مقاربات فنية وحضارية
لآباج: الفنان الذي رحل مبكراً .. لمحات مضيئة من تاريخ الفن (52)
جول باستيان لاباج Jules Bastien LePage عبقرية فنية انطفأت في عز توهجها.
يعتبر من طليعة فناني المدرسة الطبيعية التي تطورت عن الواقعية الفرنسية في الربع الاخير من القرن التاسع عشر.
ولد في قرية دامفلرز Damvillers الصغيرة ونشأ في ربوعها الريفية وتشبع بحياتها المتواضعة البسيطة.
كان الفضل الاول في وضع اقدامه على طريق الفن هو والده المزارع وهاوي الرسم الذي كان يزاول هذه الهواية المحببة كلما تيسر له من وقت خلال عمله الشاق المستمر في الحقول.
وعندما شب الابن الرسام حرص الوالد المتحمس على ارسال ولده الى باريس ليدخل مدرسة الفن الشهيرة Ecole des Beaux-arts متتلمذا على يد الفنان الكبير كابنيل Cabanel .وخلال سني الدراسة لم يكن غريبا على جول ان يتفوق ويفوز بعدة جوائز.
لكن الحرب الفرنسية - البروسية مالبثت ان تندلع عام 1870 فينخرط جول في معاركها كجندي وهو في سن الثانية والعشرين، وينتهي به الحال جريحا ليعود الى قريته من اجل ان يتشافى ويستقر ويعود الى رسم افخم اللوحات مستلهما الحياة الريفية التي احبها وتشرب بنقائها.
حرص جول على ان يواضب على عرض اعماله في معارض باريس السنوية ففاز بالجائزة الثالثة عام 1874 لتبدأ شهرته في باريس وفي عموم فرنسا وتقوده الى جوائز اخرى وتكليفات لرسم بورتريهات لاشخاص مهمين ومتنفذين.فكانت حصيلة هذا النجاح ان تتحسن اوضاعه الاقتصادية وتمكنه من السفر والاطلاع.
ولهذا فقد شد الرحال الى ايطاليا لينهل من تراثها الفني العريق ومن ثم الى الجزائر لكن صحته بدأت تتردى سراعا فعاد الى باريس وفيها لم يمهله المرض فتوفى عام 1848 وهو لم يكمل السادسة والثلاثين من العمر.
في الذكرى الاولى لوفاته اقامت له مدرسته الفنية معرضا شاملا مهيبا ضم اكثر من 200 لوحة من اعماله.
كما انجز له نحات فرنسا الشهير رودان تمثالا تكريما لموهبته وموقعه في تاريخ الفن الفرنسي. وقد تم نصب التمثال في مسقط رأسه، تلك القرية الصغيرة التي لازالت تحتفي بذكراه الى اليوم.
مصدق الحبيب