حوارات عامة

حديث مع الكاتب والشاعر العراقي المهجري قصي الشيخ عسكر / حاوره: محسن حسن

- للغربة جوانب إيجابية كثيرة وبعض الجوانب السلبية، سوف أبين كلا الجانبين. من النواحي الإيجابية إنك تستطيع أن تحقق ذاتك خلال عيشك في بلاد تحترم الإنسان وحقوقه الأساسية في التعليم والثقافة وحرية الرأي بل تدعمك تلك الحكومات والشعوب في نيل حقوقك، توفير الحقوق المشروعة للفرد معناه أن تشعر بالأمان فتتجرد عن الخوف تدريجيا عندئذ سوف تنفتح على ثقافات كثيرة .مادامت حقوقك لايمسها أحد ولاخوف عليها من الضياع فإنك تستطيع أن تعمل وأن تطلع وتدرس أي تضيف إلى نفسك تراكما ثقافيا يتجه بك دائما نحو الأفضل، هذه التجربة مررت بها شخصيا في أكثر من بلد عام 1975 زرت براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا حينذاك لغرض التقديم لدراسة الماجستير . في الجامعة أخبرني مسؤول الدراسات أن علي أن أحضر ورقة بالموافقة من السفارة العراقية وعندما ذهبت سألوني إن علي أن أجلب الورقة من الاتحاد الوطني في العراق أي من منظمة حزبية تنتمي لحزب البعث، وفي العام1976 زرت القاهرة للغرض نفسه فذهبت إلى جامعة القاهرة أخبرني مسؤول الدراسات العليا أنه لايستطيع قبولي مالم أذهب إلى السفارة العراقية وأحضر ورقة بالموافقة لأن البلدين ارتبطا بمعاهدة ثقافية السيناريو نفسه تكرر، أما عن الاغتراب فقد أكملت الماجستير من دمشق وأنا في كوبنهاغن بل عرض علي قسم البعثات الدنماركي الحصول على منحة تساعدني على السفر والدراسة، ثم أكملت الدكتوراه من إحدى الجامعات من لندن بمساعدة دنماركية هذا مثل ثم هناك الثقافة الجديدة التي يطلع عليها المغترب حين يتعرف لغة أخرى ويحتك بعادات تختلف عن بيئته التي جاء منها. إذن النقاط الأساسية التي يستشعرها المغترب هي التي تتمثل في المعاني التالية:

شعوره بالإنساسية الحقة بعدما كان يدرك أن كرامته هدرت تماما في وطنه الأصلي.

إحساس المغترب أنه بدأ يعيش حياة جديدة عليه أن يتعلمها ويعايشها. واقع جديد عليه قبوله. الواقع الجديد يتميز بسمات مشتركة مع مجتمعه الأصلي ونقاط اختلاف كثيرة. المهم الموازنة.

شعوره بالأمان والطمأنينة بعد أن عاش حياة مضطربة في السابق. استقرار نفسي.

الشعور بالاستقرار الاقتصادي الذي يعاني من اضطرابه معظم الشرقيين.

الشعور بالألفة مع المستقبل ومصالحته بعد أن يشعر المغترب أنه في دولة تعمل من أجل المستقبل لاأن تريد العودة إلى الماضي لذلك ليس هناك من خوف على الجيل القادم.

أما النقاط السلبية فيمكن أن أقول إن المعاناة والحنين إلى الوطن والأصدقاء وأهل المحلة تأتي على رأس المشاكل التي يعايشها المغترب، لكن هذه الحالة بدأت تخف الآن بسبب المخترعات العلمية الحديثة، هناك الأنترنت الذي يجعلك تتحدث- الصوت والصورة في الوقت نفسه - مع من تحب في لحظات والهاتف النقال والفضائيات التي تجعلك تعيش أحداث بلدك ومجتمعك كأنك فيه مثلما أحست به ملكة سبأ قبل قرون حين ظنت الصرح صرحها " كأنه هو " غير أن هناك عاملا مهما لايمكن أن نغفل عنه  ذلك العامل يتعلق بالمغترب وبأهل البلد الجديد أو المأوى.أنت تشعر أنك جئت من مجتمع متخلف وإن الآخر ينظر إليك بتعال. طبعا هذا الشعور لاينتابك حين تكون مغتربا في بلد ليس بينه وبين مجتمعك فرق كبير كما لو كنت عراقيا أو مصريا وعشت في مالطا أو قبرص أو نيجيريا أو فنزويلا، لكنك تشعر بالفارق حين تكون في السويد، وأهل السويد مهما كانوا دبلوماسيين في تعاملهم وأصحاب أتكيت فإنهم ينظرون إليك أنك قادم من عالم ثالث ذي تقاليد خاصة قد تكون من مخلفات الماضي وفق تصورهم وهناك  أمثلة مرت بي تؤيد قولي:مرة كنت في محطة القطار الرئيسية في كوبنهاغن وفجأة حدثت مشاجرة بين دنماركيين اثنين انتهت مثلما بدأت بالكلام عندئذ التفت إلي أحد الدنماركيين وقال ممكن أن أسألك من دون أن تنزعج فرددت بالإيجاب، قال لو كان هذا في بلدكم لسقط عدد كبير من الجرحى أو القتلى، المثل الثاني كنا ثلاثة أنا وصديقي ياكوب الدنماركي الذي درس في جامعة دمشق وهو الآن يدرس شؤون الشرق الأوسط في معهد الإستشراق بكوبنهاغن كنا  نجلس في شقة صديقته الألمانية وجرى الحديث عن العادات ومنها قتل الأخ اخته والزوج زوجته غسلا للعار مما أثار امتعاض صديقته وسخريته هو  من دون أن يتعمدا ذلك مما جعلني أشعر بالحرج، ومن أمثلة ذلك ماجرى في الصف الذي درست فيه اللغة الدنماركية قبل انهيار الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي بسنوات حين استعرضت المعلمة عدد الأجانب في الدنمارك فقالت إنهم 150000 مائة وخمسون ألفا خمسون ألفا من المسلمين وباقي المائة ألف من أوروبا الشرقية بخاصة بولندا واضافت إن البولنديين لايشكلون مشكلة للدنماركيين لأنهم أوروبيون ينتمون إلى أصول كاثوليكية ليست هناك مشكلة، المشكلة كيف يندمج المسلمون بالمجتمع لنلاحظ إن المجتمع الدنماركي ذا الجذور البروتستانتية  لايعد وجود بولنديين ذوي جذور كاثوليكية مشكلة لأنهم اوروبيون وإن كان هناك اختلاف مذهبي بين المجتمعين، وهناك أيضا صديقي القس سفين سونوغورد الذي كان يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في معهد الاستشراق بكوبنهاغن،وهو يتحدث اللغة العربية بلهجة مصرية لأنه تعلمها خلال وجوده في قوات الفصل التابعة للأمم المتحدة في مصر بعد العدوان الثلاثي عام 1956 صديقي هذا كان ذات مساء في منزلي هو وزوجته فقال لي إنه لم يفكر أن يتزوج من مصرية عندما كان لسنوات في مصر لأنه إن فكر في ذلك فعليه أن يبحث عن قبطية لكي توافق به أو يعتنق الإسلام، أسوق تلك الأمثلة لأقول إنك مهما جمعت من ثقافة واندمجت مع المجتمع المتقدم الذي اخترته فإن الآخرين يذكرونك بجذورك سواء بحسن نية أو خبث ثم هناك مسالة أخرى مهمة جدا هي وجود القضية الكبرى أعني فلسطين وانعكاساتها العالمية، فمهما بلغت الدول المتحضرة من رقي ودرجة عالية في الديموقراطية إلا أن هذا الميزان يختل عندما تتجه الأنظار نحو فلسطين. إن أي دنماركي أو مغترب يستطيع أن ينال من أي رمز كان . انتقد شخصية الملكة أو الملك . هاجم بقلمك أو قناتك الفضائية أو صحيفتك رئيس الوزراء والمجتمع الدنماركي أو السويدي أو النرويجي والدولة البريطانية برمتها. لا باس فتلك حرية راي ووجهة نظر يحترمها الجميع ويكفلها القانون  لكن حين تنتقد اليهود ولو بشكل مخفف فإن ذلك يعد خطيئة لاتغتفر ويمكن أن تصنف ضمن أعداء السامية. المهم إن سلبيات الاغتراب يعود بعض منها إليك كأن تنغلق على نفسك لاتتصل بالآخرين ترفض أن تتبنى ثقافة جديدة لبلد اخترته أنت. لاتعمل.تظل جاهلا .الآن يفضل اللاجؤون الجدد أن يقتني أحدهم صحنا ويراقب الفضائيات العربية من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل. بالمجمل العام سلوكك أنت المغترب في بعض الأحيان يرسم ملامح  نظرة الآخرين إليك وبعض تلك الجوانب يتعلق بالمجتمع الجديد ونظرته إليك أنت الشرقي. كيف ينظرون إليك هم. هناك من يراك عالة على هذا المجتمع وهناك من يرحب بك بتحفظ وهناك من يتقبلك وهؤلاء هم الغالبية العظمى شرط أن تتواصل معهم وهذا من حقهم.

 

من وجهة نظرك، لماذا تميزت بروايات الخيال العلمي دون غيرها؟وهل لعبت الجذور الأولى دورها في هذا التميز؟

- الحق إني كتبت روايات كثيرة غير روايات الخيال العلمي. هناك سيرة رجل في التحولات الأولى وهي رواية تجريبية، ورواية شيء ما في المستنقع، ورواية للحمار ذيل واحد لاذيلان ثم هناك رواية نهر جاسم وقبلها الروايات الواقعية التي كتبتها. فيما يخص رواية الخيال العلمي أقول بصراحة إني فكرت في نقلها مكانيا، فقد اعتاد كثير من الروائيين في مجال الخيال العلمي أن يجعلوا الفضاء مكانا لمجريات أحداث رواية الخيال العلمي لماذا لايكون في بعض الحالات عقل الإنسان محورا لذلك كما هو الحال في " آدم الجديد" التي أخبرني الدكتور الناقد عبد الرحيم مراشدة رئيس قسم اللغة العربية في جامعة جدرا بالأردن أنه بصدد كتابة بحث طويل عنها، ثم لم لاتكون الأرض نفسها محورا لروايات الخيال العلمي مثلما فعلت في روايتي القصيرة " الموتى يزحفون" التي يصنع فيها عالم جماجم عظمية تخوض الحروب بدلا من الجنود،أخيرا تنقلب تلك الجماجم على صانعها نفسه.خلاصة القول إننا يمكن أن نجعل رواية الخيال العلمي أكثر واقعية عبر نقلها من الفضاء إلى الأرض ومن خلال جعلها تعالج هموما كبيرة عالمية أو محلية نعاني منها نحن البشر.

أما الجذور الأولى فأقول نعم : بغض النظر عن قصص الأطفال وكتب التراث فإن النساء الكبيرات جذبننا بقصصهن وحكاياتهن الشعبية الرائعة. الأمهات والعمات والخالات كن يرمن تثقيفنا. تعليمنا الخير وحثنا على العلم والاجتهاد والصبر والتغلب على المصاعب عبر تلك الحكايات الجميلة التي غذت عقولنا وأنعشت أرواحنا بالتالي كانت حافزا لنا لأننا أدركنا فيما بعد أن الحكاية الخرافية مثلما يقول كلود ليفي شتراوس هي مزيج من العلم والخرافة والدين فهي اللبنة الأساس في تكوين عقولنا قبل المدرسة وقبل كتب التراث والفكر والثقافة العالمية التي تسلحنا بها فيما بعد.

 

كيف تنظر لمستقبل الأرض ككاتب رائد لإرهاصات الخيال العلمي؟ وهل سينتصر العلم على السياسة أم العكس؟أم يتحد كلاهما مع الآخر؟

- قبل الإجابة يجب أن أبدأ بمقدمة توضح بعض الإرهاصات التي تخص المستقبل بدءا من الماضي نفسه والحاضر:

مصطلح خيال علمي مركب من اثنين خيال وعلم.واقع وحلم.أنا لاأقصد الخيال المصطلح الخاص بعمل أدبي  والذي يعني " ملكة يستطيع بها الأديب ربط صوره" بل أعني بالخيال التصور غير العلمي هذا الموضوع ليس جديدا هناك مايشبهه في تراثنا الفكري العربي، لو راجعت كتب الفقه لوجدت افتراضات شبيهة إلى درجة ما بما نكتب الآن. هناك فقيه افترض تلك المسألة: لو أن شخصا كان ينام في البستان " العزبة " ثم احتلم، وهبت ريح حملت حيامن منه، وكانت هناك امرأة عند الترعة على بعد كيلومتر جلست على حافة الترعة تغسل الصحون وقد فرجت مابين ساقيها فحملت الريح الحيمن ودخلت في فرجها فحبلت، ماذا يمكن أن يحدث لو اخترعنا آلة تلقح من بعيد،زرع الحيمن والبويضة في حاضنة طبية، هنا يختلف كاتب الخيال العلمي عن الفقيه . الفقيه يهمه الحكم الشرعي وأنا يهمني حيوية المسألة بين البشر عبر الوسيلة العلمية، ومن حق الإثنين الفرض والتصور.الفقيه لااذكر في هذه اللحظة اسم ذلك الفقيه افترض قبل أكثر من ألف عام لو أن رجلا واقع عنزة فحبلت وولدت منه ذكرا هل يعامل المسلمون ذلك المولود بصفته إنسانا أم تيسا أم نصف إنسان ونصف تيس،أنا بدوري بصفتي كاتب خيال علمي افترضت أن هناك عالما استطاع أن يجري تعديلات على مخ الحيوان فجعل الكلب والخروف ينطقان مثلنا. هذه القصة نشرتها لي مجلة كلية الآداب بجامعة جدارا في الأردن.إن الذي يهمني هو البعد النفسي والاقتصادي والاجتماعي للقصة.هل تطاوعك نفسك أن تأكل ماينطق مثلك؟ هذا البعد النفسي. كيف يساوم هذا العالم باختراعه؟لوقتلت كلبا ينطبق؟ معظم المخترعات بدأت بخيال أو حلم ثم أصبحت واقعا.وبانتظار أن تتحول الأحلام إلى واقع يتحرك في كثير من الأحيان القانون نفسه: لو ولدت امرأة طفلا أعمى أخرس أطرش فاقدا لليدين والرجلين، فإن كثيرا من الدول تحرم على الأطباء قتله لماذا لأن القانون يقول ليس من المستبعد أن يجد الطب علاجا أو اختراعا لشفاء تلك الحالة غدا أو بعد غد فأي حق نملك نحن للقتل؟.

بعد تلك المقدمة التي فرضت نفسها أعود فأقول إن مستقبل الأرض مرهون بإرهاصات العلم نفسه.ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة للعلم. اختفاء الكثير من الأحياء . نتيجة للعلم. انتشار أمراض جديدة. نتيجة للعلم بالمقابل هناك انجازات عظيمة. إذا لم تحقق الأرض التوازن الطبيعي فإن كارثة ما سوف تحدث. العلم نفسه يستطيع ان يخلق التوازن. إذا جعلنا الحيوان ينطق فمن نحن؟ كيف نعيش؟ إذا لم نجمح دوران عجلة العلم إلى حدود ما فإن كارثة لابد أن تحدث، وبهذا يبشر الخيال العلمي.وهنا تتدخل الأخلاق والقوانين وهو مايخص الشق الثاني من السؤال.حين لاتكون هناك أخلاق يصبح العلم مدمرا. خذ مثلا هتلر لو استطاع العلماء النازيون أن يصلوا إلى اختراع نووي عام 1939 تخيل نتيجة العالم الآن.إن خارطة العالم السياسية يحددها العلم. نحن العرب فقدنا فلسطين بسسب التفوق العلمي لأوروبا. بعد الحرب العالمية الأولى والثانية تشكلت حكوماتنا الحالية من قبل الدول الرأسمالية نتيجة لانتصارهم في الحرب بسبب التفوق العلمي حتى الجنرالات الانقلابيون الذين حكمونا كانوا يقومون بانقلاباتهم العسكرية عن طريق استخدام الدبابة والمدفع والطائرة والإذاعة وهي مخترعات لابد منها.. بالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين العلم والسياسة هذا التوازن تحدده أخلاقيات وقوانين اجتماعية عالمية يتداخل فيها الدين بالعلم بالسياسة ليتم توظيف المخترع الجديد من أجل سلامة البشرية وتقدمها ورقيها من دون آثار جانبية سلبية أي أن يكون هناك اتحاد عبر رابط مهم لاغنى عنه هو الأخلاق العالمية التي تتفق عليها شعوب المعمورة كلها.

 

ما الذي يمكن أن يتلمسه كاتب روايات العلمي من محاذير عند الكتابة؟

- أول تلك المحاذير المباشرة.الوضوح التام الذي يضعف الرواية ويزهق روحها. ثاني هذه الشروط ألا يقع في التناقض.أحيانا كاتب الخيال العلمي يحتاج إلى أن يستند إلى بعض الحقائق العلمية فيجب ألا يورد شيئا خطأ أو يذكر معلومات ناقصة تشوش فكر القاريء مثل أن يقول  قطعت المركبة المسافة من مصر إلى اليابان وهي ألفا كيلومتر بنصف ساعة لاأعتراض على زمن قطع المسافة تلك لكن الاعتراض على الرقم الخطا أو أن يذكر رقما خطأ للمسافة بين الأرض والقمر، يجب أن تكون هناك ثقافة علمية ما عند كاتب الخيال العلمي، الأمر الآخر هو أن يبتعد كاتب الخيال العلمي عن المباشرة. لغة المباشرة لغة ممجوجة وضعيفة تجعل النص مهلهلا ركيكا ثم هناك مسألة مهمة هي أن يكتب الكاتب عن مشاكل عظيمة تخص البشرية  فلاتكون كتابته لغرض الخيال والإثارة فقط وكم يكون عظيما لو حول الهم المحلي إلى هم عالمي عبر الخيال العلمي.

 

بين الأدب العربي والأدب الحديث... أين يقف الدكتور قصي عسكر؟ وأي الملامح نجدها مشتركة بين الأدبين؟

- لاأدري إن كنت تقصد بين الأدب العربي القديم والأدب العربي الحديث أم بين الأدب العربي والأدب العالمي أو الآداب العالمية؟ على أية حال أجدني مضطرا للإجابة عن الاحتمالين.

مايخص الأدبين الأدب  العربي  القديم والأدب العربي الحديث، أقول ذكرني سؤالك بمقدمة مجموعتي الشعرية " صيف العطور الخرساء الصادرة في دمشق عام 1987"  التي كتبها- المقدمة -  العلامة الناقد والأكاديمي السوري عبد الكريم اليافي الذي يعد أول من ألف كتابا في علم الجمال بتكليف من دولة الوحدة حيث قال" مكانة قصي بين أبي تمام والسياب" كنت وقتها سعيدا بهذا الوصف الذي دفعني إلى المضي في صياغة أسلوبي الشعري مما جعلني فيما بعد أتجه في التفنن بكتابة الرواية لكي يكون لي موقع ما يميزني،لأننا نستطيع أن نستفيد من نقاط القوة في أدبنا العربي القديم ونعكسها في أدبنا العربي الحديث أي نطورها إذ ليس بالضرورة أن تكون كل مرحلة لاحقة أفضل من التي سبقتها فمثلا العصر المغولي والعصر العثماني لم يكن فيهما الأدب أفضل من العصر العباسي الذي سبقهما بل نجد العصر الأموي ارتقى بالعصر الجاهلي فقدم إضافات جديدة والعصر العباسي ارتقى بالعصور التي سبقته وعصرنا الحديث عصر السياب ونازك وبلند ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم بما اضافه لمستوى للأدب العربي من إبداعات فتميز عن العصور الذهبية التي سبقته، وربما يكون العصر الذي يليه أقل إبداعا منه أو أكثر من يدري؟ أما  عن الشق الثاني من سؤالك إذا كنت تعني الأدب العالمي الحديث فأقول في السابق كانت الإبداعات تصل إلينا متأخرة قصيدة النثر سبقنا إليها الأوروبيون بمائتي عام كذلك قصيدة التفعيلة " الشعر الحر" أما الآن فلا أظن أن أي جديد يظهر يتأخر كما كان  عليه الوضع في السابق والسبب هو وسائل الاتصالات الحديثة والعولمة لنتصور أن أكبر ثورتين عربيتين أعني ثورة كل من تونس ومصر أشعلت شرارتيهما اتصالات الأنترنت. الآن هناك تفاعل بين كل شعوب العالم، فما يستوعبه الكاتب المصري من حدث يستوعبه في الوقت نفسه كاتب في البرازيل والأرجنتين ومنغوليا واليابان والهند وإيران واليمن والصين . المحلية في طريقها أصبحت عالمية والعالمية محلية، بهذا المفهوم ينفتح الآخرون علينا وننفتح عليهم، وسوف تظهر نتائج هذا الانفتاح في السنوات القادمة

 

كيف تنظر لحرية الصحافة الدنماركية في صدامها مع مشاعر العرب الدينية؟ وهل هناك حلقة مفقودة في هذا الأمر؟

- هذا السؤال يعيدني إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي وقضية الكاتب سلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية.يومها قال لي كثير من المثقفين الدنماركيين منهم بيكت راسموسن وهي صحفية قديرة كانت تعمل في صحيفة " برلينس تيذنه" كذلك هناك مستشارة السفارة الفرنسية للشؤون الاسكندنافية وهي دنماركية وفنان عازف عود وهو معجب بالفن الشرقي وسيدة هي عضو في الالبرلمان حينذاك كذلك  صحفية يهودية غير متطرفة ..حدثني هؤلاء أن شعوب  الدول الاسكندنافية بصفة  خاصة والشعوب الأوروبية تعبت جدا .. قدموا التضحيات وعانوا من أنظمة دكتاتورية آخرها النظام الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا وهناك أنظمة دكتاتورية مارست القمع والنفي والسجن بحق شعوبها بخاصة في عشرينيات القرن الماضي وضربوا لي مثلا بفلم " الفراشة"أو " بابيون" الشهير حتى وصلت تلك الشعوب  إلى هذه الدرجة من الرقي وحرية الرأي فإذا ماجاء مخرج ما وأخرج فيلما مثل " درب التبانة " وهو فلم يتطاول على السيد المسيح فلن يظر المجتمع بشيء ولايجوز قمعه.مع ذلك كان لدي اعتراض على ماقيل بهذا الصدد هناك لديهم استثناءات، فلو إن الدنماركي يانسن أو بنت أو... انتقد ملكة الدنمارك وحولها إلى مسخ لما التفت إليه أحد وكأنهم لم يسمعوه لو انتقد رئيس الورزراء لما سأل أحد لكن لو أن أي شخص انتقد اليهود والكارتل اليهودي في الدنمارك أو تعرض للصهيونية بنقد او قول نقدا لاانتقادا لأقاموا الدنيا على رأس ذلك الشخص ولم يقعدوها. انتقد الدنمارك ماشئت مع ذلك هناك مساحة خارج هذا النطاق لليهود، في ذلك الوقت ثمانينيات القرن الماضي كانت هناك مساحة في بريطانيا لايجوز انتهاكها مثلا  كان القانون يمنع الصحافة من إجراء أي حوار مع أي عضو في الجيش الجمهوري الإيرلندي – الحظر الآن تم رفعه -  وقبل ثلاث سنوات أعرف في بريطانيا سيدة إنكليزية أرسلت رسالة إلى صديقة لها لكنها من دون وعي منها نسيت فوضعت طابع البريد على الغلاف بالمقلوب.كان رأس الملكة للأسفل. السيدة اعتذرت للمحكمة مدعية أنها لم تتعمد لكن تمت إدانتها لهذا الخطا بدفع غرامية مالية  بصفتها أهانت الملكة من غير أن تدري، الخلاصة إنهم بلدان تؤمن بحرية الرأي وتؤمن بالدمقراطية مع ذلك لديهم استثناءات كما في قضية اليهود ورموز البلاد وهم يعرفون ظروف البلاد العربية والإسلامية وأهمية الدين فيها فيمكن أن يضعوا بعض الشؤون التي تخصنا ضمن الاستثناءات وقد فعلوا ذلك بطرقهم الخاصة أذكر من ذلك عندما زار ملك السعودية بريطانيا استغلت إحدى دور السينما الفرصة فعرضت أثناء الزيارة فلم" موت أميرة" الذي يتعرض للعائلة الحاكمة السعودية وقضايا الشرف بدورها تحركت الحكومة البريطانية بذكاء للغاية فاشترت بسعر مضاعف جميع بطاقات العرض أي عملت صفقة مع مالك السينما مدة وجود الملك السعودي في بريطانيا....في الدنمارك كل من يبلغ سن الرشد  يجب عليه الانخراط في سلك التنجنيد لأداء الخدمة العسكرية

V?vnepligt

لكن يمكنك أن تقول لهم لاأريد أن أتعلم كيف أقتل إنسانا عندئذ يرسلونك إلى مراكز الصليب الأحمر للعمل هناك أو إلى الغابات لقطع الأشجار في خدمة مدنية وهذا استثناء،في المدرسة الدنماركية عندما كنت أدرس تاريخ الدنمارك وحرية المرأة بالضبط عام 1987 قارن المعلم بين المراة في الدنمارك التي طالبت بحقوقها منذ عام 1920 أو قبل ذلك وبين المرأة في سويسرا التي تحظر التقاليد وجودها في البرلمان " لاأدري الآن " لكن القانون السويسري كان لايسمح للمرأة في البرلمان إلى تلك السنة أي عام 1987 وهذا استثناء في الدمقراطية،في الولايات المتحدة حيث تمثال الحرية  يقف شامخا يجب أن توقع من أجل الحصول على الجنسية على قرار ينص على عدم دخولك أو سعيك لتشكيل حزب شيوعي في الولايات المتحدة لأن القانون الأمريكي يحرم الحزب الشيوعي أما عند صدور القانون قبل عقود فقد طلبوا من اعضاء الحزب الشيوعي ألا يكسبوا عضوا جديدا وألايبنوا مقرا جديدا ومن يأتي مهاجرا إلى الولايات المتحدة أن يقر في المطار ألا يعمل على الانضمام للحزب الشيوعي، وهذا استثناء في مباديء الدمقراطية، مثل هذه الاستثناءات يمكن أن تقوم بها أية حكومة  أوروبية ومنها الحكومة الدنماركية  حفاظا على مشاعر المسلمين وعلى مصالح البلد نفسه وإلا سيكون موقفهم مثل موقف الذي انتقد النبي محمد " ص" لكونه تزوج من عشر نساء ونسي أن النبي داوود تزوج من أكثر من مائة امراة إنه بالضبط امتياز يجعلك تنتقد ملكة الدنمارك انتقادا شديدا ويمنعك من انتقاد سلوك إسرائيل، ويجعلك بطريقة ما تمنع عرض فلم " موت أميرة" لتُعطى الحصانة لملك السعودية والعائلة المالكة في الحجاز لكن تلك الحصانة لاتُعطى للنبي محمد " ص " ولا للشرق المتدين بطبيعته، بل نجد في مجلس الأمن أن ممثلي الولايات المتحدة وأوروبا يغادرون القاعة مجرد الحديث عن إسرائيل بينما تفترض الدمقراطية أن يسمعوا مايقوله الآخرون بهذا الصدد، والأدهى من ذلك أن ممثلة الولايات المتحدة وممثلي  الدول الأوروبية  يستعرضون في وقفاتهم وكلماتهم الأوضاع في كل البلدان وقضايا حقوق الإنسان فيسمون الدول باسمائها لكنهم لايذكرون دول الخليج والسعودية، لنتصور أن أي تجريح للنبي محمد " ص " يمكن أن يفسر  من باب حرية الراي والدمقراطية  لكنهم يتجاهلون كبت الحريات والطائفية في البحرين والسعودية وقطر وهنا توضع الديمقراطية الرائعة التي نعيشها في الغرب بخاصة في الدنمارك على المحك مادامت هناك استثناءات.

 

نشأة عراقية، وجنسية دنماركية ... كيف اجتمع الماضي والحاضر لديك؟وعن أي شيء تمخضا في النهاية؟

- الماضي هو المخزون الرائع الكبير الكثير،والحاضر هو العامل المساعد الذي يتفاعل مع ذلك المخزون فيخرجه عن سكونه إلى حياة أخرى. مثل البذرة التي تحمل قوة كامنة في داخلها حتى تجد الماء والهواء فتنمو إلى شجرة جديدة.وهنا يجب أن نتحدث بصراحة. لو كنت بقيت في العراق هل كان يمكن أن أقدم مثل هذا النتاج؟نحن عشنا في فترة ركزت فيها وسائل الإعلام على الواقعية المحدودة المباشرة. هناك ضوابط فنية عليك أن تلتزم بها والأدهى  أن تقنع بمباديء سياسية واجتماعية مفروضة عليك.بالمقابل كان الماضي عظيما متنوعا فجيلنا تربى على ثقافات متعددة أطلت علينا ثقافات متعددة من مصر ولبنان ودمشق والكويت وكانت هناك ثقافة عالمية تتسرب إلينا من أوروبا على شكل كتب مترجمة وفنون مرئية ومسموعة لذا مغادرتي البلاد تعني ذ أني هاجرت بماض محمل بخصب كبير، هذا الماضي المتمثل باطلاعي على ثقافة شرقية وغربية يجب أن تتم ترجمته إلى الواقع أن يتم مزجه بطريقة فنية؟هل نكتب حنينا إلى الوطن أو روايات من الذاكرة؟ عندئذ نكون فعلنا مثلما فعل شعراء المهجر الأول جبران وغيره، هنا يجب علينا أن نقدم أدبا يعالج مشاكل الشرق في الغرب  إنه الأدب المهجري الجديد الذي يكون محوره الفرد الشرقي الذي يتفاعل مع المجتمع الغربي ويعايشه وينصهر فيه من دون أن يذوب ويتلاشى وذلك يتحقق في العمل الروائي  أكثر مما يتحقق في الشعر.

 

ما الذي وجدته مشتركا بين العرب والإسكندنافيين؟

- هناك أمور كثيرة منها مايخص التراث والاسطورة والتاريخ وغيرها، التاريخ تمثل في العلاقات الدبلوماسية القوية بين الفايكنج والدولة العباسية بدءا من زمن هارون الرشيد وبلوتان" هارالد  السن الأزرق"

Bl?tand

حيث تروي كتب التاريخ الدنماركية أنه خلال العصور الوسطى أرادت الدولة العباسية أن تحصر أوروبا المسيحية بينها وبين الفايكنج في الشمال فأعفتهم من الضرائب لأنهم وثنيون، فكانت أوروبا بين قوة الشمال حيث الفيكنج وقوة الجنوب حيث الدولة العباسية،هناك علاقة الددنماركيين بدولة الأندلس أيضا  واستعمالهم النقود العربية لأنهم لم يكونوا ليملكوا مصانع لسك العملة في اسكندنافيا. كانوا يستخدمون النقود العربية في تعاملهم ويدمغون عليها أسماء آلهتهم ووقد عثر على المئات من قطع النقود الفضية والذهبية العربية التي تعود لتلك الحقبة في النروج والدنمارك، والرحلات البحرية إلى أورشليم وبحر قزوين، وإعفاء الاسكندنافيين  من الضرائب من قبل الدولة العباسية،ويفخر الدنماركيون بإشارات مقتضبة أوردها عن الفايكنج الرحالة العربي الشهير ابن فضلان في كتابه" المسالك والممالك "أضف إلى ذلك أن المغرب لها علاقات دبلوماسية قديمة مع الدنمارك،ويرجع وجود مدينة الألعاب الشهيرة في كوبنهاغن

Tivoli

إن هناك دبلوماسيا دنماركيا كان يعيش في شمال أفريقيا حين انتهت مدة سفارته ورجع إلى الدنمارك حن إلى عالم  الشرق وعوالم ألف ليلة وليلة فبنى مدينة الألعاب " أعود إلى سؤالك السابق عن الواقع  و الخيال أو الخيال  العلمي والواقع"أضف إلى ذلك أن سقوط العرب في الأندلس جعل الدنماركيين يؤسسون بعد ذلك الانهيار العربي بسنوات قليلة معهد الاستشراق بكوبنهاغن الذي سموه فيما بعد معهد كارستن نيبور لأنهم كانوا يرسلون الطلبة إلى الأندلس لدراسة اللغة العربية لكن بعد خروج العرب من إيبريا لم يعد بإمكانهم إرسال البعثات فأسسوا معهد الاستشراق ليتابعوا دراسة اللغة العربية واللاهوت، هناك رحلة كارستن نيبور الشهيرة إلى بلاد العرب ثم تطالعنا العلاقات  الاقتصادية والدبلوماسية العربية الإسكندنافية فكانت المغرب أول دولة عربية لها علاقات تجارية مع الدنمارك في العصر الحديث هذا من جانب ومن ناحية  آخرى وجدت تقليدا دنماركيا هو بالضبط تقليد عربي عندما كنا صغارا وينخلع سن أحد منا اللبني كانت أمه تقول ارم سنك نحو الشمس وقل: خذي سن الحمار واعطني سن الغزال هو بالضبط عند الدنماركيين ربما لأن الشمس مثلت عند العرب قبل الإسلام إلهة للجمال والخير، وفي ذلك يقول طرفة بن العبد:

بدلته الشمس من منبته   بردا أبيض مصقول الأشر

وفي الصغر أيضا في الليل كان الأطفال أو أي طفل يشعل نارا في عود رفيع من القصب ويحركه في الهواء فتتناثر شرارات منه على شكل دوائر جميلة أو ألعاب نارية رائعة .

Firework

أنا شخصيا كنت أفعل ذلك فكانتغير أن الأمهات كن يقلن لأطفالهن إذا فعلتم ذلك فإنكم تبولون في الفراش، هذا تحذير طبعا من الأمهات لأطفالهن خوفا من اللعب بالنار وإحداث حرائق،هو نفسه عند الدنماركيين،ويقال إن المرأة الحامل إذا خرجت ووقع نظرها على أرنب فإنها تلد طفلا مشقوق الشفة ومثل ذلك موجود في تراثنا الشعبي، لذك كان العربي إذا وقع بصره على حيوان ما سمى مولوده باسم ذلك الحيوان أما الأمثال فهناك أمثال مشتركة بيننا وبينهم، وهناك كلمات مشتركة أصلها إما عربي أو لاتيني أو سومري مثل كلمة سكر وماكنة، ويهتم الكثير من الدنماركيين بقضيتنا المصيرية فلسطين فقد قرأت قصة قصيرة لكاتب دنماركي عن معاناة محمود الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي وهي قصة جميلة، وفي الترجمة نعرف أن الدنماركيين ترجموا للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني قبل أن يترجموا للمرحوم نجيب محفوظ وقد فوجؤوا بحصوله على جائزة نوبل ولم يكن هناك من كتاب له في المكتبات فترجمت أعماله بعد حصوله على الجائزة لكن يجب القول إن قصص الف ليلة وليلة كانت معروفة لدى الاسكندنافيين قبل القرن العشرين.

 

أنت حظيت بمخالطة ثقافات وأفكار وآيديولوجيات مختلفة... في رأيك هل بالإمكان دمج ثقافات الغرب والشرق في معين واحد؟أم أن هذا التلاقي في عداد المستحيلات؟

- أنا شخصيا أومن بتلاقي الحضارات وتفاعلها واختلاطها المنظم من دون فوضى. هذا أمر لابد منه. لأن وسائل الاتصال الحديثة كسرت الحواجز اللغوية والفنية بين جميع الشعوب، فأصبح الآن التلاقي ضرورة ملحة. تعلم اللغات ومعايشتها، الاطلاع على آداب الشعوب الأخرى وفنونها وعلومها، محاولة التنبؤ إلى حد ما بالكوارث والاختراعات الجديدة، الأزمات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة واثرها على العالم كله،مشاكل البيئة.. النفط عصب الحضارة الحديثة ووجوده عند أغنى الدول وأكثرها تطورا مثل روسيا والولايات المتحدة وعند أكثر الدول تخلفا مثل دول الأوبك،إن العالم لم يعد قرية صغيرة فقط بل أصبح يشبه جسد الإنسان الذي إذا تاثر منه عضو صغير مثل القدم أو الأظفر تأثر  الجسد كله، هكذا نعيش نحن الآن، الأدب المهجري لم يعد حنينا إلى الوطن فالمغترب يرى وطنه عبر الفضائيات كل يوم ويسمع صوت أصدقائه ويراهم من خلال الأنترنت، التصادم من المحال لأنه يدمر العالم بل الانصهار وليس الذوبان في الانصهار تكون حالتنا مثل خلط ثلاثة الوان،عن الخلط ينتج لون جديد، أما الذوبان فهو أن يتغلب عنصر كبير ويبتلع عنصرا صغيرا آخر مثل أن تضع في وعاء سعته عشرين لترا من الماء ملعقة صغيرة من السكر أو أن تضع في البحر طنا من العسل لذلك العالم يسير الآن نحو التلاقي وقد يحدث بعد التلاقي الانصهار لخلق حضارة جديدة متكاملة تنشأ عن حضارات مختلفة.

