد التي يتعرض لها اليهود في غيتوات بولندا، لم يكن الإنقاذ وقتها هو هدفهم ولم يكن ضمن أولويات وعقيدة "دافيد بن غوريون"، بل لقد تمثلت جلّ أولوياته في إنشاء الدولة المزعومة.

وقد قالها عضو منظمة الهاجاناه -التي كان بن غوريون يترأسها- "اليعازر لڤنه" الذي أصبح فيما بعد سياسيا في دولة الاحتلال "لم يكن إنقاذ اليهود هدفا في حد ذاته بل وسيلة".

كما شدد صهاينة آخرون على أن دعوات الإنقاذ كانت تشكل خطرا على الصهيونية.

ومن هنا يتضح لنا أن المشروع الاستيطاني في فلسطين كان أهم من إنقاذ يهود أوروبا المضطهدين على حد قولهم والمهددين بالإبادة.

واليوم "بنيامين نتنياهو" في حربه على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ يضحي بالأسرى اليهود بهدف كسب معركة وهمية وتحقيق أهداف لم يحقق منها غير السير بشعبه إلى حافة الزوال.

فها هي الصحف العبرية تتهمه بانه غير مبال في مصير الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة ويقوض الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق مع الحركة.

غير أن نتنياهو صرح بقوله "منذ ديسمبر،  وبالتأكيد منذ يناير،  أصبح واضحا للجميع أننا لا نتفاوض".

حيث يهدد بدخول رفح للقضاء على المقاومة الفلسطينية مع أنه يعلم بأن جيشه الذي فشل في شمال القطاع ووسطه لن يحقق شيئا في جنوبه غير الخسران.

فمن بن غوريون إلى نتنياهو الهدف هو الأرض والتوسع، أما الشعب فهو على رفوف الإهمال.

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم