أقلام حرة

مرتضى السلامي: استعادة الدهشة المفقودة

نحن نعيش محاطين بجدران نبنيها كل يوم، جدران من الألفة والاعتياد. نستيقظ، نشرب القهوة، نذهب إلى العمل، ونعود. نرى نفس الشجرة في الطريق، ونستخدم نفس الكوب، ونسمع نفس الأصوات. مع مرور الوقت، تتوقف هذه الأشياء عن الوجود الحقيقي، وتتحول إلى مجرد خلفية باهتة لحياتنا. لقد فقدنا دهشتنا، وتلك هي الخسارة الصامتة التي نعيشها كل يوم.

الدهشة ليست مجرد شعور عابر، إنها بوابة الوجود الأولى. الطفل هو أعظم فيلسوف لأنه يرى العالم للمرة الأولى. كل شيء بالنسبة له هو معجزة تستدعي السؤال. "لماذا السماء زرقاء؟"، "من أين يأتي المطر؟". أسئلته ليست بحثًا عن معلومات، بل هي تعبير عن صدمة الوجود الأولى، عن مواجهة سر لا يمكن الاعتياد عليه. أما نحن، الكبار، فقد استبدلنا السؤال بالإجابة الجاهزة، والدهشة باللامبالاة.

الفلسفة تبدأ في تلك اللحظة التي ينهار فيها جدار الألفة. عندما تنظر إلى كوب الماء الذي تشربه كل يوم، وتسأل حقًا: "ما هذا الشيء؟ ما هو الماء؟ لماذا هو شفاف وسائل؟". في هذه اللحظة، أنت لا ترى مجرد كوب ماء، بل ترى لغزًا كونيًا هائلاً يتجسد في أبسط الأشياء. لقد توقفت عن قبول العالم كما هو، وبدأت تسأل عن أساسه.

تخيل رجلاً عاش حياته كلها في مدينة سقفها سماء رمادية ثابتة. لم يتساءل عنها قط، فهي ببساطة "موجودة". في يوم من الأيام، ظهر شرخ صغير في هذا السقف الرمادي، ومن خلاله تسرب شعاع أزرق لم يره من قبل. لم يعد السقف مجرد "سقف"، بل أصبح شيئًا له حدود، وله ما وراء. الشرخ الصغير لم يكشف له عن السماء الزرقاء فحسب، بل كشف له عن سقفه هو، عن الحدود التي كان يعيش داخلها دون أن يدري.

أن تتفلسف هو أن تبحث عن تلك الشروخ في جدران عالمك المألوف. أن تتعلم كيف تندهش من جديد أمام المطر، أمام كلمة، أمام وجه إنسان. إنها ليست مهارة فكرية، بل هي موقف وجودي، قرار بأن تعيش بعيون مفتوحة، وأن ترى في كل شيء دعوة للتساؤل والتعجب.

"لكي تتفلسف، تعلّم أن تندهش من جديد. انظر إلى أبسط الأشياء من حولك (شجرة، كوب ماء، كلمة) كما لو كنت تراها لأول مرة. لا تقبلها كأمر مسلم به. اسأل السؤال الفلسفي الأول: 'لماذا هي على ما هي عليه، وليست على نحو آخر؟'. إن إعادة إيقاظ دهشتك أمام سر الوجود، هو الخطوة الأولى والضرورية للدخول في عالم التفكير الفلسفي."

***

مرتضى السلامي

 

في المثقف اليوم