 

حدثنا عن روايتك " الثلج تقتحم مدينة الثلوج" وأي شمس هي وأية ثلوج؟

- الرواية كتبتها في عام 1987 أول وصولي إلى الدنمارك وبعد دخولي مدرسة اللغة.كانت هناك أمور كثيرة  تتفاعل في ذاتي: العالم الجديد والحياة الجديدة.. الحرب العراقية الإيرانية.. أحداث لبنان..وجود أنظمة قمعية عربية  توغلت في العنف إلى حد بعيد..صعوبة اللغة الدنماركية.. شعورك كونك لاجئا ونظرة الناس إليك..مشاكل الشرقين في بلاد الاغتراب.. كل هذه العوامل جعلتني أصوغ فكرة الرواية التي تمثلت في كون أحد اللاجئين يؤجر غرفة في شقة أحد الدنماركيين، تتوطد العلاقة بين اللاجيء والدنماركي الذي له أم كبيرة  السن تعاني من عدة أمراض،في الوقت نفسه تصبح عند اللاجيء صديقة وتتوطد العلاقة بين الجميع، يقترح الدنماركي على اللاجيء الفكرة التالية: إن والدته مريضة.. عجوز.. وهو يرغب في الهجرة.. الأم تملك بيتا تسكنه وحدها..فيجدر به أن يزيد لها قطرة أو قطرتين في الشراب فتنتهي وتتخلص هي من آلامها  فيرثها ويبيع البيت ثم يهاجر.ومن الأجدر أن يسافر إلى بلد أوروبي ليبعد الشبهات عنه ويسأل اللاجيء أن يفعل ذلك وله حصة من المال.. يقتنع اللاجيء بالفكرة ويذهب إلى بيت الأم.. فترحب منه وتطلب منه أن يستل من الرف ويقرأ لها قصة من ألف ليلة وليلة في هذه الأثناء يرن الهاتف فتطلب منه الأم أن يرد فيسمع صوت صديقته تقول له إنها اتصلت به في الشقة فلم تجده ففكرت أن تتصل به في بيت الأم. تخفق خطة القتل، ويعرف من صديقته أنها أرادت أن تبشره عن حملها منه عندئذ ينهار تماما. يسأل نفسه ماذا لو كانت بنتا؟ كيف ستمارس الجنس مثل الأوروبيات مع أكثر من عشيق. كيف . العار...ابنة حرام.. من دون زواج..يهوي على بطن صديقته لكما فتجهض.ثم يدرك أنه جاء ليقتل إنسانا فقتل آخر أقرب الناس إليه ابنه أو ابنته المفترضة.قد تفسر الرواية على أن الأوروبيين يحرضوننا على القتل أو يدفعوننا إليه.فنقتل أنفسنا..وقد ذكرت في البداية أن هناك عوامل كثيرة أثرت فيَّ فالدنماركيون ليسوا سيئين بل هم أناس طيبون لكنهم يبدون أحيانا أشبه بالإنسان الآلي

Robot

أما الشمس فهي الشرقيون واللاجؤون القادمون إلى الدنمارك، ومدينة الثلوج هي كوبنهاغن التي تمثل شمال الكرة الأرضية البارد أي تلاقي الحرارة والبرودة على فكرة في الأساطير الدنماركية  العالم كان باردا لاحياة فيه مظلما ثم تحرك تيار دافيء من الجنوب نحو الشمال فحدثت عملية الخلق.

 

ماذا عن أحدث إبداعاتك في مجال الكتابة؟ وهل من توجه فكري جديد تتطلع إليه؟

- في الرواية لدي رواية خيال علمي مستمدة أحداثها من الواقع . الرواية تمثل الصراع العنيف الذي جرت أحداثه بين اليساريين والسلطة في العراق بدءا من عام 1963 انعكاس هذا الصراع في الفضاء بين عالمين عراقيين درسا في جامعة واحدة هي جامعة البصرة قسم الفيزياء وهاجرا إلى أوروبا فيما بعد " تذكر أني قلت إننا يمكن أن نعكس همنا المحلي على الهم العالمي" عالم وعالمة اصبحا رائدي فضاء، كيف يجري الصراع  بالطبع سوف يتحول من صراع سياسي إلى علمي الرواية سميتها " الكوكب الخفي".وهناك رواية معدة للطبع عنوانها " زيزفون البحر"التي يبدو فيها البطل المهاجر يغير أسماء الأشخاص إلى ثنائيات وتغييره الأسماء  لم يكن ثابتا فهو يطلق عليك اسما مركبا يتعلق بالبحر فيسميك اليوم " ساحل البحر" وبعد لحظات تصبح عنده " نجم البحر"،هناك رواية قديمة عنوانها " المقصف الملكي" كتبتها عام 1986 في شتورة تحكي عن لقاء عراقي مهاجر يعيش في  لبنان بعراقية أمها متزوجة من لبناني ولها أخت من أمها والعائلة تملك حانة في بيروت والأجواء تنذر بالحرب الأهلية.كما انوي أن أطبع رواية توثيقية عن الأحداث التي جرت بعد انسحاب الجيش  العراقي من الكويت وقيام الانتفاضة، فبعد زيارتي للعراق عقب سقوط بغداد جمعت معلومات رتبتها في رواية توثيقية كبيرة الحجم نوعا ما،هناك أيضا قاموس أو معجم سميته" الحيوانات والطيور والنباتات في الكتب المقدسة، العهد القديم، العهد الجديد، القرآن الكريم" وهو مؤلف بعيد كل البعد عن العمل الروائي، كذلك لدي ديوان شعر . آخر ديوان صدر لي عام 2000 كان ذلك الديوان   مع ثلاث مجموعات قبله  موضوعا لرسالة ماجستير تمت مناقشتها في جامعة البصرة لكن المشكلة في الطبع ودور النشر وهو أمر أعاني منه الشيء الكثير.

 

في رايك ... هل نحن عاجزون عن تطوير أساطيرنا العربية والترويج لها بشكل يخدم الفكر العربي؟

- أما العجز فلا. لم يخلق الله تعالى شعبا عاجزا قط فذلك يتنافى مع غاية العبادة وإعمار الأرض .لكن إذا قلنا إننا أمة لانسير وفق مناهج علمية صحيحة. يجب علينا أن نستنبط مناهج من واقعنا صالحة لمجتمعاتنا.اضرب لك مثلا أنا في النقد وجدت منهجا يعتمد على الكلمة المؤثرة تقرأ النص فتتطلع فيه وفي كلماته . قد تكون هناك كلمة أو جملة تلفت نظرك قبل غيرها فتجعلها محورا أو مفتاحا لتحليل النص وفق تجاذب ونفور الكلمات إليها وعنها. هذا المنهج يصلح للشعر لا للرواية.الأساطير العربية  تحتاج إلى منهج ورؤيا معاصرة . نحن نعرف أن الأساطير في أوروبا كانت محرمة وممنوعة على أساس أنها تشيع الفاحشة وفيها مشاهد مخجلة وقد حذفت بعض المشاهد من ألف ليلة وليلة حين ترجمت وطبعت في الدنمارك مطلع القرن الماضي في حين كان المفكرون العرب والفلاسفة مثل ابن رشد يذهبون إلى أن الخرافات والأساطير والقصص الشعبي فيها عبرة وموعظة ولم يكن هناك من حظر عربي عليها لكن الأوروبيين أصحاب منهج التفتوا إلى اخطائهم فاعترفوا بها وصححوها لذلك نحن لسنا عاجزين بل ينقصنا المنهج العلمي الصحيح.ليكن هذا المنهج نابعا من واقعنا او مستوردا شرط أن نكيف بعض مواده لطبيعة نصوصنا الفكرية والأدبية بالضبط مثل السيارة إن العالم الذي  يصنع سيارة في موسكو ذات الأجواء الباردة هي نفسها السيارة التي يصنعها العالم ذاته وفق أجواء بغداد اللاهبة في شهر تموز لكن بتعديلات ضرورية لمناخ آخر .!!

 

باستحضار نصك " الضفادع"... كيف ترى العنف في عالمنا العربي الآن؟ وهل من حلول آمنة؟

- الضفادع نص دخل في مضمون العنف واستوعبه لكنه لم يضع حلولا مباشرة .. لست مع المباشرة في الكتابة ولا مع المباشرة في وضع الحلول كلما أشار النص إشارات خفية كان أجمل وأرقى وأنقى... بالطبع أقف مع تجفيف منابع الإرهاب بأسلوب آخر. قد يكون التجفيف من الناحية المادية ضروريا لكن تجفيف منابع الإرهاب يجب أن يتم من  المنبع..الطفولة...البيت ..المدرسة...المناهج الدينية المقررة للطلاب.يجب أن ندرس الكتب المقدسة فنختار للأطفال النصوص الواضحة التي تدعو إلى التسامح، ولنا مثال في الكتابين المقدسين العهد الجديد والقرآن الكريم. لو قرأناهما قراءة سطحية لوجدناهما كتابين يدعوان إلى العنف وإراقة الدماء. تلك دراسة خاطئة من لم يكن مسلما فهو كافر يستحق العذاب. لانعجب بعدُ حينَ نشاهد بوقاحة عددا من أعضاء البرلمان يرفضون الوقوف حدادا على روح المرحوم البابا شنودة لأن هؤلاء قرأوا النص القرآني قراءة  محدودة قاصرة على زاوية ضيقة.قبل سنوات طالعت للسيد الخوئي رحمه الله تفسيرا للآية الكريمة " ومن يبتغ غير الإسلام دينا...." حسبما أذكر قال إنها منسوخة وإن ذوي الأديان لهم أجر عند ربهم ثم جاء المرحوم فضل الله والمرحوم محمد مهدي شمس الدين وغيرهما من الذين نادوا بقاعدة الإلزام أي أن اليهودي إذا ألزم نفسه بمباديء التوراة والمسيحي إذا ألزم نفسه بالعهد الجديد والصابيء بكنزا ربا والبوذي بمباديء بوذا فإن الله سوف يحاسبهم على تلك المباديء التي ألزموا انفسهم بها كذلك في الدين الواحد من حيث المذاهب حين يلزم المالكي نفسه بما قاله الإمام مالك رحمه الله والشافعي بما قاله صاحب المذهب والجعفري والحنفي فإن الله سوف يحاسب هؤلاء وفق تلك القاعدة التي ألزم الإنسان بها نفسه.وقد شاهدت ذات يوم ندوة في القاهرة للعلامة المرحوم محمد مهدي شمس الدين برعاية الرئيس السابق حسني مبارك  بثها التلفزيون المصري دعت إلى مثل هذه الفكرة وكان الحاضرون من المثقفين وطلاب الجامعات. حتى العهد الجديد المعروف بدعوته للتسامح  يمكن أن نقرأه قراءة رديئة فنجعله منبعا من منابع القتل فلو قرأنا الآية 36 من لوقا الإصحاح  22 " من ليس له سيف فليبع رداءه ويشتر"، وربما لنا مثال آخر في الإمام علي عليه السلام حيث كان يخطب في المجلس وهناك من المستمعين من يلعنه ومن يقول عنه هو الله ولم يستخدم العنف، وفي مشهد آخر له أنه يوم الخندق جثم على صدر عمرو بن ود العامري دقائق ولم يذبحه والمسلمون يهتفون به وعندما سئل قال: لقد بصق علي فاردت أن يذهب غضبي لأقتله لله وليس من أجل غرض  آخر. بعد كل هذا نقول إن الحلول الآمنة تتمثل بالخطوات التالية:

المدرسة إذ يجب أن نختار للتلاميذ الصغار النصوص المقدسة التي تبعدهم عن العنف والعذاب.

