حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر (3)

 

يحيى السماوي شاعر وصحفي / استراليا

أكثرنا عرف الأستاذ الدكتور عدنان الظاهر مُربيا تربويا وأستاذا جامعيا وعالما ً ... لكن القليل يعرف أن أستاذنا الظاهر عمل فترة ليست قصيرة محررا في إحدى أهم الصحف التقدمية في تاريخ العراق ـ وأظنه كان يحمل هوية نقابة الصحافيين بصفة " عضو مشارك / ربما تحمل توقيع نائب رئيس نقابة الصحافيين د . فائق بطي " كهوية زميله في ذات الصحيفة الصديق الأستاذ هاتف الأعرجي ...وإذا لم تخني الذاكرة، فقد كان من بين مشرفي صفحة العلم والتعليم / طريق الشعب ..

سؤالي:

س19: يحيى السماوي: يقينا أن بك حنينا حميما للتدريس الجامعي، فهل لك مثل هذا الحنين للعمل الصحافي، ولماذا لم نقرأ لك مشاركات في الصحافة الورقية؟

ج19: د. عدنان الظاهر: كما تفضّلتَ ... ساهمتُ مع نُخبة من الأخوة التدريسيين في تحرير صفحة التعليم والمعلم في جريدة طريق الشعب لقرابة أربعة أعوام في سبعينيات القرن الماضي . كان معي الأخوة حسن العتّابي أبو جمال وعبد الستار زبير أبو إيمان والأخوان محمد حسين وهاتف الأعرجيان وكنت مسؤولاً عن إصطحاب الأستاذ صاحب حدّاد من بيته إلى مقر الجريدة ثم إعادته لبيته لأني كنتُ أملك سيارة . لم أطلب هوية نقابة الصحافيين العراقيين لأني كنتُ أعمل تطوّعاً وكنتُ هاوياً لا محترفاً ... ثم إني كنت وقتذاك عضواً في الهيئة الإدارية لنقابة الكيميائيين العراقيين وما زالت معي هوية الإنتساب لهذه النقابة وعليها توقيع النقيب المرحوم غازي إبراهيم أيّوب الذي قتله صدام حسين مع بعثيين قياديين آخرين في تموز عام 1979 وهذه القصة معروفة للعراقيين . فضلاً عن المشاركة في تحرير صفحة التعليم والمعلم كنتُ أنشر تحقيقات ومقابلات مع شخصيات سياسية وعلمية وأكاديمية أذكر منها لقائي مع رئيس الجامعة التكنولوجية الدكتور طه تايه النعيمي والدكتورة روز خدّوري والأستاذ كامل الدبّاغ صاحب برنامج العلم للجميع بل وزرت الحلة خصيصاً لأقابل الشخصية الوطنية ونصير السلام المربي الشيخ يوسف كركوش فالتقينا في بيته ونشرتُ مقالة عن هذا اللقاء . الآن ... الآن لا من حنين لديَّ للعودة للبحث والتدريس الجامعي ولا من رغبة لممارسة الصحافة ... فات أوانُ مثل هذه الرغبات والزمان الراهن ليس زماني إذْ لكل جيل زمانه وأوانه.

 

س20: يحيى السماوي: ألا تعتقد أنك إنسان محظوظ بحيث نجوت في ظل نظام الفوهرر صدام حسين من حبل مشنقة أو حادث دهس منسق أو كأس من عصير البرتقال المخلوط بالثاليوم؟

