روافد أدبية

ضياء محسن الاسدي: امرأة لا تعرف اليأس

وجدت سناء الشابة الجميلة الناعمة المترفة في بيتها الجديد زوجا متسلطا متجبرا مغرورا بثروته ومنصبه العسكري الرفيع بعدما انكشف الغطاء عن وجهه الآخر وبانت الحقيقة وهي تخوض غمار تجربة الحياة الزوجية الحديثة عليها مع طفلين صغيرين بنت وولد هما حصيلة زواجها الفاشل المخيب للآمال بعيدا عن تصوراتها وأحلامها التي رسمتها مخيلتها قبل الزواج وهي تنتظر فارس أحلامها كزميلاتها اللآتي سبقنها في التجربة  لتواجه المشاكل التي ظهرت على سطح حياتها حتى أصبحت الحياة لا تطاق معه في غياب الحب والرحمة والحنان والعاطفة حيث أدارة الأيام ظهرها لسناء وحصل الطلاق بقرار متفرد من الزوج فأصبحت الزوجة وجها لوجه مع الحياة تتلاقفها أمواجها  من شاطئ إلى شاطئ حين تركها  زوجها تنهش بها براثن الحياة الصعبة وتنبت في جسمها أنياب الأيام التي لا ترحم الإنسان عندما يسقط من ظهرها ولا يجد من يتلقفه لتسحقه إذا كان ضعيفا أمامها .

عادة أدراجها إلى بيت أبيها محملة بالهموم والأفكار ممزوجة بطعم المرارة والخوف من قادم الأيام . جلست في غرفتها بخلوة صامتة مع نفسها تقلب أفكارها وتستدرج عقلها وتستفزه ليبوح لها بالحلول الآنية والمستقبلية تغرقها الدموع وتثقل جفونها وعينها والحسرة تملأ صدرها المتعب بالآهات تراقب طفليها وهما يلعبان أماما كحصيلة كل ما تبقى لها مع والدها ومبلغ من المال البسيط كنفقة للطفلين من زوجها كان أمامها خيارين الاستسلام التام للحياة واليأس والركون لها أو الصمود والتحدي والشروع في بداية جديدة للانطلاق لصنع حياة جديدة لها ولعائلتها فقررت أن الخيار الثاني هو الأفضل والأسلم فبدأت بشق طريقها واستطاعت أن تؤسس مشروعا بسيطا في البيت تجهيز مواد غذائية للعوائل حسب الطلب فكان مشروعا مربحا نوعا ما استطاعت من خلاله أن تقف على قدميها  لتربي أولادها وتصل بهم إلى بر الأمان كون الحياة تعطي من يقدرها ويحترمها ولا يخنع لها حيث أصبح الولد ضابطا يدرس  على نفقة الجيش والبنت  في كلية الصيدلة فقد ابتسمت لها الحياة من جديد فمرت الأيام والسنين سريعا كلمح البصر في يوم من الأيام دخل عليها والدها وهو يطلب منها طلبا وقع على مسامعها وقعا غريبا ومطلبا لم تتوقعه  وهو يطلب منها التنازل عن نفقة أبنائها تحرت عن الأمر بغرابة  اعترت وجهها وملامحها الدهشة بعد ما عرفت من والدها أن طليقها بأمس الحاجة للمال الآن وهو في حالة يُرثى لها انتفضت كأن أحدا أوخزها وهي تستعرض شريط حياتها معه بكل قسوة وجبروت التي عاشته معه والطلب لا يوازي ما عمله معها لكن إصرار الوالد على رؤيته له سيغير رأيها فكان الموعد على مضض لتجد ذاك الكبرياء والجبل الذي مثل أمامها في ريعان شبابها يجلس على قارعة الطريق ويستجدي العمل من الناس كعامل للبناء ليسد به رمقه بعدما تخلى عنه ماله ومنصبه والناس ليواجه عقوبة الله تعالى الذي لا يخذل المظلومين قط وقفت أمامه بكل شموخ وكبرياء وعزة نفس وشفقة تنظر إليه غير مصدقة متفرسة وجهه الذي طالما رأت فيه الصدود والجفاء والتوبيخ رفع بصره إليها ليجد قامة شامخة ذرفت عيناه الدموع سحب يدها ليلثمها تقبيلا بحرقة الندم والحسرة فكانت دموعه وكلماته المصحوبة بالذل خلاصة تعبر عن كل ما يجول في خاطره ومشاعره . نظرت إليه بعين كانت  تراه قبل خمس وعشرين سنة  الجبروت والطاغي والكافر بالنعم في يوم ما والآن كيف عملت به رياح الزمن عندما عبث به وأمن غدره وتحداه فكان العقاب ولو بعد حين.

***

ضياء محسن الاسدي

في نصوص اليوم