عدم استخدام العنف من قبل المعلمين.

الدعوة إلى قبول الآخر بصفته أخا لي في الوطن وشريكا في هذه الآرض.

البيت عدم معاقبة الصغير الذي يمارس العنف من دون وعي فقد يقتل الطفل حشرة غير ضارة أو يطارد حيوانا بل نشذب غريزته تلك بالتوجيه وليس عن طريق العقاب.

عدم ممارسة العنف من قبل الأبوين إحدهما بحق الآخر.

مراقبة اجهزة الاتصالات والأجهزة الالكترونية مثل التلفاز واختيار اللعب والبرامج المناسبة البعيدة عن العنف.

تغذية فكر الطفل بالعلوم والألعاب بدلا من الأفكار التي تزرع في نفسه روح الانتقام، فبدلا من أن نقول له إن جدك مات مقتولا حتى أخذت العشيرة بثأره اوجهه توجيها آخر مفيدا يبعده عن العنف.

ترك العنف المشروع حتى يجتاز الطفل المرحلة الابتدائية ثم نعلمه حينذاك حقوقنا المشروعة مثل معاناة أطفال فلسطين وحقنا العربي المسلوب لكي لانسبب للطفل إحباطا بل في فترة الطفولة نبين له كل ماهو خير وناعم وجميل ليتقبل بصورة صحيحة مايجري حوله حتى يكون بقدر المسؤولية في المستقبل.

 

إلى أي حد تؤرقك وحدة الشعب العراقي. وما السبيل لتحقيق هذه الوحدة؟

- لم يكن في زماننا أي عندما كنا في العهد الملكي والعهد الجمهوري الأول أي  قلق على وحدة الشعب بل تجد العراقيين يتحدثون عن هموم فلسطين أكثر من هموم العراق،وتجدهم يهتمون بأحداث تجري في نيكاراغوا أكثر من حاجتهم للكهرباء مثلا.وفي زمننا غنينا للجزائر وجميلة بوحيرد أكثر مما غنينا للعراق،مقدمتي هذه سقتها لأستشهد بكتب التراث والتاريخ القديمة لو فتحت بعض كتب التاريخ لوجدت المؤرخين يطلقون على العراق وصفين مهمين: العراق العربي  والعراق الاعجمي يقصدون بالعراق الأعجمي منطقة كردستان  حيث يسكن الأكراد والآثوريون والتركمان والأزيدين. الموضوع حساس من الناحية القومية هناك قومية كبرى في العراق تتمثل بالعرب وقومية أصغر من حيث العدد هم الأكراد ثم التركمان والأزيديون،وهناك في الجانب العربي خصوصية هي أن المذهب الاكبر من حيث العدد هو المذهب الجعفري يليه الحنفي أو مايطلق عليه السنة. لقد ورثنا مفهومات مقيتة من العهد العثماني ولم يلغها العهد الملكي هذه المفهومات ضيعت فرصا على العراق في التقدم والرفاه بصفته بلدا زراعيا كثير الخيرات وبلدا نفطيا أيضا.الحكومات المتتالية تتحمل الوزر الأكبر في انحدار البلد نحو التفتيت القومي والمذهبي. أضرب لك مثلا على ذلك: بعد مصرع الرئيس العراقي عبد السلام عارف بحادث طائرة اجتمع القوميون العرب الناصريون لاختيار خلف له يكون رئيسا للجمهورية. كان هناك مرشحان قويان للخلافة كلاهما مثال للأخلاق الفاضلة والنزاهة والوطنية هما المرحوم الدكتور عبد الرحمان البزاز، والمرحوم  ناجي طالب. اعترض العسكريون على الدكتور البزاز كونه مدنيا غير عسكري لأن الجناح العسكري هو صاحب الكلمة الفصل وعندما تم ترشيح المرحوم ناجي طالب وهو عسكري  اعتُرِض عليه بصورة غير مباشرة لأنه شيعي ونحن نحمل مخلفات من العهد العثماني إن البلد لايحكمه إلا سني،فاختاروا الشخص الضعيف لخلافة عبد السلام وهو أخوه عبد الرحمن عارف وهنا تضافرت ثلاثة أمور هي العشائرية والطائفية والعسكر هذا ماذكره لي أكثر من مسؤول قومي ممن التقيتهم ولو صعد إلى دفة الحكم البزاز أو ناجي لماحلت بالعراق تلك النكبات والمصائب فيما بعد. ربما هذا مثل واضح يدل على انحدار البلد بسبب تمادي الحكام الذين حكموه وضيق نظرتهم،إن الذي دعم تلك  المشكلة تتمثل في حداثة الدولة العراقية التي تم تاسيسها بعد الاحتلال الإنكليزي عام 1917 فأنت مثلا لايمكن أن تعد الدولة السومرية عراقية ولا البابلية ولا الخلافة العباسية وإن كان مقرها بغداد. محمد علي باشا انفصل عن الدولة العثمانية ورسم ملامح مصر الحديثة قبل أكثر من قرنين  أما في العراق عندما جاء الاحتلال الإنكليزي جلب ملكا من الجزيرة العربية  للعراق جاء معه وزراء لم يتربوا في العراق أساسا . لو كان الملك عراقيا لمملكة العراق التي ظهرت حديثا بغض النظر عن قوميته ومذهبه  ربما لتفادينا الضرر  الآن هناك أمور كثيرة لاتوحي بالتفاؤل،لنترك الأمر للزمن فمن صفات البلد العريق أن يفتت الزمن لاأن يفتته الوقت لكن بعيدا عن مفهومي التفاؤل والتشاؤم يجب أن يضع السنة في حسبانهم أنهم لايمكن أن يحكموا إلى الأبد وأن يضع الشيعة في حسبانهم أنهم لايمكن أن ينفردوا بالحكم وحدهم وليعرفوا أن حكم صدام حسين قتل من السنة قبل الحرب العراقية الإيرانية أكثر من الشيعة وبعد الحرب كانت هناك حسابات أخرى في القتل وفق تلك الرؤيا علينا أن نتصرف، فالوطن يجب أن يحتل الأولوية قبل الدين والقومية والطائفية، ليكن الدين الإسلامي مصدرا مهما من مصادر التشريع لكن ليس المصدر الأساس، ليكن الإسلام دين الدولة الرسمي لكن يجب ألا يمنع هذا من أن يكون رئيس الجمهورية  من غير المسلمين ففي المناسبات الدينية يستطيع نائبه أن ينوب مكانه. أوروبا العلمانية نفسها لم تستطع أن تلغي الدين فكيف بنا نحن الشرقيين، إذا ذهبت لغرض الزواج في اي مكتب للبلدية في بريطانيا أو الدنمارك فإنك توقع تعهدا ينص على أن الزوجة ليست من أقارب الدرجة الأولى يعني أما أو اختا أو خالة لك وهذامستمد  من قوانين موسى. الميراث في اوروبا الأولاد يرثون اباهم وأمهم وهذا من شريعة موسى، يعني هناك بعض قوانين الدين التي يلتزمون بها ولم يستغنوا عنها لحد الآن وعلينا أن نلتزم بديننا وفق رؤية عصرية من دون تعصب أعمى.

 

في خضم مؤلفاتك الكثيرة والمتنوعة ... هل لديك حنين خاص لمؤلف بعينه؟

- كل مؤلفاتي أعتز بها مع حنين خاص وهّاج لرواية كتبتها وتم تدريسها في جامعة البصرة هي رواية نهر جاسم التي تتبعت فيها الأحداث من نهاية العهد الملكي إلى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عبر قريتي الصغيرة التي ولدت فيها فمحتها الحرب وبقيت عالقة في ذاكرتي حتى أنني لم اتمكن من زيارتها خلال سفرتين قمت بهما للعراق بسبب الألغام وبقايا الحرب.

 

منذ أن كتبت قصيدتك الأولى عن فلسطين في سن السادسة عشر وحتى الآن ... ماخلاصة فلسفتك الشعرية التي استقرت في وجدانك والتي باتت من المستحيل أن تبرح مكانها؟

- فلسفتي الشعرية تتمثل في أن أي شاعر يكتب الشعر عليه أن يأتي  بمعان جديدة لم يسبقه إليها أحد وليكن له أسلوب خاص به يميزه عن الشعراء الآخرين.مثلا عندما نتحدث عن المنفى يجب الا نكرر ماقاله من سبقونا:

لاتلقق

ياوطنا

بالدمع يشيعنا للمنفى

إنا 

سنموت هناك كبارا

 

إلى أي حد حقق الأدب العربي وجوده عالميا؟ولماذا ينظر الأوروبيون إليه نظرة متدنية؟

- أولا الأورووبيون ينظرون إلى أدبهم نظرة متميزة فالإنكليز يعطون الأولوية للأدب الإنكليزي قبل الأمريكي والأسترالي وهناك جوائز في أمريكا للأدباء الأمريكان وحدهم كما في استراليا. ليست هذه النظرة نحونا بسبب تخلفنا العلمي فاليابان دولة متقدمة لكنهم لايعرفون شيئا عن أدبها ماعدا اقسام الاستشراق طبعا، وفيها يجب أن يدرس الطالب ويتعلم اللغة العربية بلغة تلك الدولة فأنت حين تكتب أطروحة الدكتوراه في السوربون أو جامعة لندن عن الأدب العربي تكتبها بلغة تلك الدولة . المستشرق المرحوم جاك بيرك كسر هذه القاعدة فقبل بعض الرسائل مكتوبة باللغة العربية لأنه نفسه يجيد العربية مثل أهلها فقد عاش في الجزائر،هذا من ناحية من ناحية أخرى أن جميع طلابنا الذين يتخرجون في قسم اللغة الإنكليزية من جامعة القاهرة أو بغداد أو دمشق ويأتون لإكمال دراساتهم في الماجستير والدكتوراه لايسمحون لهم بالحصول على شهادة في الأدب الإنكليزي بل اللغة الإنكليزية وربما الأدب المقارن فأية جامعة بريطانية لاتقبلك أنت القادم من الشرق دارسا ل "وردس وورث "أو "شكسبير" بل دارسا للغة لأن أهل البلد وفق فلسفة الإنكليز هم وحدهم الأحق بدراسة أدبهم وماينطبق على بريطانيا تجده في فرنسا أيضا وهذه نظرتهم إلى الشرق ولاأعتقد أنها سوف تتغير عماقريب.أضف إلى ذلك أن وسائل إعلامنا وأخص الصحف والمجلات تنشر لكثير من المستشرقين الذين يبعثون لهها بمقالاتهم ودراساتهم باللغة العربية . المهم إجادة اللغة العربية حين الكتابة وهو شرط موضوعي لكن الصحف والمجلات الفنسية والإنكليزية وحتى الدنماركية لاتنشر لأي مغترب يجيد لغة ذلك البلد إلا من خلال مفكر أو كاتب معروف لدى تلك الصحافة،في ذلك بعض العنصرية. يبدو لي من خلال احتكاكي بالأوروبيين إن شعوب أوروبا الشرقية أكثر تواضعا من شعوب أوروبا الغربية في نظرتهم لآداب الشعوب الأخرى وعلى رأس شعوب أوروبا الشرقية الشعب الروسي حتى إن أقسام الاستشراق في روسيا أجازت لطلاب البعثات العربية من قسم اللغة العربية بكتابة رسائلهم باللغة العربية وهذا يثبت كفاءة المستشرقين الروس في إجادتهم لفهم اللغة العربية واحترام أدبنا العربي.

 

لماذا تظل حركة الشعر في مرتبة أعلى من حركة النـقد؟وهل من حل لهذه الإشكالية؟

- لأن الشعر عمل إبداعي، والنقد منهج تحليلي وتفسيري واكتشاف وتبيان مواقع الضعف والقوة، والنقد في بعض الأحيان ينطلق من نظريات. المنهج النقدي يرسم لك ملامح المدرسة الواقعية ثم يقف محايدا وينتظر عملك الإبداعي أو الرومانسية... إلخ... في عصر ماقبل الإسلام كان الشعر والأمثال والخطابة وسجع الكهان والحكم  في مرتبة  أعلى وفي كل العصور كذلك في الأدب الإنكليزي والفرنسي إضافة إلى ذلك فإنك تجد إن بعض المناهج النقدية  يأتي عليها الزمن فتصبح قديمة لذلك ليس هناك من حل لهذه الإشكالية وفق تعبيرك فهي وفق تصوري ليست إشكالية بل إن العمل الأدبي إبداعي والعمل النقدي عمل عقلي يترصد نقاط ضعف الإبداع  وقوته ويشرحه ويفسره ويكتشف مواطن الجمال فيه.

 

بين الشعر والرواية كيف تحلق أجنحة الدكتور قصي عسكر؟

- لاشك إن الرواية تشغل حيزا من ذاتي أكثر من الشعر  يمكن أن ألخص الحالة بوصف مكثف :إني أتجول في حدائق الرواية هضابها وسهولها أسير في شوارعها وأعوم في أنهارها وبحارها ثم آوي إلى الشعر فأرتمي بين أحضانه لألتقط أنفاسي.

 

ماذا عن الصراع بين هذين الجنسين الأدبيين في عالمنا العربي؟

- أعتقد أن الشعر في هذا العصر أصبح للنخبة فقط، وقد غلبت عليه موجة قصيدة النثر. جرب إطبع مجموعة شعرية  مهما كان مستواها عاليا فإن قراءك يكونون محدودين للغاية والحق ليس هناك من صراع بين الرواية والشعر بل الرواية استوعبت أسلوب الشعر، واستوعبت مشاكل المواطن العربي بصورة واسعة . ليس بالضرورة أن يكون الشاعر روائيا، وإلا لكان الكبار مثل السياب والجواهري ونزار قباني وبدوي الجبل روائيين لكن الرواية وفق تصوري تحتاج إلى سعة اطلاع أكثر من الشعر لأن الرواية هي حياة الإنسان والمجتمع والشعر موسيقاه وأحلامه يمكن أن يعيش الإنسان من دون موسيقى وأحلام غير أنها حياة ناقصة لاروح فيها.

 

كيف ترى ثورات الربيع العربي؟ وهل ترى الشرق قادما بقوة نحو الغرب أم العكس؟

- لا أخفيك أني فرحت كثيرا لثورتي تونس ومصر ثم صدمت بما حدث فيما بعد. لقد فرحت حين رأيت من يحمل في تونس من المتظاهرين صورة جيفارا، وهناك من حملها في اليمن،بالمناسبة كتبت عن ثورة مصر قصيدة ونشرتها  لكني حزنت جدا إذ أدركت  أن هناك من احتوى تلك الثورات النقية حين رأيت سلفيين يلوحون بالعلم السعودي بعد نجاح الثورة في ميدان التحرير، ماعلاقة السعودية بالثورات،لو تتبعنا وسائل الإعلام السعودية وتصريحات رجال الدين هناك لوجدناها تحث التونسيين والمصريين على طاعة ولي الأمر، وهناك منهم من قال إن الثورات منذ الثورة على الخليفة عثمان بن عفان جرّت على المسلمين المصائب فهم يلومون الحسين وابن الزبير وزيدا على ثوراتهم ضد الأمويين وينادون بالصبر مهما بالغ الحاكم في الظلم والقتل  وفق هذا المنظور آوت السعودية ابن علي وشجبت الثورة على مبارك ودعمت نظام علي عبد الله صالح وقمعت ثورة البحرين،وكنت أتابع الفضائيات العربية التابعة للنظام الوهابي فأسمع شيوخا هناك يشجبون تأييد الإخوان المسلمين في البداية لثورة يوليو عام 1952 في مصر وتأييدهم لقانون الإصلاح الزراعي الذي سنته الثورة حينذاك ! لقد رأينا القرضاوي الذي صلى في ميدان التحرير يفتي لمصلحة صدام حسين البعثي ويحرم ضربه من قبل قوات التحالف ثم يعود ويطلب من قوات التحالف ضرب القذافي ويستنكر إعدام صدام حسين الذي مهما قيل عن وصفه  فإنه لايقارن  بإعدام القذافي البشع وعرض جثته ثلاثة أيام والتبول عليها والبصق إلى درجة التشفي المقيت  فالرسول محمد " ص" سيد الكائنات يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور أهذه أخلاق رئيس اتحاد علماء المسلمين أجلكم الله الذي يحرم أن تضرب قوات التحالف صداما البعثي ويحلل لها ضرب بشار  فأي منطق هذا؟ أية ثورة تلك قائدها ملك دولة وهابية والمنظر لها الشيخ حمد؟ وأية قيادة تلك ترسل جيشها الرجعي لقمع ثورة في البحرين ثم تطالب العالم بتدمير سوريا.

