مقاربات فنية وحضارية

لمحات مضيئة من تاريخ الفن (73): گويا، رائد الفن الثوري

69 Goya3rd3.fwالثالث من مايس عام 1808 هو عنوان لوحة الرسام الاسباني فرانسسكو گويا التي تخلد انتفاضة الشعب الاسباني ضد الاحتلال الفرنسي الذي قاده جيش نابليون من أجل تقسيم اسبانيا وابتلاعها وتأمين منفذ هام لفرنسا على البحر الأبيض المتوسط.  كان گويا قد رسم هذه اللوحة بعد ست سنوات من ذلك التأريخ،  أي عام 1814 عند جلاء القوات الفرنسية من بلاده. وفيها أراد الفنان أن يصور بشاعة الحرب ووحشية سلطة الاحتلال. فعندما انتفض الشعب في مدريد في ذلك اليوم الذي اصبح عنوانا لعمله، انتشر جنود الاحتلال في كل ركن من المدينة واعتقلوا مئات المتظاهرين وكل من وقع عشوائيا بيد العسكر، حيث كان الأمر قد صدر من قائد الجيش المحتل وكان مفاده ان يتم اعدام المعتقلين جميعا. وهكذا فقبل فجر اليوم التالي اقتيدت مجاميع كثيرة من المتظاهرين ومن اعتقل معهم الى ساحات الإعدام خارج المدينة وتم رميهم بالرصاص بشكل جماعي وبدم بارد .

69 Goya3rd1.fw

حرص گويا ان يجعل السماء التي احتلت ثلث اللوحة مكللة بسواد الليل، وقسّم اللوحة انشائيا الى طرفين بمجموعتين من الشخوص، فرقة الإعدام على اليمين حيث يقف الجنود، الذين لانرى وجوههم ، كجدار حديدي وهم يشهرون بنادقهم الطويلة على مقربة من رؤوس المعتقلين. وفي الجانب الايسر من اللوحة يقف المعتقلون بوضعيات وتعابير مختلفة تصور رعب الانسان وهو يواجه الموت. وبين المجموعتين آثر الرسام ان يضع مصباحا كبيرا يبدد ظلمة الليل ويشرق بنوره على وجوه الضحايا خاصة الشاب ذي القميص الأبيض الذي يواجه الظلم والموت بشجاعة وتحدِ رافعا يديه الى السماء في وضع يشابه مشهد صلب المسيح. وقد ذهب كويا الى ابعد من ذلك فوضع أثر ثقب في راحة يده اليمنى يحاكي أثر مسمار الصلب الذي اخترق يد المسيح.

69 Goya3rd2.fw

يجمع اغلب نقاد الفن بأن هذه اللوحة بدأت عصرا جديدا من حيث الموضوع والأسلوب فألهمت عددا من الفنانين الكبارالذين رسموا تحفا فنية تاريخية لاحقة في موضوعات مشابهة عن نضال الشعوب واستبداد السلطات، فجاءت لوحة "الحرية تقود الشعب" لديلاكروا عام 1830،

69 Goya3rd4.fw

ولوحة "اعدام الامبراطور ماكسميلان" لمانيه عام 1868، ولوحتا بيكاسو "گورنيكا " عام 1937 و"مذبحة في كوريا" عام 1951، وتلتها آلاف اللوحات لفنانين آخرين عبر العالم منذ ذلك الوقت ولحد الان وهي تخلد نضال الشعوب من اجل الحرية والسلم والعدالة. 

69 Goya3rd5.fw

مصدق الحبيب

 

في المثقف اليوم