ج20: د. عدنان الظاهر: لم أنجُ تماماً في السليمانية تعرّض أولادي ووالدتهم لمحاولة قتل بإطلاق الرصاص عليهم حين كانوا في حجرتهم الخاصة في فندق السلام ... حدث ذلك أواخر عام 1974 . كما إعترضت سيارتي شاحنة عملاقة في ملتقى شارعين ونجوت بقيادة سيارتي بأقصى سرعتها ... وكانت مثل هذه الحوادث كثيرة ومعروفة في سبعينيات القرن الماضي . وأكثر ... راجعتُ السفارة العراقية في خريف عام 1979 في العاصمة الليبية طرابلس أسأل عن مصير جواز سفري المسحوب .. أجلسوني في حجرة سائقي سيارات السفارة ثم قدموا لي شاياً شربته فأصابتني هلوسة غريبة وصرتُ أضحك بدون سبب وبصوت عالٍ فعرفتُ أني بلعتُ الطعم القاتل !  وبعد ذلك أصيب كتفي الأيسر وأعلى ذراعي برجفة قوية لازمتني لفترة طويلة وما زالت آثارها معي حتى اليوم ! ثم ... عندما قابلت السفير لأفتح معه معضلة جواز سفري وكانت معي أم أولادي قدموا لنا العصير القاتل إياه فضغطتُ على قدم زوجي من تحت الطاولة ففهمتْ قصدي ولم نتناوله . وحين احتدم النقاش بيني وبين السفير هددني بالقول : أين تهرب من قبضتنا؟ حتى لو كنتَ على سطح القمر فإنَّ أيادينا تصلك ! قلت له لا تتعبوا أنفسكم بالسفر إلى القمر ... هاأنذا جالس معك في حديقة السفارة العراقية ! تم في ذلك الوقت قتل الأستاذ توفيق رشدي في عدن إغتالته عناصر من مخابرات السفارة العراقية في عدن .

 

س21: يحيى السماوي: رغم كونك عالما متخصصا في العلوم الصرفة إلآ أنك مارست تدريس الفلسفة المادية والديالكتيك في المدرسة الحزبية التي أقامتها اللجنة المركزية لحزب أحفاد عروة بن الورد مع أنك لم تدرس الفلسفة كزميلك ورفيقك الدكتور نمير العاني الذي درسها وتخصص بها ... سؤالي : ما العلاقة بين العلوف الصرفة والفلسفة؟

ج21: د. عدنان الظاهر: المادية الدايالكتيكية علم وعلاقته وثيقة بالفيزياء خاصةً . ثم إني كنت عام 1960 في الحلة عضواً في لجنة التثقيف الخاصة .. وفي جامعة موسكو إنتظمتُ في حلقة دراسية [ سيمنار أسبوعي ساعتين في الأسبوع ] خاصة بتدريس المادية الدايالكتيكية والمادية التأريخية . لذا فلا غرابة أنْ يكلفني الحزب بتدريس الشق الأول ... وبعد فترة طلب مني بهاء الدين نوري أنْ أقوم بتدريس المادية التأريخية فاعتذرت وقلت له هذه مادة تأريخية يقوم بها أستاذ مختص بالتأريخ لا أنا .

 

س22: يحيى السماوي: وثمة سؤال: كلنا نعرف أن المناضل الكبير شمران الياسري " أبو كاطع " قد أرغمته اللجنة المركزية لحزب أحفاد عروة بن الورد على مغادرة العراق للعمل في لجنة تنظيم الخارج ـ أو في مجلة قضايا السلم والإشتراكية ـ حفاظا على حياته بعد نشره مقالا "مدوّيا " تهجّم فيه على الفاشية الجديدة لحزب البعث الحاكم، فكان أن أقام في " براغ " حيث توفاه الله في حادث سير مشكوك فيه .. سؤالي : أليس الحزب كان قد رشحك أنت لكونك تجيد اللغات الروسية والإنكليزية والعربية وربما الفرنسية أو الألمانية على العكس من الفقيد الكبير الذي لم يكن يجيد غير العربية؟

ج22:  د. عدنان الظاهر: عرض عليَ الحزب أنْ أقوم بالمهمة التي قام بها شمران الياسري فيما بعد لكني اعتذرتُ لأنَّ المخصصات أو الراتب الذي عُرض كان متواضعاً بل وكثير التواضع مقارنةً براتبي الشهري كمدرس في كلية العلوم / جامعة بغداد . ثم وظيفة أم أولادي ...

 

س23: يحيى السماوي: سؤالي الآخر وليس الأخير: هل لك ذكريات في موسكو مع الغائب الحاضر " غائب طعمة فرمان " و الفيلسوف " د . نمير العاني " فزمالتك تزامنت مع وجود الأول في موسكو والثاني في لينينغراد، كما تزامنت مع وجود الشاعر الريادي عبد الوهاب البياتي حين كان يعمل ملحقا ثقافيا في السفارة العراقية بموسكو؟

لك مني الشكر كله، وشكر مماثل لصحيفة المثقف التي أحسنت الإنتقاء لحوارها المفتوح هذا، آملا أن يُصار إلى إصداره في كتاب ذات غد أرجو أن يكون قريبا .