إن علينا أن نرجع للتاريخ إذا أردنا أن نفهم الربيع العربي. لاأقصد التاريخ البعيد بل المعاصر الذي يمتد من بداية القرن الماضي. لقد انحصر القرن العشرين بأكبر ثورتين عالميتين الأولى قام بها لينين العظيم عام 1917 في روسيا وهي ثورة علمانية، وانتهى ذلك القرن بأكبر ثورة روحية دينية قادها العظيم الخميني في إيران، ومابين هاتين الثورتين العلمانية والدينية امتدت ثورات عديدة في ساحتنا العربية ثورة مصر سعد زغلول1917 التي صور بعضا من لمحاتها في" بين القصرين " الراحل الكبير المرحوم نجيب محفوظ، ثورة العشرين في العراق، الثورة الجزائرية، ثورة اليمن الجنوبي ضد الاحتلال البريطاني، الثورة الفلسطينية، وهناك حركات عسكرية أطلقنا عليها ثورات لأنها غيرت تركيبة مجتمعاتها مثل 14 تموز  في العراق لتي صفق لها خروتشوف نفسه و23 يوليو في مصر.كل هذه الثورات توفرت لها قيادات نزيهة مخلصة ترفعت عن الطائفية والابتذال والدناءة والتعصب الديني أمثال عبد الكريم قاسم، عبد الناصر،هواري بومدين، بن بلا،علي ناصر محمد،،لقد عاش هؤلاء الثوار على الرغم من أخطائهم حياة نزيهة فلم يخلفوا أموالا طائلة. كانوا بعيدين عن الطائفية، والشوفينية. ربما أحبوا الزعامة وتعصبوا لأفكارهم وذلك مالانقرهم عليه، لكن من هم قادة الربيع العربي الآن؟رجل دين يقول لك إذا ذبح حاكم سني شعبا سنيا فأنا أصدر فتوى للتحالف بسحقه مثلما فعلت مع القذافي،وإذا ذبح حاكم سني شعبا نصفه سني ونصفه  شيعي مثلما هو الحال  في العراق فلايجوز أن نستدعي التحالف بل نقبل بذبح النصف السني من أجل أن يباد النصف الشيعي" لاحظ إننا إذا جمعنا الأكراد والعرب السنة لم يعد الشيعة أغلبية في العراق بل يشكلون النصف"، وإذا كان الحاكم سنيا والشعب شيعيا كما هو الحال في البحرين فعلينا أن نقمعه نحن والتحالف الغربي، لكن إذا كان الحاكم شيعيا  والشعب سنيا فيجب أن نستدعي التحالف الغربي كما هو الحال في سوريا" نلاحظ أن السنة يشكلون أغلبية في سورية مقارنة بالمسلمين الآخرين أما إذا وزعنا الخريطة فإنهم لايشكلون أغلبية العلويون 12 بالمائة، المسيحيون 13 بالمائة، الدروز 5 بالمائة، الإسماعليون 4 بالمائة، الشيعة الإثني عشرية 6 بالمائة،عبدة الشيطان أو الأزيدية 2 بالمائة، الأكراد لاأعرف بالضبط نسبتهم". لقد حول تدخل دول الخليج الرجعية وعلى رأسها السعودية وقطر الربيع العربي إلى مجرى طائفي في شرق البلاد العربية فقمعت شعب البحرين واحتوت ربيبها علي عبد الله صالح وحرضت على خراب سورية، وهي الهجمة ذاتها التي تتعرض لها بشكل ناعم دول شمال إفريقيا المعروفة بطيبتها وخلوها من التعصب فمذهب الغالبية هناك  تونس، الجزائر، المغرب،هو المذهب المالكي وأهله متسامحون ويشرفنا نحن أهل المشرق أن ينطلق التغيير من تونس العظيمة ثم مصر قلب البلاد العربية لكن هل تعي شعوب المغرب العربي ومصر مايحاك ضدها؟إن الثورة لاتطرح شعارات طائفية. شعب البحرين نادى بشعارات تقدمية فاتهمته الدول الرجعية بالطائفية وهاهي تقمعه كل يوم، والمتمردون في سوريا أنا شخصيا سمعتهم في إحدى المظاهرات يهتفون " مابيحكمنا إلا السني" الف رحمة على السني إذا كان مثل عبد الكريم قاسم وعبد الرحمن البزاز،أما أحد شيوخهم المتنفذين فقد صرح لأكثر من فضائية " سوف ندخل الكوفة" اهذا ربيع عربي؟ أهذه ثورة؟ إنهم الآن ينادون علنا بتبعية الوطن العربي إلى الدولة العثمانية ومثلهم الأعلى أردوغان الذي قال في يوم ما عن ثورة البحرين " لانريد مجزرة كربلاء ثانية" نحن العرب سنة وشيعة نعترف أن الدولة الأموية وهي تاريخنا قامت بمجزرة  في كربلاء، ونعترف أن الدولة العباسية قامت بمجازر فقد ذبحت أحفاد الأمويين الذين لم يكن لهم ذنب في كربلاء بل إنها ذبحت رجلا لاذنب له سوى أن جده كان شقيق عثمان بن عفان. لم نخجل من تاريخنا فسمينا أول خليفة عباسي بالسفاح- أبا العباس السفاح-  لكن هل يجرؤ اردوغان على الاعتراف بمذبحة الأرمن؟ هل يجرؤ  على الاعتراف بمذابح أقامها للإنكشارية أو المماليك في القاهرة وسواها من عواصم الدول العربية والإسلامية التي كانوا يحكمونها؟هل يعترف بمذابح اقامها العثمانيون للصرب وغيرهم " إقرأ رماية جسر على نهر درينا" نحن العرب بكل مذاهبنا لم نعرف القازوق لكن الدولة العثمانية كانت تتلذذ به بخاصة حينما يدخل من الدبر ويخرج من نقطة في الكتف وكان الوالي يمنح المسؤول عن القازوق مكافأة أكبر كلما بقي الضحية على قيد الحياة فترة أطول.. أمثل هذا يحق له أن يحرك الربيع العربي. تركيا... السعودية... قطر... هذه دول لوثت الثورات العربية بحجة النفوذ الإيراني فيها وأنا أنظر إلى ماجرى ويجري بمنظار آخر: هناك ثلاث دول دينية قامت على اساس الدين: الدولة السعودية التي قامت على فكرة وهابية دعمتها بريطانيا ثم الولايات المتحدة،إسرائيل قامت على اساس ديني نشأت بدعم من الغرب، ثم قامت ثورة إيران فنشأت إيران بعد الثورة على أساس ديني. من قبل قادت الثورة الروسية الصراع ضد الغرب، وقادت اليسار كله  فدعمت حركات التحرر ثم سقطت التجربة  بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية، وكان ألد أعداء تلك الكتلة الدول الرجعية وعلى رأسها السعودية . الآن الثورة الإيرانية تقود الصراع اليساري والديني ضد الغرب فأخرجت الدين من كونه بؤرة للتحالف مع الغرب إلى وجهة أخرى، أما أن نصف الربيع العربي بكونه في بعض الدول يمثل إيران فهذا يشبه تهمة الشيوعية التي كانت ترفعها السعودية بحق أية حركة تحررية زمن الحرب الباردة.إننا يمكن أن نستفيد من التجربة الإيرانية لا أن ننسخها. النسخ مسخ لنا ولهويتنا و أنا شخصيا مؤمن بالله.. مسلم والحمد لله يشرفني أن أحمل صورة الثائر جيفارا العظيم لكن لايشرفني أن أرفع العلم السعودي . يمكن أن  نجد علاقة ما بين كاسترو أولينين والدين لكن ماهي العلاقة الثورية التي يمكن أن تقيمها بصفتك ثوريا تحمل هموم أمتك مع نظام يحظر السينما والمسرح ويمنع اختلاط النساء بالرجال في الجامعات ويمنع النساء من قيادة السيارات ويحظر الأحزاب ثم يقول إن سوريا تنقصها الحرية والبحرين تتحرك فيها جماعات تنفذ مخططات إيرانية لكن صالح اليمن ديمقراطي حد العظم!...الأمر يجب أن تعيه المجتمعات العربية  والشعوب العربية التي تنادي بالحرية والعدالة والمساواة وتحذره في الوقت نفسه. نعم إيران دولة متقدمة في العلم والسينما والرياضة فهي أكثر الدول الإسلامية حصولا على ميداليات في الألعاب الأولومبية وقد حققت اكتفاء ذاتيا في السينما ونالت أكبر الجوائز العالمية وتقدمت في الزراعة. تقدمت في الفضاء وسوف ترسل بعد سنوات رائدا للفضاء.علينا أن نستفيد من تجربتها يجب ألا نضيعها مثلما ضيعنا الاتحاد السوفيتي كل شعوب العالم استفادت من الحرب الباردة . الشعب الفيتنامي طرد الغزاة وحقق وحدته مستفيدا من الاتحاد السوفيتي.الكوري الشمالي. الهند ماعدا الشعوب العربية عادت تلك الدولة وصرفت الأموال من أجل تدميرها أخيرا انهار الاتحاد السوفيتي فماذا جنينا نحن؟ لقد وصلنا إلى الحضيض!

الشق الثاني من السؤال إذا كنت تقصد بالشرق إيران وتركيا والدول العربية فيمكن أن نقول نعم بصفتنا شرقا نستطيع أن نَقدُم بقوة نحو الغرب، أما الدول العربية تتحرك وحدها نحو الغرب فأشك في ذلك وإن كانت متحدة لأنها تفقد عنصرا مهما الا وهو وجود مصادر المياه خارج أراضيها.كبريات  تلك الدول مصر العراق سوريا السودان مصادر مياهها خارج حدودها أي أنهر دجلة والفرات والنيل. سيكون الماء مشكلة القرون القادمة وأي حصار مائي ضدنا يجرنا إلى كارثة. سر تقدم إيران وتركيا أن مصادر مياه هاتين الدولتين ينبعان فيهما، يجب أن نخلق تكتلا شرقيا طرفاه تركيا وإيران لكي نستطيع أن نقدم نحو الغرب بقوة.

 

كلمة أخيرة  

- أود أن أقول يسعدني العرف بكم والحديث معكم بالأخص كون صحيفتكم عراقية تصدر في مصر إذ أن معظم أعمالي ومقابلاتي انتشرت من خلال صحف وفضائيات إما غير عراقية أو عراقية خارج العراق. أول خبر عن عمل لي صدر أول مرة كان في صحيفة غير عراقية . قصصي القصيرة نشرتها في دمشق وقصصي الاغترابية نشرتها لي مجلة العربي الكويتية.ثم نشرت بعضا من نتاجاتي بيروت ومصر. الندوات الأدبية والثقافية والمهرجات التي دعيت إليها كانت خارج العراق جميعها. النقاد الذين كتبوا عني 90% منهم غير عراقيين . الجامعات التي درست أعمالي هي قسم الاستشراق في كوبنهاغن وجامعة دمشق وجامعة جدارا في الأردن، ومعهد لاستشراق في ألمانيا ثم التفتت إلى أعمالي جامعة البصرة فقررت دراسة شعري في رسالة ماجستير ورواياتي في رسالة جامعية أخرى.أشكر تلك الجامعات وأكادمييها النقاد وفي الختام  وأشكر صحيفتكم وأنا سعيد جدا بلقائكم.  

 

القاهرة محسن حسن

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2086 الثلاثاء 10 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم