مقاربات فنية وحضارية

وتستمر الحياة .. قراءة للوحة حلم واحد للفنان التشكيلي ماهر حربي

wejdan alkashabاللوحة من وجهة نظر الفنان التشكيلي ماهر حربي رحلة ممتعة تبحث عن عوامل انبنائها واكتمالها من خلال معرفية دقيقة تحفر في جذور الماضي، تستنطقه محاورة إياه حواراً مفتوحاً.. متسائلاً .. تشاغله .. ثم تفتح له أبوابها.. التاريخ ببعده الزمني لا يزال يثير ذاكرة الفنان ماهر، كما يثير فرشاته بمفرداته ورموزه وقصصه فمن الآثار القديمة جداً التي قد تقارب ال (8) آلاف سنة إلى معطيات القصص والأحداث والمواقف المسيحية التي خلّدها التاريخ ناقلاً إيّاها عبر استمرار زمني مفتوح، لتكون سلسلة طويلة متماسكة تعلن عن حضورها بعد رحلة شاقة من البحث والدراسة والتفكير والتأمل وتراكم الخبرة كان النتاج مجموعة كبيرة من اللوحات المثيرة لذاكرة المتلقي، والمثيرة أيضاً للتساؤل عن كيفية اشتغال الفنان ماهر وهو يلمُّ التاريخ ثم يضفي عليه لمسة من روح عصر النهضة ليكون النتاج لوحات تشي بخصوصية اشتغالها، وفرادة مبدعها؟

تتنوّع مفردات لوحات الفنان ماهر بين ما هو رمز ديني، أو معطى طبيعي، أو موروث غائر في الـقِــدم، أو ما هو ماثل للعيان في الواقع من أبواب ونوافــذ وجدران وغيرها .

في مشاركاته الكثيرة { 120معرضاً، منها 7 معارض شخصية داخل العراق وخارجه} كان تفكيره أن ينتج ما يريده هو، أن يحيل المتلقي إلى تجربته التشكيلية ذاتها، لا إلى لوحات المناسبات، ولا إلى اتخاذ الفن سلعة للتجارة، بل الفن في كينونته التي تعلن أنّه رسالة يرسلها الإنسان إلى الإنسان ليشاركه همومه ومعرفيته وتأملاته، لذا تجد الإنسان ماثلاً في كل أيقونة رسمها، وكل جدارية كنسية أنجزها.. وهي تحاور مشاهد تاريخية، ومواقف دينية، وتعلن رؤاها الفلسفية الخاصة، ومن هذه الجداريات ما نفّذها داخل العراق، ومنها خارجه .

 

هذه واحدة من لوحاته تحمل اسم { حلم واحد } عرضها عام 2000 في المعرض الافتتاحي لقاعة { الساعة } للفنون في مدينة الموصل، وكان عنوانه {صالون الخريف الأول}، نفَّذها بالزيت على قنوجة {قماش خشن الملمس} بحجم 50-60سم.

الخطيئة الأُولى قصة ظلّت تثبت وجودها على المدى الزمني الطويل بحضوراتها المتنوعة في مختلف الأجناس الابداعية والمعرفية، فأصبحت مثار إلهام وبحث دائماً، تثير الباحث فيعيد سردها ومحاورتها، مضيفاً إليها رؤاه الخاصة .

في هذه اللوحة يعيد الفنان ماهر تشكيل الحدث من جديد عبر رؤية متفردة من خلال تكوين اعتمد على أشكال وتفصيلات سأُحاول إعطاء كل شكل منها استقلالاً مؤقتاً لغرض البحث، ثم أعود فأربط هذه الأجزاء ببعضها لإظهار دلالاتها، وهذه الأجزاء هي :

1-الأرضية .

2-الشكل البيضوي الناقص .

3-الجسدان داخل الشكل البيضوي الناقص .

4-التفاحة التي يحملها الرجل .

5-الشجرة .

6-الشكل الزخرفي .

اشتغل الفنان باتجاه تكوين حدد فيه كتلة الرجل والمرأة داخل شكل بيضوي ناقص التكوين مما يؤشر محاولتين اعتمدهما، الأولى منهما تحمل دلالة الكتمان والتخفي داخل الشكل البيضوي، والثانية تحيل إلى قدرته على كشف هذه المحاولة من خلال كشف المستور داخلها بإزاحة قشرتها طولياً، مما جعل الجسدين الإنسانيين في مواجهة المتلقي بشكل مباشر، فالمستور إذاً أصبح مكشوفاً .

إنَّ مشهدية هذه الكتلة تكشف عن تآلفٍ حميمي بينهما، وهذا ما يتبدّى من خلال الطريقة التي اختارها الفنان في إظهار جسديهما المتقاربين، وكذلك علامات السكونية والاستقرار التي تشملهما، رغم حركية المشهد المتمثلة بطريقة جلوس كل منهما، حيث التقارب الكثيف في الجزأين العلويين لهذين الجسدين، والتقابل الواضح الملامح للجزأين السفليين منهما، والخطيئة تعلن عن بداية حضورها من خلال التفاحة التي يمسك بها الرجل، ولم يقضمها بعد، بل تؤشر حركة يده استعداده لقضمها ولتقديمها للمرأة بدليل اتجاه حركة يده نحو جهة المرأة .

يُشكِّل إضافة الوشم لجسد الرجل محاولة في انجاز أكثر من وظيفة أراد له الفنان أن يؤديها، فهو جمالية مضافة، وإغراء مضاعف، وتكرار شكلي للخطوط المنحنية التي تُمثِّل لحية الرجل، وإفادة من خاصية التصغير التي تقابل التفافات شعر كل من المرأة والرجل .

تلفت انغلاقة أجفان كل من المرأة والرجل انتباه المتلقي مُحيلة إيّاه إلى دلالة الانسحاب الكامل من المحيط الكائن حولهما، وهو انسحاب نحو المشاعر الداخلية الكامنة والمستورة بالنسبة لهما، وهذا يُشكِّل تضاداً كاملاً مع حقيقة أصبحت الآن واقعية بسبب انكشافها للمتلقي من خلال وقوعها في حيّز مرماه البصري .

إنَّ استمرارية الحدث { حدث الإغراء بالخطيئة } تؤكدها فكرة اختيار الفنان لشكل البيضة الناقصة التكوين لاحتجاز الجسدين داخلها، والبيضة محمول رمزي له دلالاته في الذاكرة الجمعية البشرية من حيث الكينونة، فهي رمز للانبعاث والتجدد الحياتي، كما تؤشر الأمل والرجاء بالاستمرار الوجودي للكائن الحي عبر التناسل، إذاً البيضة هي : البذرة، الاستمرار، التناسل، والخطيئة هي الأُخرى مستمرة ومتناسلة، ولن تعرف التوقف .

هنا سيطرح التساؤل نفسه باحثاً عن إجابة :

لماذا اختار الفنان ماهر كتلة البيضة الناقصة تكويناً، ولم يجعلها كاملة ؟

في محاولتي للبحث عن إجابة لهذا التساؤل، لا بُدَّ لي أولاً من العودة إلى الشكل الأصلي للبيضة الذي هو الشكل البيضوي الذي يحيل إلى الشكل الهندسي للدائرة، حيث يمنح شكلها المستدير تأشيرة على حالة مستقرة {تعادل القوى} ولكن الفنان من خلال تكرارية شكلها أو تجزئته أو تركيبه يمنحها القدرة عل تأشير حالة حركية تتسم بانعدام الاستقرار، وهذا ما سينطبق على شكل البيضة أيضاً بوصفها شكلاً مشتقاً من الدائرة، لكن ما فعله الفنان ماهر في هذه اللوحة هو اقتطاع ثلثها الأسفل والاكتفاء بثلثيها العلوي والوسطي، مما منح شكلها قدرة على الاستقرار، ينضاف هذا إلى أنَّ التموضع العمودي للبيضة يمنحها استقراراً كذلك .

سأقف عند فكرة الاقتطاع هذه التي لفتت نظري، حيث أنَّ الفنان ماهر نفــذَّ هذا الاقتطاع بانسيابية ومرونة عالية تمثّلت في الانحناء الهادئ للخطوط بعيداً عن الزوايا الحادة، وهذا ما تجسّد أيضاً في الاقتطاع الطولي للبيضة، فكسر قشرة البيض واقعياً يعطي خطوطاً منكسرة ومتعرجة حادّة الزوايا، لكن الفنان ماهر اعتمد الخطوط المنحنية ذات الشكل الأقرب إلى الأملس ليتوافق مع الخطوط الأُخرى أولاً، وليمنح دلالات اللوحة ثقلاً ثانياً .

الشجرة هي الأُخرى لها رمزيتها أيضاً، لترابطها مع قصة {الخطيئة الأُولى}، ولتحقيق هذه الرمزية حرمها الفنان ماهر من شكلها العام الذي تعرّفت عليه بصائرنا في الواقع العياني، وهو الشكل العشوائي غير المنضبط بسبب انتشار الأغصان ومحمولاتها الورقية بعشوائية عالية، لكنَّ الفنان هنا أعاد انضباط هذه العشوائية حين أحاطها بخطٍ منحنٍ حوّلها هي الأُخرى إلى أقرب ما تكون إلى البيضة شكلاً، مؤكداً ترابطها العميق مع الشجرة أولاً، وترابطها مع موضوعة اللوحة ثانياً، بدلالة امتداد جذعها بشكل انسيابي لتتماهى مع حافات البيضة، وشبه الإنحناء الذي تمظهرت به وكأنَّها تُـظِّـلُ الجسدين .

مع أنَّ الفنان ماهر منح شكل الشجرة ثقلاً كتلياً واضحاً، إلاَّ إنَّه ثقل أخف بكثير وأقلّ مساحة من كتلة البيضة، وهو بهذا يمنح المتلقي دلالة أراد إبرازها وهي تخفيف الاهتمام بأسباب الخطيئة، وتركيزه على نتائجها، ولهذا منح كتلة البيضة والجسدين مساحة احتلت نصف اللوحة الأسفل تقريباً، وهنا سنجد تساؤلاً آخر يمثل أمامنا :

لماذا اختار الفنان ماهر النصف الأسفل من اللوحة لموضعة البيضة والجسدين ؟

يتأتى هذا الاختيار من فكرة الفنان ماهر التي تحيل إلى أنَّ الخطيئة المقصودة – التي تُشكِّل موضوعة اللوحة – إنَّما هي خطيئة أرضية، وليس الموضوع الاساس للوحة هو الخطيئة الأُولى التي أحدثها آدم وحواء في الجنة، بل الخطيئة التي ما زالت تتكرر في وجوهها المتنوعة الحضور عبر أحفادهما .

أمَّا الشكل الزخرفي الذي احتلَّ الجزء الأعلى من اللوحة فهو تكرار خطيّ لأشكال منحنية على شكل أنصاف أقواس متداخلة، يمكن لنا أن نميّـز فيها كتلتين واضحتي الحضور، تقع الأُولى في جهة يسار اللوحة، وهي الأصغر نسبياً من حيث حجمها قياساً إلى الكتلة الواقعة في جهة يسار اللوحة، والتي اتخذت شكلاً أكثر انفتاحاً من الأُولى .

75 mahirharbi

هنا سنلاحظ أنَّ الكتلتين ليستا منفصلتين تماماً بل يجمعهما الشكل الحلزوني الذي يـمـتـد نت داخل الكتلة الأكبر ليلتف على نفسه ويتماهى مع الكتلة الأصغر، مع ملاحظة أنَّ بدايته تقع في العمق الفراغي {البعد الثالث} للكتلة الواقعة في اليمين، فيما يحتل المقدمة الأقرب مكانياً إلى المتلقي في جهة اليسار من اللوحة .

هنا أثارت ذاكرتي مجموعة من التساؤلات:

1- لماذا اختار الفنان هذا الشكل الزخرفي ليضيفه إلى اللوحة؟

2- لماذا اتخذ هذا الشكل موضعته في أعلى اللوحة ؟

3- لماذا اتخذ هذا الشكل موضعته بحيث يظهر الجزء الأول {الأصغر} في جهة يسار اللوحة ؟ والجزء الأكبر في جهة يمين اللوحة؟

4- يتركب الشكل الزخرفي من أنصاف أقواس أي إنَّها أجزاء من الدائرة، فلماذا أضاف الفنان الشكل الحلزوني؟

يشير المسح البصري والتدقيق الذاكراتي إلى أنَّ هذا الشكل الزخرفي كان تحقيقاً وظائفياً، فهو من حيث الشكل يمثل حالة تكرارية للخطوط المنحنية التي جسّد بها الفنان الأشكال التي اعتمدت عليها اللوحة في اكتمالها {البيضة، الجسدان الإنسانيان، التفاحة، الشجرة} فبدا وكأنَّه اختزال لهذه الخطوط، كما أنَّ هذه المشاكلة أدّت وظيفة أُخرى هي تأشير حالة التلاحم والأُلـفـة والتداخل التي قدّمها الفنان في عرضه للجسدين.

يبدو لي أنَّ اختيار الفنان ماهر حربي لموضعة الشكل الزخرفي في أعلى اللوحة هو اشغال للفراغ الناتج عن اكتمال الدلالات التي أرادها الفنان من لوحته، أو ربّما هو تأكيد آخر لها، ليؤشر أنَّ هذه الدلالات ستظلّ قابلة للتكرار في الواقع العياني المعاش ولن تتوقف بل إنّها تتناسل، وهي في هذا تلتقي وتتفق مع رمز البيضة التي تحيل دلالياً إلى الاستمرار التناسلي والتجدد .

ولعل ما أثار هذا التوجه التحليلي لديَّ هو اختيار الفنان ماهر لموضعته في أعلى اللوحة، مما سيؤشر بالتالي قدرية هذا الاستمرار، وهذا ما يؤكده وجود خطوط شبحية التمظهر تهبط من أعلى نقطة في اللوحة والمتمثلة في الخط الفاصل لحافة الإطار الداخلي لتشتبك مع خطوط شبحية هي الأخرى من الشكل الزخرفي الأكبر لتهبط نحو الأسفل باتجاه أعلى الشجرة، لكنها تضيع في الفراغ الواقع بينهما، إذاً هي المقابل المتضاد تماماً مع الخطوط المتجهة للأعلى، فالأُولى قدرية هابطة من الأعلى، والثانية بشرية هابطة إلى الأسفل .

لنعيد المسح البصري لهذا الشكل الزخرفي والاشتغال الذاكراتي أيضاً، فنبحث عن سبب موضعة الجزء الأصغر من الشكل الزخرفي في جهة يسار اللوحة، والجزء الأكبر منه في جهة يمين اللوحة ؟

في التكوين الطبيعي للجسد الإنساني خلق الله سبحانه وتعالى جسد المرأة أصغر من جسد الرجل، وكان هذا توجه الفنان أيضاً في رسم كتلة جسد المرأة أصغر من كتلة جسد الرجل، وكان هذا توجه الفنان ايضاً في رسم كتلة جسد المرأة أصغر من كتلة جسد الرجل، ويبدو لي أنَّ هذا هو السبب أيضاً في اختيار الفنان ماهر جهة يسار اللوحة العلوي لموضعة الجزء الأصغر، فتكون بذلك مقابلاً وتكراراً لجسد المرأة، والفكرة نفسها تنطبق على الكتلة الأكبر ويقابلها الشكل الزخرفي الأكبر .

سأحاول قراءة المنظومة اللونية التي اعتمدها الفنان ماهر في هذه اللوحة لاستكشاف دلالاتها أولاً، ومدى تآزرها مع دلالات اللوحة ثانياً، ومدى اتساقها مع رؤيتي لها ثالثاً، وبذلك سأتمكن من تشكيل الرابط الذي سيغذي شبكة الدلالات التي عاشت في ذاكرة الفنان، وغــذّت تجربته الحياتية، وكان ناتجها هو هذه اللوحة .

يكشف المسح البصري للألوان – كما ذكرنا – عن اعتماد الفنان ماهر في بنائه لمشهدية اللوحة على موضعة مجموعة من الكتل المتباينة في حجومها، وفي منظومتها اللونية أيضاً، معتمداً تقنية خاصة فيما يخص اللون والخامة، حيث كان اللون الأحمر المتدرج إلى الوردي يُشكِّــل حضوراً أكثر من اللون التركوازي الغامق {الأخضر المزرق} ومن الأزرق الغامق والمتدرج أيضاً، فاللون الأحمر المتدرج اتخذته كتلة البيضة والرجل والمرأة والتفاحة، وهو لون مُـحمّـل بدلالات الحياة والاستمرار والعـنفـوان، وهو بهذا يتفـق دلالياً مع موضوعة اللوحة، وتتكامل الدلالة باتخاذ اللون نفسه للإطار الخارجي لهذه اللوحة .

أمـّـا اللون التركوازي فاتخذته الأرضية لتُشكِّـل تضاداً متكاملاً دلالياً، حيث أنَّ الأخضر هو لون العطاء والتجدد والانبعاث، وهو في الوقت ذاته لون أرضي يحيل إلى خضرة الطبيعة، والأزرق ذلك اللون البارد الهاديء الذي يحيل إلى قيم سماوية عُليا، إذاً قيم الأرض وقيم السماء تتلاقى وتتمازج لتحيل إلى استمرارية الحدث بوجهيه الأرضي والسماوي .

وتؤشر الشجرة التي منحها الفنان ماهر الأزرق لوناً إلى تعارضٍ مع مشهدها في الواقع العياني الذي يعلن خضرة أوراقها، لكنها تعارضت مع هذه الحقيقة الأرضية لتحيل إلى حضور سماويّ عبر لونها الأزرق، وهذا ما يتفق دلالياً مع قيمتها التي أشّرتها الخطيئة الأُولى .

فيما اتخذت الأشكال الحلزونية ألواناً متعددة مؤشرة دلالات قيمية متنوعة تحتملها الحياة بأوجهها ومواقفها .

والشمس كان حضورها باهتاً بلونها الأبيض الشاحب، وبوصفها عنصراً كونياً يكمل المشهد .

تُشكِّـل أرضية اللوحة بُعداً مكانياً ومرتكزاً لا بُـدَّ من وجوده لموضعة عناصر اللوحة،، كما أنَّـه يمنح المتلقي فرصةً لتسليط إضاءةٍ على دلالات اللوحة التي تُـكــوِّن خلاصة تفاعل عناصرها، وبما أنَّ موضوعة اللوحة هي { الخطيئة} المتناسلة، وعنونة اللوحة هي { حلم واحد}، إذاً هي الخطيئة المسموح بها، وهي الخطيئة التي تملك وجهين :

الأول : سلبي تؤكّــده خطيئة آدم وحواء .

الثاني : ايجابي لأنّـه الطريقة الوحيدة للتناسل البشري، أي الاستمرارية البشرية، ولهذا اعتمد الفنان ماهر القنوجة خامة للوحة، وهي قماشة خشنة الملمس، لكنَّ الفنان استطاع تطويعها لقبول الألوان، وتمثيل موضوعة اللوحة، ولعـلَّ في هذا تأكيد آخر على وعي الفنان ماهر العميق بأنَّ الحياة لا تمتلك إلاّ الخشونة، ولكنها خشونة قابلة للتطويع إلى حدٍ ما .

هنا سيلفتُ نظر المتلقي تعمد الفنان ماهر استلال بعض خيوط الخامة {القنوجة} الخارجية بحيث تنفلتُ بقية خيوطها إلى الخارج، مما يؤشر دلالة مضافة على أنَّ حدث الخطيئة لم يبقَ مستوراً، وإنّـما هو متجه إلى انكشافٍ في كل الاتجاهات لأنَّ هذه الزوائد الخيطية المتجهة إلى خارج اللوحة إنَّـما هي إشارات تواصلٍ تـبـثُّــها اللوحة وتنشر موضوعها معها .

والآن لأتوقـف عند الشكل العام لهذه اللوحة، وهو شكل مستطيل، ولكنَّــه ليس المستطيل المنتظم الذي يتساوى كل ضلعين متقابلين فيه، لأنَّ الفنان ماهر أراده مستطيلاً مغايراً للقاعدة الهندسية، مما دفع به إلى منح النصف العلوي منه شيئاً من الانتظام الهندسي، أمّـا النصف الثاني فـتـركَ له مسافة من البروز الإنسيابي نحو الخارج تآزراً مع استدارة كتلة البيضة .

تبقى لي إشارة أخيرة تؤكـد ما سبق أن أشرتُ إليه من اعتماد الفنان ماهر في بعض لوحاته لمسة من روح عصر النهضة، وهذه اللمسة – بتصوري – هي الإضاءة البيضاء التي تمظهرت حول جزء من البيضة والشجرة والشكل الزخرفي، وهي تحيل إلى الهالات التي كانت تُرسم حول رأس السيد المسيح {عليه السلام} وبعض الشخصيات الأُخرى للتدليل على العناية الإلهية لهذه الشخصيات.

 

د . وجدان الخشاب

العراق

 

في المثقف اليوم