مقاربات فنية وحضارية

محمد الكناني وهيمنة الرؤية على التشكيل

356 محمد الكنانيمحمد الكناني أستاذ الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، من مواليد بغداد 1970، درس الفن التشكيلي وشُغف به منذ صغره.

ترأس قسم الفنون التشكيلية بكلية الفنون الجميلة لأكثر من مرة.

له أكثر من ١٢٠٠عملاً تشكيلياً في فن الرسم والنحت والكرافيك كما أبلغني هو.

من كُتبه: (النُظم المعرفية بين العلم والمعرفة، و كتاب: (دراسة في تأصيل المفاهيم) وهو دراسة في النقد الفني للرسم العراقي الحديث.

تأثر بأساتذة الفن الكبار أمثال: فائق حسن، وشاكر حسن آل سعيد، وجواد سليم وكاظم حيدر.

صقل موهبته عبر الدراسة والشغف بفن بلاد ما بين النهرين، وأجده في أعماله النحتية أقرب لفنون بلاد ما بين النهرين منه الى فن الرسم الذي بعد إكتسابه للمهارة والدراية والخبرة صار أقرب لفنون ما بعد الحداثة، فهو بعد دراسة جادة لمدارس التشكيل ولأصولها الفلسفية، صار أكثر شغفاً بالفلسفة، حتى طغت على رسوماته وأعماله النحتية تأثره بقراءاة مدارس وإتجاهات فلسفة ما بعد الحداثة، حتى تمكنت منه الفلسفة، فتمكنت منه وتمكن منها، فدخلت بوعي أو من دون وعي لتخترق أعماله، حتى صار طلبته في الدراسات العليا ممن درسهم أو أشرف عليهم كثيروا التأثر بتوجهاته هذه، وقد غلبت في بعض الأحيان على دراساتهم أطر التنظير الفلسفي في رسائلهم وأطاريحهم على فاعليتهم ومقدرتهم التشكيلية، فتجدهم أقرب لنُقاد الفن التشكيل منهم إلى التشكيليين، وإن يكن منهم تشكيليون مُميزون كما هو حال أستاذهم.

54 محمد الكناني

تأثر محمد الكناني بأساتذة عراقيين في الفلسفة منهم مدني صالح، وهو (أي الكناني) من أكثر أساتذة الفلسفة تعلقاً بشخصية مدني صالح على مستوى التأثر به فكرياً وتدريساً، لأن مدني صالح درّسه في الدراسات العُليا فلسفة الفن، وهو الأقرب لدكتور نجم عبد حيدر الذي هو بدوره تجد أن الفلسفة قد تمكنت منه بفعل تأثره أيضاً ببعض أساتذة الفلسفة العراقيين، ومن أهمهم مدني صالح، فضلاً عن قراءته المُستمرة للفلسفة.

تأثر بصاحبه أستاذ الآثار وتاريخ الفن د. زهير صاحب، فكان لنفحاته الآثارية وتطلعاته الفكرية أثرها في ثقافة الكناني وأعماله التشكيلية في الرسم والنحت.

ولم يغب أثر صديقه القريب د. بلاسم محمد بكل تمرده على كل الصيغ والمناهج التقليدية والحداثية الجاهزة.

ويبقى للكناني بصمته الخاصة فقد شارك في العديد من المعارض التشكيلية رسماً ونحتاً المحلية والعربية والدولية، وحصل على العديد من الجوائز أهمها:

ـ جائزة الإبداع العراقي للثقافة والفنون (فن الكرافيك) عام 2000م.

55 محمد الكنانيالفكرة في فضاء عمله التشكيلي يحكمها فعل التحديث بوصفه فعل ديناميكي ينفعل به فضاء التشكيل اللوني للعمل الفني الذي يحدَه المكان (اللوحة)، ولكن الزمن فيه يفلت خارج أطار محدودية المكان (اللوحة)، لأن تصيير زمانها إنما هو فعل تأثير وتلقي يكون للمُتلقي دوره في الديمومة التي يرومه الكناني للوحته لتخرج من أطرها المكانية لتتماهى مع ثقافة المُتلقي الذي يحتاج عُدة مفاهيمية وفلسفية ناضجة لتلقي أعمال الكناني.

لا يسعى الكناني لاختراق أفق اللوحة اللوني، كي لا يجعل من المُتلقي خارج مُقتضيات أعماله التجريدية منها أو القريبة من فهمه المُباشر، فستجد لوحاته على الأعم الأغلب يطغي فيها لون ما يحمل معنى ما يُريد من خلاله الكناني إيصال رسالته في بوصفه صاحب رؤية تستعين بالفلسفة التي تبحث عن المعنى حتى في رؤى فلاسفتاها الحالمين.

رغم أن الكناني في كثير من الحوارات معه يؤكد سومريته، فهو بأصوله ابن هذه الحضارة (حضارة سومر) التي منها بدأت حكاية الإنسان، ومنها بدأ الفن بكل تمظهراته، وكما قال صموئيل كريمر في كتابه ألواح سومر (التاريخ يبدأ من سومر)، لكنه يرسم لأن فيه شغف للرسم، هو يجد في الرسم تعبير عن مكامن الذات وإرهاصاتها، وهو يهيم في فن الكرافيك لأنه يعدَه مكمن التجريب لتعددية الخامات والمواد الداخلة فيه.

الكرافيك عنده هو الذي بمقدور الفنان الفنان أن يكشف عن مهارته فيه خارج مُهيمنات وسلطة تددية اللون.

رغم أن كثير ممن كتب عن الكناني يرى أنه مُغرم بتددية اللون، إلَا أنني أجدَه على العكس من ذلك، فاللون عنده طُغيان لحالة نفسية ووجدانية، ولكل شعور داخلي وجداني في حالة التعبي عنه في الألم أو الفرح، هُناك لون يستبيح اللوحة ويخترق مساحاتها داخل فضائها المؤطر، وكل لون آخر في اللوحة إنما هو ضربة ريشة فنان يحلم بخرق أفق المُعتاد والراكد المُهيمن على شعوره الداخلي.

اللوحة صورة إبهارية، وهي عند الكناني كذلك، ولكنه لم يكن مشغولاً في الإبهار اللوني فقط، رغم أن هذه من المهارات التي ينبغ أن تتوافر عند كل فنان ما بعد حداثي، والكناني أقرب لتوجهات هؤلاء التشكيليين الذين ينهل منهم كثيراً من مُتبنيات وعيهم التشكيلي ليُعيد صبه ببصمة فنان ماهر له القدرة على تحويل ما هو عالمي ليكون أكثر قُرباً للتذوق المحلي، وله في ذات الوقت القُدرة على جعل ما هو محلي وكأنه عمل مُكتنز بمعاني ذات أفق كوني، وتلك من بقايا تأثيرا قراءته الواعية لفلسفة وتاريخ الفن عموماً والتشكيلي على وجه الخصوص.

 

د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم