مقاربات فنية وحضارية

قاسم حسين صالح: الشجرة القتيلة.. استلاب الأنسان!

حين يلتقط الفنان المبدع حادثة عادية، فانه يعالجها معالجة غير عادية.. في التضمين والأسلوب، وهذا ما حصل لجواد سليم في (الشجرة القتيلة). فالحادثة عادية جدا يمكن ان تقع في كل يوم، ولكن زمن وقوع الحادثة ولّد سخرية لفتت انتباه جواد.. فزمن وقوع الحادثة هو(عيد الشجرة- 31 آذار) ويوم العيد هو يوم الفرح، اليوم الذي تزرع فيه نباتات جديدة لتصبح أشجارا، وتكرّم فيه أشجار مزروعة لتنعم على الناس بفضائلها الكثيرة.. غير أن ما حصل هو ان الشجرة أهينت وذبحت حين رأى فلاحا يقطّع اغصانها ويرميها أرضا في يوم عيدها وتكريمها، وهذه هي السخرية التي لفتت انتباه جواد، ومنها التقط الفكرة.

والفنان المبدع لا يبدأ بتنفيذ الفكرة بعد التقاطها مباشرة، بل يتركها تتخمر في ذهنه، وتبدأ حالة الفنان ووعيه لواقعه ومجتمعه الأنساني تصب (أنزيماتها) على الفكرة لتلد موضوعا وأفكارا.3477 الشجرة القتيلة

والموضوع الذي تضمنته الشجرة القتيلة هو هذا الموضوع الازلي (استلاب الانسان) او (الانسان المستلب)، وكان جواد واضحا كل الموضوح في تجسيده لهذا الموضوع الذي نكشف عنه الان.

يمثل جذع الشجرة (انظر التفصيل) تجسيدا واضحا لجسم انسان محزوز الرأس، فيما الغصن الذي يخرج من صدر الجذع (الجسم) فهو يحمل رأس انسان.. قطع الآن!-الزمن المطلق- فهناك شريط دموي ينزف من الرقبة المحزوزة باتجاه الرأس، وقطرات دم لم تتخثر بعد.

هذا هو الموضوع اذن (استلاب الأنسان). فما هي الأفكار التي يطرحها هذا الموضوع؟

يمكننا أن نطرح افكارا كثيرة، ما دام الموضوع أزليا وغزير الأفكار، الا أن الفكرة الأصل فيه تتمثل بالآتي:

يمثل جذع الشجرة تجسيدا لجسم المرأة.. المرأة الأصل، ويمثل الغصن – الرأس، رأس رجل- الرجل الفرع. والمرأة شجرة طيبة تنبت ثمرا طيبا، ولا أطيب من الأنسان حين يكون طيبا. ولكن الطيبة والطيب مستلبان دائما من بني جنسهما.. البشر الوحوش. فالرجلان يحملان أدوات القطع والذبح هما شخصان يمثلان القوة الجسدية والخواء الفكري.. وقد أجاد جواد اجادة تامة بتجسيد هذين التعبيرين في الرجلين.

أليس هذا هو الموضوع الأزلي؟.فحين يمسك الأغبياء والمتوحشون بالسلطة.. بدءا من سلطة البيت الى سلطة الدولة.. فماذا يكون مصير الطيبين والمثقفين غير الخوف والقلق والأضطهاد والقتل والأغتراب؟

ان (الشجرة القتيلة)، في تقديري، هي أبلغ لوحة انتجها جواد سليم في التعبير عن قضية الأنسان. وتتجلى روعته في كونه التقط فكرة ذكية من حادثة عادية وحولها الى موضوع أزلي بمعالجة فنية تنطق بلغات كل الحضارات!.

***

د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم