اخترنا لكم

صابرين الجلاصي: الحجاب والبرقع ما بين الديانات الثلاث

الحجاب والبرقع ما بين الديانات الثلاث

لقد ارتبط الحجاب والنِقاب في أذهان الأفراد بالدين الإسلامي، ويذهب الكثيرون إلى اعتبارهما أحد رموز التّطرف والمغالاة، ولهذا اقتُرنا بظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب خاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. لكن الحقائق التاريخية تكشف لنا ما يتم التعتيم عليه، وهو أن الحجاب سابقٌ للدين الإسلامي وأنه موروثٌ اجتماعي سابق للديانات التوحيدية في حدّ ذاتها، فنجده في منحوتات تعود لحضارات متعددة كالحضارة الآشورية، والأكادية، والسومرية، والهندية. لكن بالطبع دون أن نغفل اختلافه بين هاته الحضارات نظرا لاختلاف ثقافة اللباس من عصرٍ إلى عصرٍ ومن مجتمعٍ الى آخر.

ومن هنا سيفهم القارئ أن الحجاب هو موروثٌ اجتماعي مرادٌ به التمييز بين المرأة الحرة وغيرها من الغانيات والإماء، لكن السؤال المطروح هو، هل أن البُرقع أو النِقاب يُعد موروثا اجتماعيا أيضا؟

للإجابة عن هذا السؤال، نقول، إن الديانات التوحيدية الثلاث لم تخرج عن السياق الاجتماعي وأن وجوب ارتداء الحجاب هو ليس الا التزاما بالمعايير الاجتماعية لا الدينية، ولهذا سنوضح موقع الحجاب والنقاب في الأديان التوحيدية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.

الحجاب والنقاب في الديانة اليهودية

يُعد الحجاب في الديانة اليهودية واجبا على النساء وقد جاء في الاصحاح 24 من سفر التكوين، وهو من أقدم الأسفار اليهودية، “أن امرأة سألت عبدا مَن هذا القادم، فقال لها سيدي، فأخذت الحجاب وتغطت”.

كما نجد في نصّاً في التلمود مفاده “يغطي الرجال رؤوسهم أحيانا ويكشفونها أحيانا أخرى، ولكن النساء يغطين رؤوسهن دائما ولا يغطي البنات الصغار رؤوسهن البتّه”، كما وردت عبارة أخرى في التلمود تأمر النساء اليهوديات بارتداء الحجاب وهي كالآتي: “على بنات إسرائيل ألا يخرجن بشعر مكشوف”، هذا بالنسبة للحجاب.

أما بخصوص النقاب أو ما يسمى البُرقع، فإنه كان منتشرا أيضا في المجتمع اليهودي باعتباره شكلا من أشكال الحجاب السائدة آنذاك وكدليل على هذا نجد في نشيد الإنشاد الرابع لسليمان النبي نصّ مفاده: “لشدة ما أنت جميلة يا حبيبتي عيناك من وراء نقابك كحمامتين”.

أما في سفر التكوين فنجد: أن امرأة اسمها ” تامار” روت أن امرأة رأت رجلا جاء لجز الغنم فنزعت عنها ثياب ترملها و تبرقعت وتلفعت”، وهنا نستنتج أن الحجاب والنقاب في الديانة اليهودية كانا مفروضين على اليهوديات آنذاك وهناك من يعتبره من العادات القَبلية، أما اليوم فلا نجده إلا عند بعض الطوائف اليهودية المتشددة كجماعة “الحريديم” التي يطلق عليها “طالبان اليهود”، حيث تفرض هذه الجماعة على نسائهم ارتداء ” “الفرومكا” باعتباره نقاب اليهود العائد، كما أصدرت هذه الجماعة فتوى بمنع استعمال الهواتف أو بيع الألبسة القصيرة، أو تجوّل النساء عاريات الرأس، وقد أثارت هذه الفتوى الجدل بين من يساندها ويعتبر احتشام المرأة اليهودية من أساسيات التشريع اليهودي وبين من يعارضها ويعتبرها ضربا من ضروب الرجعية والعودة إلى المنطق القَبلي العشائري.

الحجاب في المسيحية

أما بالنسبة للحجاب في المسيحية فقد ورد ذكره ستّ مرات في الإنجيل، وهو لم يرد على لسان السيد المسيح لذلك لا يعتبره المسيحيون إلزاما من الناحية الدينية، بينما نجد في رسائل “بولس الرسول” عكس هذا، فقد وصف عدم تغطية المرأة لرأسها بالأمر المشين، كما ذكر في الإصحاح الحادي عشر في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، ” احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلّي إلى الله وهي غير مغطاة”.

ولا يرى المسيحيون حرجا في عدم ارتداء النساء الحجاب لأن ذكره اقترن بوجوب ارتدائه في الصلاة وليس الحياة اليومية، بينما يعتبرونه إلزاما للبتوليات اللواتي يكرّسن أنفسهن لخدمة الكنيسة والصلاة اقتداء بالسيدة العذراء.

لكن ما لاحظناه وجود اختلاف بين المدارس الدينية المسيحية وهذا الاختلاف حالة طبيعية نظرا لتعدّد الطوائف والمراجع الدينية، ناهيك أيضا عن اختلاف التأويل فنجد مثلا: في كتاب الدسقولية، وهو يُعد أحد أهم المراجع التعبّدية والتشريعية والسلوكية للكنائس الأولى وللكنيستَين الأرثوذكسية المصرية، والأثيوبية أو الحبشية كما يطلق عليها، ويضم هذا الكتاب تعاليم رُسل المسيح الاثني عشر، وقد تضمّن من جملة الوصايا إلزام المرأة المسيحية الحجاب فقد ورد فيه القول التالي: “لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن أن تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار”.

وفي قول آخر نجد: “كون مشيكِ ووجهك ينظر إلى أسفل، وأنت مطرقة مغطاة من كلّ ناحية”، وهي نفس التعاليم التي وردت في المراسيم الرسولية، والمجموع الصفوي.

وهي بدورها من التعاليم الأرثوذكسية وهذا يمكن أن يفسّر سبب اختلاف حجاب راهبات الأرثوذكس عن راهبات باقي الطوائف، باعتبار أن أتباع الأرثوذكسية أكثر التزاما بتعاليم المسيحية وأكثر تشددا في تطبيقها، فنجد أن حجاب راهبات هذه الطائفة يتميز باللون الأسود واتساع الملابس تخاله لباس نساء الشيعة لو لا وجود الصليب على صدور الراهبات.

الحجاب في الإسلام

يعتبر العديد من المسلمين الحجاب فرض على النساء بموجب الآية 31 من سورة النور: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾، لكن يذهب العديد أيضا إلى اعتبار أن الحجاب حتى وإن كان فرض فإن النّص الديني لم يعطِ شكلا واضحا له لأن الغرض من الآية الكريمة هو الاحتشام وتغطية الجسد بما يتماشى مع ثقافة اللباس في ذاك العصر، كما يرى البعض أن تحريم الألوان أو فرض الملابس الفضفاضة هو اجتهاد من العلماء.

لكن مع بداية الحداثة وانتشارها في العالم الإسلامي أصبح ارتداء الحجاب مؤشّراً لتخلّف المرأة، فعزفت النساء في أغلب المجتمعات الإسلامية إلى نزع الحجاب تماشيا مع الثقافة الجديدة التي سادت مجتمعاتهن، لكن مع أواخر سبعينات القرن الماضي ومع القيام الدولة الإيرانية بتوجهها المذهبي أصبح الحجاب فرضا ورمزاً للأصالة الدينية، وتحوّل في مرحلة متقدمة خاصة مع جماعات الإسلام السياسي سواء كان في تركيا أو في تونس أو في غيرها من المجتمعات التي برزت فيها حركات الإسلام السياسي رمزا للانتماء السياسي الجَمعي، كما أصبح الحجاب في عصرنا الحالي رمزا يبرز التمايز العرقي من خلال طريقة ارتداء الحجاب أو حتى شكله.

أما بالنسبة للنقاب فهو يُعد رمزا للإسلاموفوبيا سواء كان في المجتمعات الغربية، أو بعض المجتمعات التي لم تألف وجوده كثقافة للباس وارتبط سياق ظهوره بأسباب سياسية كما حصل في تونس، فالعديد من التونسيين رغم انفتاحهم وإيمانهم القطعي بحرية اللباس إلا أنه في مرحلة ما بعد الثورة واعتبروا النقاب وسيلة لتخفّي الإرهابيين كما حدث حين هرب الإرهابي “أبو عياض” من جامع الفتح في تونس، أو حينما فجرت منقّبة نفسها قرب دورية للشرطة في وسط العاصمة تونس، لذلك اعتبره التونسيون من المعيقات الأمنية والتواصلية في نسيجه الاجتماعي.

وأخيرا لا يمكن أن نربط الحجاب بالإسلام أو بغيره من الديانات نظرا لأنه اجتماعي بالأساس والأديان بصفة عامة لم تخرج عن السياق الثقافي للمجتمعات التي نشأت فيها، ويبقى شكل اللباس وتوارثه من صنع الإنسان في إطار تأسيسه لخصوصيته الثقافية.

***

صابرين الجلاصي

أستاذة وباحثة تونسية في علم اجتماع الأديان والانثروبولوجيا الدينية

عن موقع الحل، يوم الجمعة, 8 ديسمبر 2023

 

في المثقف اليوم