يحيى السماوي

ج23: عدنان الظاهر: كنتُ ألتقي بين الحين والآخر بالراحل غائب طعمة فرحان لكن لم تربطنا علاقة متينة حميمة . كنت مقيماً في القسم الداخلي الخاص بطلبة جامعة موسكو في حين كان الراحل وزوجه الروسية يسكنان في المدينة في شقة خاصة بهما . أما نمير العاني فكان يدرس الفلسفة في مدينة لنينغراد وليس في موسكو . إلتقيت مراراً وعبد الوهاب البياتي وكتبت عنه وعن تلك اللقاءات .

 

موسى فرج، كاتب ومحلل سياسي (رئيس هيئة النزاهة سابقا) / العراق:

 أستاذنا العزيز الدكتور عدنان الظاهر لم أتشرف بالتتلمذ على يديكم في مجال الكيمياء ولا الشعر لكني وجدت نفسي شغوف باقتناص ما تطاله نباهتي في التتلمذ على أريحيتكم وصراحتكم.. بالحقيقة أنا كنت انتظر مثل هذه المناسبة لا لكي أسأل وإنما لكي أتمتع بإجاباتكم على أسئلة الصديقات والأصدقاء وأغتني فأنت يا معلمي تعرف إن الأسئلة في مثل هذه المناسبات تتطلب قبل ذلك إطراء يتناسب مع مقام من توجه له الأسئلة وأنا لا شاعر فأسبر أغوارها ولا أديب فأنتقي الدافئ من الكلمات .. ولذلك أسمح لي وليسمح لي صديقي سلام كاظم فرج باستعارة مقدمته في أسئلته لكم مثلما كان يفعل أسلافنا عندما يقولون : فتمثل بقول الشاعر فلان ..أنا أتمثل بمقدمة صديقي الأديب سلام كاظم فرج رغم أنك لا تحتاج إطراءاً فيكفي انك عدنان الظاهر بشحمه ولحمه وتاريخه المشرف .. أستاذي العزيز: أنا أسئلتي لا تتعلق بالشعر مع احترامي للشعر ولا تتعلق بكارل ماركس من رحمة الله على أبوه ..آنا أسئلتي تتعلق بالهم العراقي الحاضر والآتي ومدى علاقة ذلك الهم أو الخروج من طائلته بكم أنتم العراقيون في الخارج ومع أن أسئلتي موجهة لكل العراقيين في الخارج لكني (أستكربتك) وتوجيه تلك الأسئلة لك يعوضني عن توجهيها إلى الآخرين .. أستاذي العزيز:

 

س24: موسى فرج: لنتجاوز الأصوات النشاز التي أطلقها البعض بعيد سقوط نظام صدام والبعثيين والتي تميز بين العراقيين على أساس عراقيو الداخل وعراقيو الخارج .. .

أنا أسأل: هل أن عراقيو الخارج يعتبرون أنفسهم عراقيين مغتربين أم أوربيون من جذور عراقيه ..؟.

ج24: د. عدنان الظاهر: لا أُصنّفُ نفسي أني من عراقيي الخارج ! إما أنْ يكونَ العراقيُّ عراقياً أو لا يكون . أتكلمُ عن نفسي فقط : أنا عراقي أصلاً وتربةً وفصلاً ... لحماً ودماً لكني أجبرتُ على ترك العراق لأنقذ طفلي وطفلتي ووالدتهم من مصير مجهول يتهددهم فيما لو قتلني البعثيون وموضوع القضاء عليَّ كان أمراً وارداً لأسباب يعرفها الذين يعرفونني . لا ولن ولم يهنْ عليَّ أنْ أترك أطفالي أيتاماً لا أبَ لهم وأنا مّنْ ساهم في تكوينهم وإعدادهم للحياة. أنا متغرّب نعم ولكنها غُربة مفروضة عليَّ وجذوري لم تزل هناك في العراق حيث سرداب أهلي في النجف ... جذوري هي عظام أهلي وأكون حيثُ تكون جذوري . أما حديث المرموقية والموفقية فالناس  مختلفون في سعيهم وجدّهم والدنيا كما يقولون حظوظ . ليس كل من هاجر وتغرّب

حالفه الحظ والتوفيق والحظ والتوفيق لا يأتيان الإنسان في حقيبة أو [ بُقجة ] والناس في سعيهم وجهادياتهم مختلفون  أكانوا خارج العراق أو داخله

 

س25: موسى فرج: وأنا أشير إلى حقيقة معروفة مفادها : أن العراقيين الذين هاجروا من العراق في غالبيتهم باتوا مرموقين في الدول التي هاجروا أليها وتلك المرموقية لم توزع عليهم مع وثائق اللجوء السياسي أو الإنساني وإنما صنعوها بأنفسهم قياسا على ما نعرفه من أن مهاجرون من جنسيات شتى هاجروا إلى أوربا لكنهم لم يصنعوا لهم كيانات شخصية متميزة مثلما فعل العراقيون .. السؤال :هل أن نعومة العيش والمرموقية التي صنعها العراقيون لأنفسهم باتت تشكل حاجزاً أمام عودتهم..؟..

العراقيون الذين هاجروا من العراق معظمهم كان الباعث في هجرتهم القمع السياسي الذي كان قائما خلال السنوات 1963ـ 2003 .. هذا العامل لم يعد قائما .. فإذا كانت الإجابة على السؤال رقم 1 بـ عراقيون مغتربون وليسوا أوربيون من جذور عراقية .. لماذا لا يعود العراقيون الذين كان الباعث على هجرتهم بالأساس سياسي ..؟..

ج25: د. عدنان الظاهر: لِمَ لا أعود للعراق وأنا عراقي مُغترب؟

للعودة شروط ومستلزمات على رأسها توفر السكن اللائق والمورد الشهري المناسب والعلاج الطبي ثم السلامة والأمان . لا بيتَ لي في العراق ولا مخصصات شهرية ولا حقوق تقاعدية فهل أعود للعراق شحاذاً أتسول في شوارع بغداد وأزقة الكاظمية أو النجف وكربلاء؟ لا من سقف يظللني ويحميني ولا ضمانات لولدي وإبنتي قرطبة فهل تتكفلني أنت يا سيد موسى فَرَج وأنت تتمتع بمخصصات شهرية مُجزية ولك حمايات وامتيازات لا أعرف تفاصيلها؟ أنا في ألمانيا تحت إشراف الأطباء وعلاجي ودوائي مجانية وعلى أعلى المستويات فمن يعالجني في العراق ومن يغطي نفقات العمليات الجراحية المعقدة التي تُجرى لي بين حين وآخر؟ لا أتكلم عن موضوع الماء والكهرباء والمواصلات وغبار العراق ... لا أتكلم عنها لأنها مصائب عامة يشترك فيها جميع العراقيين وإذا عمّت المصيبة خف وقعها .

أسئلتك مُختلطة أستاذ موسى فرج .. أين راس الشليلة؟

ضاعت الحسبة!!

هل تطلب مني أنْ أكونَ نسخة طبق الأصل من إبنتي قرطبة؟ هل هذا جائز وهل هو ممكن؟ قرطبة هي قرطبة وعدنان إنما هو عدنان فكيف أكونها وأحذو حذوها وأتقفى خطواتها وأنهجُ نهجها؟ لها فلسفتها في الحياة ولها مشاريعها الخاصة بها ودراستها الأكاديمية غير دراستي وإعدادي وتأهيلي فكيف أكون نسختها الملوّنة؟

بضميرك أخي موسى فرج ... هل زرتُ العراق لخمسة أيام فقط؟ بقيت في العراق 45 يوماً رأيت فيها نجوم الضحى وعانيت ما عانيتُ في مراجعاتي للدوائر الحكومية ثم في ألمانيا كتبت 11 حلقة بعنوان كنتُ في بغداد فهل قرأتها أو بعضها؟ أتدري مقدار وحجم معاناتي في مراجعاتي وما أصابني من إعتلال في صحتي وهي أساساً مرتبكة وغير ثابتة؟ أتدري أنَّ معاملة تقاعدي ما زالت نائمة في ديوان وزارة الصناعة والمعادن رغم مرور قرابة عام عليها؟ مع كل ذلك أبقى أنا أنا أنا العراقي المهاجر قسراً وظلماً وإذا دام الظلمُ دمّرَ !

هل أجبتك على أسئلتك أستاذ موسى فرج؟ أرجو ذلك .

 

 س26: موسى فرج: نسمع كثيرا عن أن العراقيون في الخارج غير راضون عن الأوضاع الحالية في العراق ونحن أيضا غير راضون وما الغرابة في ذلك ..؟.. وان العراقيون في الخارج جاء العديد منهم فاصطدم بالجفوة وسوء المعاملة وإنكار الحقوق .. وما الغرابة في ذلك أيضا ..؟ أليست هي هذه الحالة الطبيعية في مجتمع تم تهشيم المنظومة القيمية فيه إن في الماضي أو الحاضر..؟ وإلا ماذا يتوقعون ..؟ هل يرحبون بهم وهم أشد المنافسين لهم إن لم يكن ذلك بالحقوق فبالمرموقية ..؟ لكننا بالمقابل نؤمن بأنه في العراق لا تأتي الحقوق بالتمني إنما تؤخذ غلابا .. لماذا لا يجالدون ويصابرون ويواجهون لنصنع التغيير ..هذا إذا كانت الإجابة على السؤال رقم 1 بـ عراقيون مغتربون وليس أوربيون من جذور عراقية .

ج26: عدنان الظاهر: أقولُ أستاذنا العزيز إنَّ المجادلة والمصابرة لا تكفي في عراق اليوم ولا تأتي بنتجية تُرضي صاحبها. لا تمشي معاملة في دوائر الحكومة إلاّ إذا كان وراء صاحبها رجلٌ من ذوي النفوذ ... واسطة قوية أو ... إفتح جيبك ويدك واعطِ المقسوم ! بيّنتُ في إحدى حلقات كنتُ في بغداد ما جرى لي في مديرية التسجيل العراقي / الرصافة الثانية ومن الذي ساومني لتمشية معاملتي ولم أتعرض للمؤامرة التي نفذها  بعض موظفي هذه الدائرة وموظفاتها حيث " ضربوا " عليَّ قطعة أرض في منطقة الزعفرانية هي من قطع الأراضي الممنوحة لذوي الكفاءات عام 1976 بقرارا من رئاسة جمهوية البعث وكان معي كتاب خاص بهذه الأرض يحمل رقم القطعة مع إسمي الكامل . سألتني السيدة مديرة هذا الفرع سؤالاً غاية في الغرابة : شتسوي بهذه الأرض؟ هل كان من حقها أنْ تسألني هذا السؤال؟ ضربوها بحجة أني لا أملك مستنداً علماً أنَّ المستند الذي تحججوا به كان معي : قرار منح قطعة الأرض من أعلى سلطة في عراق ذاك الزمان .  المجالدة والصبر تحتاجان إلى قوة بدنية وقدرة على تحمل الصدمات  وسخافات السفهاء وأنا لا أتحمل دفعة المتدافعين حول هذه الموظفة أو ذلك الموظف .

 

س27: موسى فرج: في انتخابات آذار 2010 تشرفت بلقاء عراقية مغتربة ورغم أنها ربما غادرت العراق وهي ما زالت طفله لكنها عراقية .. جابت الشوارع تستطلع ورشحت في الانتخابات ومثلي لم تفز وبدلا من أن تنكفئ وتغادر العراق وهي تحلف بان لا تتذكره فإنها ذهبت وهي مصرة على أنها عراقية وأنها عائدة ولم تغادرها هموم الشارع العراقي ولا يوم ليس ذلك فحسب بل بين شهر وآخر تجدها تنط في مدينة عراقية .. توظف علاقاتها في بلد المهجر وتجلب وفودا لتريهم النجف والكاظمية ومدن عراقيه وتلبس العباءة بل وتلبسهم العباءة العراقية ..إنها كريمتك يا معلمي ..إنها قرطبه الظاهر .. أحييها وقوفا على أطراف أصابعي .. ولكن السؤال ..لماذا قرطبة أشد انشداداً للعراق من أبيها.. لا يكفي أن تقول المشاعر في الصدور .. .

ج27: د. عدنان الظاهر: قرطبة هي قرطبة لكنَّ أباها عدنان هو عدنان وليس قرطبة ! غادرت قرطبة العراق حين كانت في السادسة وظلت ذكرياتها عن وطنها حيّةً لم تفارقها يوماً . بقيت تحن للعراق والمدارس التي درست فيها إبتداءً من حضانة وروضة ميكي ماوس في المنصور ثم مدرسة النيل النموذجية .. لم تكن راغبة في مغادرتنا العراق فعانت بشكل خاص من وجودنا لاجئين في ألمانيا منذ عام 1984 ولم تستطع التكيّف للحياة الجديدة لغةً وحضارةً وتقاليدَ فعانت ما عانت بالعكس من أخيها الذي كيّف نفسه للحياة الجديدة بسرعة قياسية وسيطر على اللغة الألمانية  واندمج مع كافة جوانب الحياة ومظاهرها فأنساه ذلك وطنه أو كاد .  لم تزلْ قرطبة متمسكة بلغتنا وتأريخنا وتراثنا وديننا وقد رأيتها أنتَ في العراق ترتدي العباءة السوداء وتزور الأئمة حاملةً معها السبحة والتُربة ...

 

س28: موسى فرج: صحيح كهرباء ماكو ..بس والله.. أكو ضحك...انترنت أكو موبايل، سيارات اكو شي أم الهندر وشي على اللمس ..نحط الحكومة ونسلس بيها أكو قبل.. ماكو، موازنة العراق تتقدم عليها بس موازنة السعودية ستقولون الفساد يطير بركتها صحيح ..لكني اجزم انه لو عاد العراقيون إلى العراق كلشي يتصلح .. لكن هل يرى العراقيون في الخارج أنفسهم عراقيون مغتربون أم أوربيون من جذور عراقيه ..؟ هذا هو السؤال ...

ج28: د. عدنان الظاهر: أجبتُ عن هذا السؤال لكني أضيف: أراك عزيزي بطرانَ طوباوياً كأنك لست في العراق . صارحنا بعض الموظفين بالقول : شكو جايين؟ أين كنتم زمن الحروب والحصار؟ الآن تذكّرتم العراق؟ إرجعوا من حيث أتيتم ! موظفو دوائر كثيرة لا يطيقون رؤيتنا ! أنا نفسي أتمنى العودة وأتمنى أنْ أموت على أرض وطني وأُدفن مع أهلي في سردابنا في النجف ولكن لي تحفظات سبق وأنْ ذكرتها في إجاباتي عن بعض أسئلتكم كتوفير السكن اللائق والمورد المناسب ثم ضمان العلاج الطبي . عزيزي نحن مغتربون فوق ما تتحمل لفظة الغربة والتغرّب والإغتراب !

 

س29: موسى فرج: والأهم من كل ذلك : يابه العراق محتاجكم .. والله محتاجكم ..! مو للحاضر بس وإنما مستقبل أجياله يتوقف عليكم .. فـ مال يجي دكتور عدنان الظاهر للعراق 5 أيام بعد فراق 34 سنه وينغص عليه واحد بالجوازات وينكد عليه آخر في وزارة التعليم العالي ..فتشمئز نفسه ويسارع بالعودة وما تصير بعينه صيحة الناس .. استريحوا .. وجايكم على حسابي ..!.. أريد جوابا من الدكتور الظاهر ومن كل المغتربين العراقيين خصوصا منهم المثقفين ..هذا إذا كانت الإجابة على السؤال رقم 1 بـ عراقيون مغتربون وليس أوربيون من جذور عراقيه ... تقبل محبتي واحترامي

ج29: د. عدنان الظاهر: نعم، العراق بحاجة لعودة المغتربين من أبنائه ويظل بحاجة ماسة لهم ولا سيّما الكفاءات والكفوئين منهم وبحاجة ماسة للمثقفين والأدباء والشعراء والمرببن .. نعم ولكن هل يستوعبهم عراقهم اليوم؟ من يسعى لتوظيفهم أو إعادتهم إلى وظائفهم السابقة التي تركوها مضطرين هاربين بجلودهم؟  أعيد النزر اليسير منهم لوظائفهم أو تمَّ توظيف آخرين ولكن ... وقفت معهم ووراءهم عمائم  ضخمة ورجال متنفّذون في هذه الوزارة أو تلك وزعماء أحزاب فمن يقف معي من بين هذه الفئات؟ أمامك إبنتي قرطبة تحمل ماجستير في العلوم السياسية من جامعة ميونخ رفضت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي طلب تعيينها  في دوائر  هذه الوزارة أو في إحدى الملحقيات الثقافية المنتشرة في هذا العالم .

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

 [email protected]

 

 

 

للاطلاع

 

حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر

 

  

 

خاص بالمثقف

 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

 

............................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2266 الأثنين 05 / 11 / 2012)

 

في المثقف اليوم