حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع الكاتب والسياسي موسى فرج (16)

 

جواد كاظم اسماعيل: شاعر واعلامي / العراق

الاستاذ الفاضل الكاتب والسياسي موسى فرج

 تحية طيبة وتقدير

 أولا: أبارك لك هذا الموقع الذي تحشدت الاسئلة حوله من اقلام لها الباع الطويل والكبير في مشغل الكتابة والادب وهذا بحد ذاته يؤشر انتصار نهجك وحركتك التي تسعى من خلالها اطلاق رؤية لها بريق ضوء لافت من بين هذا الكم الهائل من الرؤى المتصارعة دون ان توصلنا معهاهذه الرؤى المتصارعة الى جدوى ..

 ثانيا: اشكر لك جهدك ووقتك الذي كرسته من اجل الإجابة على كل الأسئلة الواردة إليك من الكتاب الأفاضل وأبدأ معك بالسؤال التالي:

 

س 74: جواد كاظم إسماعيل:أنت كاتب وسياسي فهل وجدت هناك عوامل ربط ومشاركة بين الاثنين أم هناك تقاطع بينهما ولماذا؟..

 ج 74: موسى فرج: الأستاذ العزيز الشاعر والإعلامي جواد كاظم إسماعيل .. كل احترامي وتقديري لك أيها الصديق: كنت قد عبرت ومنذ الحلقة الأولى لأخي وصديقي الأستاذ سلام كاظم فرج عن تهيبي من الحديث أو التحدث بين قراء المثقف أو كتابه لأني اعرف هؤلاء الناس وأقدرهم حق قدرهم فهم أدباء وشعراء وكتاب كبار وان أُستنهِضت حميتهم التي لم تخبو يوما تجاه ما يجري وتجاه ما ينتظر وطنهم وشعبهم فان تأثيرهم حاسم في عملية إصلاح الأوضاع في البلد انطلاقا من أهمية وخطورة دور المثقف.. خصوصا وان المرض هو من اختصاصهم هم فالداء في العراق اليوم هو داء قيمي معرفي وليس اقتصادي ولا مالي، هذا المرض استفحل وتطور ليتسبب في سلسلة من الأمراض السياسية والاجتماعية وبات يشكل تهديدا خطيرا لكيان العراق ووحدة شعبه.. أنا ممتن للغاية من مؤسسة المثقف والقائمين عليها وفي مقدمتهم الصديق والأخ المثقف والأديب والوطني الأستاذ ماجد الغرباوي الذي بلغ به الأمر أن يتابع تنظيم وإخراج هذا الحوار إلى النور والسهر على شؤون مؤسسة المثقف ومتابعة نتاج المثقفين وهو تحت تأثير جهاز العلاج.. لقد وجدته مدرسة قائمة بذاتها في التفاني والإيثار من اجل وطنه وشعبه أمدتني بما يعزز ما عندي من إصرار لتكريس كل ما نحتكم عليه من غال ونفيس في تلمس السبل التي نعبر من خلالها عن وطنيتنا وحبنا لهذا الشعب .. الصحة والعافية لأخي أبا حيدر والاحترام كل الاحترام للأخوة والأساتذة قراء المثقف وكتابه وإدارته ..

 أخي وصديقي الأستاذ جواد أعذر لي تطاولي على ترتيب أسألتكم بالتقديم والتأخير فقد وجدتني مشدود للإجابة على سؤالكم هذا قبل بقية الأسئلة فهو سؤال جوهري بالنسبة لي.. أستاذ جواد: أنا اسأل ..نعم أسأل دون أن أراجع القضايا الأكاديمية المتعلقة بتعريف السياسة والسياسي، وتعريف الكتابة والكاتب.. كي أجيب على هذا السؤال الجوهري الذي كان بالنسبة لي مثل ألصعقه لمريض القلب وأتمنى أن يكون تأثيره مماثل على الآخرين ..والجواب ببساطه هو الآتي:

 . أولا:هل أن السياسة بسنز .. أم تفانٍ من أجل الشعب ..؟.. .

 إذا كانت السياسة بسنز وارتزاق ..؟ فلا والله أنا لست سياسيا بل واستنكف من التقرب منها أو تعاطيها ..وبدلا من ذلك يشرفني أن أكون مثقفا وحسب .. وان كانت السياسة تفانٍ من أجل الشعب والوطن والإنسان فانا سياسي .. وأجدها وسيلة لتوظيف ما احتكم عليه من جهد وطاقة وإمكانات مهما كانت متواضعة كي أسهم مع غيري في التفاني من أجل الشعب والوطن والإنسان العراقي ..

 . ثانيا: والمقياس ذاته مع الكتابة .. هل أن الكتابة والشعر والأدب والفنون أمور يراد منها تحقيق ذاتها وفقا لمفهوم الأدب للأدب والفن للفن ..؟ أم أنها وسائل أكثر تأثيرا لتصحيح الفاسد من الأمور وخصوصا في موضوعة الحقوق، وجدلية الحق والباطل.. لإقامة ماهو أصوب واعدل ..؟ ..إذا كانت الكتابة والثقافة عموما والفنون غايات بذاتها فانا لا أجد الجدوى من تعاطيها وأفضل عليها المشي في البساتين أو على ضفاف النهر أو تمضية الوقت في سماع الموسيقى .. ولكن إن كانت وسائل متقدمة يراد منها إعادة تشكيل الوعي الجمعي للناس من اجل معرفة حقوقها والتمسك بها والمطالبة بها فأني أتشرف بان أكون أحد هؤلاء المحاربون لخدمة قضية الشعب..لقد قرأت لبرناردشو يقول: (العلم الزائف أخطر من الجهل..)..والعلم هنا تعبير مجازي يقصد به الثقافة بما تنطوي عليه .. أدبا كان أو شعرا أو كتابة وكذلك الفنون رسما أو موسيقى أو تمثيل .. فإذن يا صديقي العزيز إن كانت السياسة تعني الدفاع عن الشعب والوطن والإنسان فانا سياسي وان كانت السياسة تعني نفعيه وحنقبازيات وفساد وحمى البحث عن الذهب ..؟ فحد الله بيني وبينها فلست سياسيا..والموال اللي براسي ابحث عن طريقة أخرى غير السياسة كي أقولوه لكن ..إلا أقولوه.. .

 وإذا كانت الكتابة تصب في ذات الغاية اعني مواجهة الباطل والفساد والدفاع عن قضايا الشعب فانا كاتب وان كان المراد منها غير ذلك فانا لست بكاتب ..ماذا تريدونني أن اكتب ..؟.. هل اكتب: أني اغرق في بحور عينيها..أني أغرق ..أغرق ..! والناس غركانه بالفقر والحر والحفر والطسات وحكامكم يغرقون في تعاركهم على السلطة والثروة والسفاهة ويغرقون البلد في غياهب الفوضى والتمزق ..؟..أنا إن نويت الغرق فإنما أغرق بالذي يستحق أن اغرق من اجله وهو مواجهة البؤس والباطل والفساد والفقر الذي يغرق الناس .. أما أن اغرق في التحديق بعينيها وفي جفونها وتحت إبطيها ..؟ فقد سبقني المغفلين من آدم وأنت جاي الى ذلك ولحد هسا الخوره (ألدوامه) تلف بيهم .. حتى أني كتبت قبل يومين لأبني المغترب في استراليا قائلا: بابا ..ارجع للعراق ليش باقين هناك..؟ إذا بسبب الكهرباء مينكطع عدكم وينكطع عدنا ..؟ عمك الشهرستاني يكول بس هالشهر ونصدّر كهرباء ..البرا بيش أحسن من عدنا ..؟ عود يدزون صورهم كل واحد حاضن زوجته؟... أحنا أهناه نكدر نحضن 4 مو وحده ..هاي بالدنيا وبالاخره ينتظر كل واحد مننا فوج طوارئ من الحوريات وما بيك تحك راسك..لأن بس أحنا ألفرقه الناجيه ..تعال يوليدي ..تعال .. .

 شفت عيني أستاذ جواد..؟: . قل لمن يبكي على رسم درس ..واقفا ما ضر لو كان جلس..!..

 

س 75: جواد كاظم إسماعيل:اختلفَ الناس بل اختلف الساسة في يوم 9 /4 فمنهم من اعتبره انه يوم سقوط وأحتلال ومنهم من رأه انه يوم تحرير وانتصار، فكيف أنت تراه.؟.. .

 ج 75: موسى فرج: هل أن هناك شك في أننا كنا نتمنى بل ونسعى لأن ينتهي ظلم صدام و يسقط نظامه..؟ ..النسبة الأعظم من الناس في العراق كانوا يتمنون ذلك ولكن بالمقابل فانه توجد شريحة منتفعة من وجود نظام صدام ويتمسكون باستمراره وفي المقدمة منهم البعثيين وأيضا المنتفعون من وجوده ليستمروا في فرض نفوذهم على الشعب العراقي.. هذا هو موقف الناس في العراق من قضية سقوط نظام صدام من عدم سقوطه .. وبالنتيجة عندما انهار نظام صدام وسقط فان الغالبية العظمى من الشعب العراقي استفادت من ذلك السقوط باعتبارها ظفرت بحريتها وانعتاقها من الظلم.. وبانفتاح الآفاق أمامها لبناء القيم الجديدة ونظام الحكم الجديد الذي يحقق الطموحات المشروعة للشعب في الحرية والديمقراطية والازدهار واحترام كرامة وحقوق الإنسان .. في حين انه توجد شريحة من الناس تضررت ـ من وجهة نظرهاـ بسبب إقصاءها عن الحكم وحرمانها من بسط نفوذها على الشعب .. هذه هي المسالة الجوهرية في الأمر .. ولأن نظام صدام قد أسقطه الأمريكان وحلفاءهم فان تلك الشريحة حاولت أن تلبس ذلك بعدا وطنيا فقالت أن الذي حدث كان سقوط العراق وسقوط بغداد .. ولكن لو رجعت إلى حقيقتهم لوجدت أن الأمر الجوهري بالنسبة لهم هو سقوط تسلطهم وسقوط هيمنتهم وسقوط نفوذهم .. في الضفة الأخرى فان الذين قدموا رفقة القوات الأمريكية من ساسة البسنز قالوا انه تحرير.. والمشكلة أن الأمريكان بشخص رئيسهم بوش ومجلس الأمن الدولي اعتبروا صفة تواجد القوات الأجنبية في العراق احتلالا..لكن هؤلاء يسمونه تحرير ..! في عام 2003 وبعد بضعة أشهر من دخول القوات الأمريكية كان احد الذين يتخذون من السياسة بسنز (وكنت قد أطلقت عليه تسمية مريبحاني مال سياسه..

والمريبحاني تطلق على من يتاجر بالغنم والماعز في وكفة الغنم كما يطلقون ذلك على سوق بيع الغنم ..هذه الأسواق تتخذ عادة مكانا قصيا في أطراف المدن .. ويتميز روادها بنمط معين من التدليس فلو سألته عن سعر الخروف أو الصخل فانه لا يقول لك بكذا دينار فتفاوضه على السعر.. وإنما يتجه بوجهه صوب كربلاء ويشبك يديه على صدره ويحلف بالعباس انه اشتراها بـ 300 ألف دينار وأنت ومروءتك كم تحسب له من مبلغ إضافي كربح وهو يقف في الشمس وفي جو مترب .. في هذه الحالة فان مجال التفاوض بالنسبة لك هو مقدار ما تحسب له من ربح كأن يكون 10 ألاف أو 30 ألف فوق الـ 300 ألف ولكن لا يجوز أن تخفض السعر عن 300 ألف.. فهي الكلفة.. في حين أن الكلفة الحقيقة عليه هي 200 ألف وليس 300 ألف ..! هذا المريبحاني كان قد اعترض علي بشدة عندما قلت أن الأمريكان محتلين فقال وكاد يفقد صوابه: لا تقولوا محتلين إنهم أصدقاء ومحررين !...كان ربحه وفيرا في وكفة المريبحانية فقد شبع وعائلته مناصب وزاريه..! وباتت إقامته دائميه في المنطقة الخضراء وليس مثلي يومين وألحك ربعك .. وجماله هو عسكري سابق والمفروض أفهم مني بالاحتلال والتحرير .. على أية حال ..هسا صاروا عندنا شريحتين: الذين فقدوا السلطة أو النفوذ يسمون الأمر سقوطا للعراق ولبغداد فوق الاحتلال .. والمريبحانيه يسمونه تحرير ..ظهرت عندنا شريحة ثالثه هي فئة المستاءون من حكم ألمريبحانيه (الأحزاب الحالية) لمختلف الأسباب وفي نفس الوقت هم ليسوا من الفئة الأولى ولا يحبون صدام ولا يتمسكون بنظامه ..هؤلاء انسحبوا دون أن يخططوا ويقصدوا وتراصفوا مع الشريحة الأولى تطبيقا لقاعدة عدو عدوي صديقي .. وباتوا يطلقون على الحكام الجدد تسمية صنائع الاحتلال والسقوط .. وفي مقدمة هذه الشريحة هم جانب من المثقفين فهم عندما وجدوا أن الأحزاب التي تولت السلطة أساءت قالوا عنه سقوط بغداد والاحتلال في حين أن اعتراضهم لم يكن منصبا على الأمريكان بقدر ما هو منصب على الحكام الجدد فلو كانوا غير هؤلاء ما أطلقوا عليهم تلكم التسمية.. والبعض منهم ذهب إلى مدى ابعد بقوله أن نظام صدام كان أفضل ..!..هوه هيجي الحجي ..؟ ربعكم غمّان .. مو صدام خوش آدمي .. أنا لا أعمم قناعتي على الآخرين.. لكني اسميه سقوط نظام صدام والبعث واحتلال العراق وليس سقوط العراق ولا سقوط بغداد ولا تحرير العراق ..

 

 س 76: جواد كاظم إسماعيل:كيف تنظر للعملية السياسية الجارية في البلاد اليوم؟ وهل هي تنتهج النهج الديمقراطي أم أنها انحرفت عنه؟ وما هي الأسباب الجوهرية برأيك؟.. .

 ج 76: موسى فرج: في مطلع حكم البعثيين وصفوا أنفسهم بالنظام المتجه نحو بناء الاشتراكية فهم ليسوا اشتراكيين وأيضا ليسوا رأسماليين .. والمشكلة أنهم لغاية سقوطهم ورغم توفر متسع من الوقت بلغ 40 سنه لم يحسموا أمرهم ..هل أنهم اشتراكيون أم رأسماليون ..! وبدلا من ذلك أقاموا رأسمالية الدولة وهو شكل مشوه ولقيط من النظم الاقتصادية بموجبه كانت الحكومة قد استولت على معظم القطاعات الاقتصادية وفرضت مركزية شديدة .. ولكن هل أنها أقامت الاشتراكية ..؟.. لا .. هل أنها اعتمدت الرأسمالية ..؟ أيضا ..لا .. فلا ظفر العراق بافضليات الاشتراكية وفي نفس الوقت خسر مزايا الرأسمالية ..لكنهم حرصوا على التمسك بالتسمية والضجيج باسم الاشتراكية .. في حقيقة الأمر تحقق شيء واحد وهو كره الأوساط الشعبية لأسم الاشتراكية وكل ما يتصل به !.. واستمر الكره للاشتراكية حتى بعد سقوط حكم صدام والبعث وبات الذي يشتمها اليوم يتقرب زلفى ...! في عراق ما بعد سقوط نظام صدام قامت تجربة هم أنفسهم حاروا بتدبير أسم لها ..! فقالوا أن اسمها نظام التوافق ..وطبعا يعني القسمة الرضائية في اقتسام الحكم .. فوجدوا أنفسهم غير متوافقين .. فأسموها نظام المحاصصة..ووجدوا أنفسهم لا يقبلون بالمحاصصة لأن نهجهم يقوم على: كل شيء أو لا شيء .. وقالوا أنها حكومة المشاركة ..ومن ثم أسموها حكومة الشراكة (بلكي أوجه ..!) ..

لكن الثابت هو: أنها ليست ديمقراطية .. ولا هي حكم الشعب .. ولا يراد منها إدارة شؤون البلد ..أنها عملية الهدنة وتمديد الهدنة بينهم في تدافعهم على السلطة وما تنطوي عليه من ثروة ونفوذ حتى يتمكن بعضهم من بعض فيسقطه في الضربة القاضية ..ولكن المشكلة أن عدد الجولات مفتوح والمتفرجين إيغفوون من النعاس والحكم حاير يا أيد يرفع ..ونصيب البلاد والعباد منها أزمات متلاحقة ومترابطة وكل منها تلد أخرى .. فالديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط وإلا فان نظام صدام وكل أنظمة الاستبداد فيها صناديق اقتراع .. لكنهم لم يبنوا ديمقراطية والسبب في غاية البساطة والوضوح ..أنهم ليسوا ديمقراطيين ...الديمقراطية أن يدير الناس شؤونهم بواسطة ممثليهم ولكن أن يفرض عليهم ممثلوهم إن بالإكراه أو التدليس أو يتورطون بممثلين يسوون الهم الزور مرك .. والأشه معدن .. وتالي يدورون مصفحات ..؟ فتلك ليست ديمقراطية والباعث فيها الحكم وليس بناء دولة العدل والرفاهية، وحصادها الأزمات وليس الرخاء والازدهار ..والثابت أيضا: أن الناس بدأت تكره الديمقراطية وسيستمر هذا الكره .. ولو نظموا استفتاءا فان الأغلبية الساحقة ستصوت لغير صالح الديمقراطية.. وهكذا ظلمت الديمقراطية مثلما حصل لربيبتها الاشتراكية .. لا يذهب تفكيركم بعيدا فتتصوروا أنهن بسبب تاء التأنيث الساكنة ظلمتا فالإسلام الفحل قد ظلم ..أيضا ... .

 

س77: جواد كاظم إسماعيل:إن ما جرى في بعض البلدان العربية من أحداث تغيير أطلق عليه ب الربيع العربي لكن هذا الربيع انقلب إلى خريف في بعض من هذه التي شملها زلزال التغييرفأين يكمن الخلل برأيك؟ وهل ترى من الضروري أن يشمل هذا الزلزال الربيعي إذا صحت التسمية بقية الأقطار العربية؟ .. .

 ج77: موسى فرج: الربيع العربي غرسه الديمقراطيون وسقاه وتعهده اليسار والشباب ..لكن الذي حصد سنابله هم السلفيون والتعصب والتخلف ..

وهو ما ينطوي على مؤشر واضح يتضمن نقطتين جوهريتين:

 الأولى: اختلال ميزان القوى لصالح الفكر الرجعي السلفي على حساب الثقافة التقدمية التنويرية .. .

 الثانية: تبعا لذلك ..اختلال ميزان القوى المجتمعية لصالح الطبقات الرجعية السلفية على حساب القوى الديمقراطية التقدمية .. وهو نتيجة منطقية لتحجيم الثقافة في المنطقة العربية خلال العقود الأربعة الماضية...إما الخلل ..؟ فيكمن في الوهن والانحطاط الذي أصاب شريحة المثقفين في هذه الدول فهم بين مرتحل طلبا للماء والكلأ وبين متنازل عن كينونته لصالح ذوي السلطة والنفوذ..ولو صبر الشباب العربي لحين يتضح الأمر في دولة من تلك الدول لقدموا اعتذارا للحكام المستبدين طبقا للقاعدة القائلة بدفع الضرر الأكبر بضرر أخف..

 

س 77: جواد كاظم إسماعيل:في اغلب مقالاتك اجد اسلوب المشاكسة والتهجم المباشر على الحكومة واحيانا على اشخاص بعينهم فلم َ هذا الاسلوب؟ وما الذي تبغيه من وراء ذلك؟.. .

 ج 77: موسى فرج: هذه شهادة منك اعتز بها فانا لا انطلق من موقف أيدلوجي أو طائفي أو عرقي أو بعثي .. وإنما: الغلطان.. أقول له: أنت غلطان و60 غلطان وإذا ميعجبك فهذه بحيرة ساوه شمرة عصى وماءها أثقل من ماء البحر الميت ..ولا مشكلة لي معك سوى غلطك فان استقمت فأنت الصديق الحميم ..وأيضا أنا لست ضد النظام الجديد اعني نظام ما بعد الاستبداد الصدامي.. فانا جزء من هذا النظام ليس بصفتي أني قد شغلت منصبا حكوميا فيه أو جزء من أي من الأطراف السياسية النافذة فيه.. لكني جزء من نظام ما بعد صدام والذي يفترض به أن يكون نقيضا لنظام صدام فهو ديمقراطي وليس مستبد مثل نظام صدام وهو عادل وليس جائر مثل نظام صدام وهو نزيه وليس فاسد مثل نظام صدام وهو وطني وهو يقدس حقوق الإنسان هذه هي أسس النظام الجديد الذي انتمي إليه ... أما أن يتحول اسم نظام صدام إلى مجرد النظام السابق.. ففي هذه الحالة لا يختلف عنه النظام الجديد إلا بالتراتبية فذاك السابق وهذا اللاحق ..في حين أنا اجزم أن الأمر يفترض أن يكون أبعد وأعمق من مجرد التراتبية .. وعليه .. فانا لم أفترق عن النظام الجديد بمعناه الأصلي إنما هم من افترقوا عنه .. لقد قيل للرئيس الأمريكي رولاند ريغن وهو قد كان من ضمن الحزب الديمقراطي الأمريكي في فترة من فترات حياته لكنه تحول إلى الحزب الجمهوري فقيل له: لماذا تركت الحزب الديمقراطي ..قال: لم أتركهم ..هم تركوني ..! هذا يعني أنهم لم يبقوا ملتزمين بالثوابت التي كانوا عليها يوم انتمى إليهم ..وعندما أقول أني انتمي إلى النظام الجديد فاني لا اقصد الانتماء إلى علاوي آو المالكي أو حزب الدعوة أو جبهة التوافق .. بل انتمي إلى الثوابت التي تحدد ماهية نظام ما بعد صدام .. ولم أكن طارئا على تلك الثوابت بل ساعيا إليها، وسعي من رابط في هذا العراق وجالد ولم ينحني لطغيان صدام ونظامه لسنوات استغرقت ثلثلي عمره يختلف قطعا عن سعي من أمضى عمره منعما في حارات وساحات لندن واستوكهلم ودمشق والرياض وطهران ..لقد كانت محطة استراحتي في مخيم اللاجئين في صحراء رفحا السعودي وهي بالتأكيد ليست محطة استراحة مثاليه.. والأهم من ذلك كله هو أني لم أنظر للموضوع باعتباره بسنز .. فأسارع للانغماس في استيفاء الثمن بل واصلت ذات المسعى في مواجهة الفساد والانحراف والعمل على وضع ثوابت ما يجب أن يكون عليه نظام ما بعد صدام فكيف اقبل لنفسي أن تراني اقل شأنا من أي منهم ..؟ أنا لست مريبحاني ولست بياعا للخراف والماعز..أنا رجل قيم ومبادئ.. وتحديت ولا زلت أتحدى أي منهم أن يكون بنظافة يدي وسلامة عقلي واستقامتي وتفانيي من اجل إقامة نظام نقيض لنظام صدام .. هذه العوامل كلها لا تجعل مني رعديدا ولا وصوليا ولا من يخضع للاملاءات ولذلك تظنني مشاكسا ولكن في حقيقة الأمر أنا لست مشاكسا فالمشاكسة طبع قد يكون مجرد عادة لذاتها ولا يراد منها تحقيق غاية أما بالنسبة لي فهو مواجهة للفساد والانحراف عن قيم وثوابت النظام الذي سعينا لأن يكون بديلا لظلم واستبداد وتعسف وفساد نظام صدام والبعثيين لكن ما هو قائم حاليا مختلف عنه.. عندما اصطدم أبو ذر مع خلفاء المسلمين لم يكن ذلك صداما بينه وبين الإسلام إنما كان صداما مع المنحرفون عن جادة الإسلام ..بعدين يا أخي أنا يهمني أن يعرف المواطن البسيط وان يؤمن بان الكم الذي عند الحاكم والمتنفذ ليس أكبر من الكم الذي عنده .. وإلا فليسمي لي أي منهم يمتلك 3 عيون أو 4 اذرع أو خشمين فاذن الأمر يتعلق بالنوع ..إذا نظرك أقوى ..؟ اقر لك ..لكن إذا تعشي ..؟ ليش أقر لك ..؟ إذا مخك أحسن من مخي ..؟ أقر لك .. لكن إذا مخك ترللي ..؟ عود ليش أقر لك ..؟ إذا مستقيم أكثر مني ..؟ اقر لك .. لكن إذا أنت مريبحاني وتبوكني بسد العباس ..؟ ليش أقر لك ..؟.. هل أنا مشاكس ومتهجم على الحكومة ..؟..

في عملي الوظيفي عاصرت حكم بريمر وعلاوي والجعفري والمالكي في وقت بريمر أشرت في حلقة سابقة من هذا الحوار إلى حالة احتكاك حصلت بيني وبينه فيما يتعلق بموقفي من مسز مولي مسؤولة سلطة الائتلاف في ميسان وكذلك في حقبة علاوي من خلال موقفي مع وزيرته في البلديات ..أما الجعفري فقد كان يسميني المبدئي، والمالكي توجد كتب رسمية بوقوفه إلى جانبي ولكن هل يعني هذا أني استبدل رضا الحاكم عن رضا الشعب ..؟ هل استبدل رضا المعبود برضا العبد ..؟..لا ..هم قالوا: بان موسى فرج مشهود له بالنزاهة والكفاءة لكنه لا يفيدنا..وأنا مختص ليس بفائدتهم بل بفائدة الشعب .. ولذلك قلت وعلى رؤوس الأشهاد أن المحيطين بالمالكي فاسدين وان الأمانة العامة لمجلس الوزراء تشكل بؤرة الفساد في الحكومة العراقية ولم اقل ذلك بعد مغادرتي هيئة النزاهة إنما أثناء إشغالي لمنصب رئيس هيئة النزاهة فأوغروا صدره ضدي حتى أني وبمناسبة يوم النزاهة العراقي قلت في كلمتي التي ألقيتها في الاحتفال ونقلتها وسائل إعلام عراقية وأخرى غير عراقية: أن المحيطين برئيس الوزراء يحسبون أنهم ملكوا رقابنا وعليهم أن يفهموا أن رؤوسنا تنتصب على صدور تكتظ بالقيم والمبادئ وليست معلقة على جيوبنا فليراجعوا مواقفهم .. فان الوظيفة والمنصب تعني بالنسبة لي وسيلة للوقوف مع الناس فهم دون غيرهم رب نعمتي وليس جهة أخرى ..

ووظيفتي أن أواجه الفساد من خلال الوظيفة وعندما أجدها عاجزة عن تحقيق ذلك فاني لا أتمسك بها ولا أريدها ..وبفلسين ..! وعندما فارقت زملائي يوم كنت مفتش عام قلت في كلمتي بهم في حفلة التوديع: من وجدني منكم قد صافحته من خلف الميز فليقلها حتى استغفر منه ..ومن وجدني قد انطلقت في تعاملي معه خارج موضوع مكافحة الفساد فليقلها كي استغفر منه ..قالوا لم يحصل هذا فقد كنت تستقبل الزميل والمراجع عند باب المكتب .. وعندما غادرت وظيفتي في هيئة النزاهة قلت لهم: من وجدني قد وضعت في جيبي دينارا عدا راتبي فليقلها كي أعيده مربع .. ومن وجدني قد عينت ابنا أو أخا فليقل اسمه كي أسدد رواتبه من جيبي ..وهاكم جواز سفري الدبلوماسي وهو خال من أية تأشيرة لإيفاد حكومي .. ومن وجدني قد خضعت أو أخضعت هيئة النزاهة للأمريكان أو للحكومة أو الأحزاب خلافا للدستور وطبيعة مهمتها فليقل ذلك كي أتحمل المسؤولية الكاملة .. أما أن أشاكس أو أتهجم على حكوميين بعينهم فاني لم أتهجم على شخوصهم بالذات إنما على أفعالهم وممارساتهم واليكم أمثلة على ذلك:

 السيد المالكي: .

 1 . أنت قوضت استقلال أجهزة مكافحة الفساد ونجم عن ذلك استشراء الفساد وتدني الأداء الحكومي وتفضل الدليل: . ـ موازنة العراق تفوق مجموع موازنات 4 دول مجاورة هي الأردن سوريا لبنان مصر وعدد نفوس العراق لا يتجاوز ثلث نفوس واحدة فقط من تلك الدول هي مصر ..في حين أن معدل الفقر في العراق يفوق حاصل جمع معدلاته في تلك الدول لماذا؟.. .

 2 . قضية الهاشمي لو أن تصريحاتك في الفضائيات يوم سألتك عن قضية الهاشمي فقلت: نعم سمعت بان زميلي فخامة نائب رئيس الجمهورية الأستاذ طارق الهاشمي متمها بصلة بالإرهاب وان مذكرات قبض صدرت بحقه ولكن علمي علمكم ولم اسمع بأكثر مما سمعتم فالقضية تخص القضاء وقد أفاجأ بصدور مذكرة قبض بحق ابني أو ضدي وليس لي غير الدفاع عن نفسي ..لو كان هذا جوابك ما دخلت البلاد في أزمة وما كان لمن يريد تحويلها إلى قضية طائفية بين الحكم الشيعي وبين السنة المحكومين أي مجال ..ولكن أن تقول: قد حضر القضاة في مكتبي وابلغوني إن لم أنفذ فان هم سيصدرون مذكرة قبض بحقي فانه يفسر أن القضاة يحضرون في مكتبك ويتسلمون التوجيهات ..

وقولك في الفضائيات بأنك على علم بما يرتكبه الهاشمي ومنذ 3 سنوات لا يفهم من ذلك موقف أريحي منك إنما يفسر على انه تستر على جرائم تتعلق بدماء وأرواح الناس سكت عنها لتوظفها في حربك السياسية ..وعندما تنفي ذلك سيقال لك هل تتذكر قضية النائب عبد الناصر الجنابي يوم طالب بسحب الثقة منك أثناء إلقاء كلمتك في البرلمان فرددت عليه بقولك: نعم سأستقيل ولكن بعد أن أحيلك إلى القضاء بتهمة قتلك 150 عراقي ..! وقالت الناس: إذا كانت لديك أدلة فلماذا تسكت عن تلك الجرائم ..؟..

 . علاوي: .

 1. أنت شكلت رأس النفيضة في إعادة البعثيين إلى أجهزة الدولة وأنت أشعت الفساد وأنت أغرقت البلاد في أزمات لا تستهدف منها غير المكاسب الشخصية والحكم وإسقاط حكومة المالكي لتحكم بديلا عنه ولا يهمك الشعب ولا الوطن وإلا فقل لي انك خرجت من الولولة والدردمة يوما على حقوق قائتمك المهدورة والمظلومة ووسعت تلك الولولة لتشمل الفقر والبطالة والفساد .. وأنت ترفع شعار تبعية حكومة المالكي لإيران وأنت سادرا فيه ولكن للسعودية بدلا من إيران ولدول الجوار والأمريكان وهذه رسائلك للأمريكان..

 . الحكوميون والساسة الكورد: انتم لا تطبقون مبدأ الفيدرالية في العراق إنما تطبقون الكونفيدرالية وانتم تسعون إلى إضعاف الكيان العراقي ...

  

مع خالص شكري وتقديري

 الشاعر والاعلامي

جواد كاظم إسماعيل.. . ولك مني كل التقدير والاحترام أستاذ جواد كاظم إسماعيل ..موسى فرج ...

 

 

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

[email protected]

 

للاطلاع

حوار مفتوح مع الاستاذ موسى فرج

 

 

خاص بالمثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2093الثلاثاء  17 / 04 / 2012)

 

في المثقف اليوم