حوارات عامة

أسئلة الرواية .. مع الروائية المصرية سهير المصادفة / حاورها: محمد القذافي مسعود

عملت رئيسًا لتحرير سلسلة كتابات جديدة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وقدمت العديد من الأصوات المهمة التي تنير المشهد الإبداعي الآن، وتعمل الآن المشرف العام علي سلسلة الجوائز ورئيس تحريرها وقد أصدرت هذه السلسلة حتى الآن مائة وعشرين عنواناً يمثلون إضافة للمكتبة العربية ولمجهود الترجمة في العالم العربى بوجه عام، أمينة وعضو اللجنة التنفيذية لمشروع مكتبة الأسرة وعضو اللجنة التحضيرية للنشاط الثقافي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومدير عام مركز تنمية الكتاب العربى بهيئة الكتاب، وأسست في المركز القومي للترجمة سلسلة الأطفال " أدب الطفل حول العالم" وأصدرت منها أكثر من عشرين حكاية شعبية من ترجمتها عن اللغة الروسية .

شاركت في كتابة وتحرير العديد من مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب .

شاركت في العديد من المؤتمرات والمعارض الدولية والأمسيات الشعرية في مصر والخارج، ونوقشت أعمالها في معظم الندوات والمحافل الأدبية داخل وخارج مصر وتم تناول أعمالها الأدبية في الكثير من المطبوعات الأدبية من جرائد ومجلات ووسائل الإعلام المختلفة، كما تم تناول أعمالها السردية فى أكثر من أطروحة علمية للماجستير والدكتوراه فى مصر والعالم العربى .

  1. vنُشرت قصائدها وأعمالها المترجمة في عدد من المجلات الأدبية الدورية وغير الدورية والجرائد الأدبية والصفحات الثقافية بالجرائد اليومية والأسبوعية .

نظمت العديد من الندوات والمحاور الثقافية – للنشاط الثقافي المصاحب لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقد أسست جناحًا لمناقشة المبدعين الجدد بعنوان " إبداعات جديدة " وكذلك "الموائد المستديرة" .

شاركت في هيئة تحرير وترجمة بعض القواميس والموسوعات في مصر مثل : قاموس المسرح، موسوعة الطفل، موسوعة المرأة عبر العصور..

من أعمالها :

- ديوان " هجوم وديع " 1997 – الهيئة المصرية العامة للكتاب .

- ديوان " فتاة تجرب حتفها " 1999 – دار المسار بالشارقة .

 - رواية " لهو الأبالسة " 2003 – دار ميريت للنشر والمعلومات .

 - رواية "ميس إيجيبت" 2008 ـ دار الدار للنشر.

 - مؤلفة قصص أطفال لها العديد من الإصدارات – دار أطلس / المركز القومى للترجمة / دار الطلائع / هيئة الكتاب .

ـ أكثر من خمسين كتاباً مترجماً عن اللغة الروسية منها :

ـ  رواية توت عنخ آمون للمستشرق الروسي " باخيش بابايف "، وكل حكايات الأطفال الخرافية التي ألفها شاعر روسيا الأشهر " بوشكين " والكثير من حكايات كاتب الأطفال الروسي الكبير " أفاناسيف " والكثير من الحكايات الشعبية الروسية .

 

حصلت علي العديد من الجوائز أهمها ..جائزة أندية فتيات الشارقة للشعر من الشارقة عن ديوان " فتاة تجرب حتفها " 1999 .أفضل رواية عن روايتها " لهو الأبالسة " من إتحاد كتاب مصر 2005 . طرحت عليها أسئلة تخص الرواية وأجابت بالتالي:

 

ما أهم التحديات التى تواجه الرواية العربية الآن؟

ــ أظن أن التحدى الأكبر الذى يواجه الرواية العربية الآن هواكتمال طور نضجها الأخير لكى يكون لها متسعٌ أكبر على خريطة الإبداع العالمى، فعلى الرغم من فوز نجيب محفوظ كروائى عربى بجائزة نوبل وعلى الرغم من تمثيل بضع روايات فى خريطة الإبداع العالمى هنا أو هناك، إلا أننى أجد أن العالم لم يزل ينظر للرواية العربية المعاصرة كمكملة لنظرته الفلكلورية للعرب بشكلٍ عام. الرواية العربية تفتقد إلى مقومات بلوغها طور النضج الآن ومن أهمها .. غياب القارئ الذى يُعتبر أول عمود من أعمدة دعم الكتابة، وغياب حركة نقدية عربية قوية مما يؤدى إلى غياب معايير الجودة التى تدفع الرواية إلى مستوياتٍ أعلى فى الأداء، بل حدث الأسوأ على الإطلاق عندما تركت الحركة النقدية مقاعدها لـكتبة التغطيات الصحفية العابرة أو الانطباعات السريعة التى دشنت طوال الوقت أعمالاً ضعيفة القيمة لأسبابٍ شتَّى أهمها سهولة استيعابهم لتلك الأعمال وبالتالى سهولة الكتابة عنها، عندما انبهر العالم بالثورة المصرية وتابعها على مدى ثمانية عشر يوماً، وخرج "أوباما" خاطباً فى شعبه داعياً إياهم أن يكونوا مثل الشباب المصرى، فوجئنا بصيحات المتابعين للأدب فى الصحف الغربية يطلبون قراءة الأدب العربى !!!

 

السارد الديمقراطى بحسب نبيل سليمان وما يعوق السرد عنده؟

ــــ يعرف القارئ الذكى أنه من المستحيل أن يكون السارد ديمقراطياً مهما حاول، إن شخوص العمل الإبداعى بعد فترة تتمرد على ساردها الديمقراطى وتضيق بديمقراطيته هذه فالطاغية مثلاً الذى يبطش برعيته يجده السارد عند لحظة ما لا يريد أن يعبر عن نفسه بحرية أو يتحاور بديمقراطية سارداً مبرراته للبطش، وإنما يكرر فعل البطش هكذا لتحل نهايته المحتومة دون إبداء أسبابٍ، أتذكر الآن كاتبى المفضل "دوستوفيسكى" فعلى الرغم من أنه التجلى الأكثر روعة للسارد الديمقراطى إلا أنه لم يستطع فى النهاية أن يكون ديمقراطياً مع الأب فى "الإخوة كارامازوف" وإنما أفلتت منه زفرات فرحٍ هنا أو هناك بعد مقتله وطوال آخر صفحات الرواية .

 

إلى أى حد تضر الأدلجة بالنص؟

- لم أقرأعملاً سردياً جيداً حتى الآن إلا وكان صاحبه يمتلك رؤية أيديولوجية واضحة إزاء العالم، وأعنى هنا الأيديولوجية بتعريفها الأشمل حيث إنها مجموعة منظمة من الأفكار تشكل رؤية متماسكة للكون والقضايا والتفاصيل اليومية ومن ثم قد تتخذ منحى سياسياً معيناً، من السهل جداً أن نرصد الرؤى الأيديولوجية فى الأعمال الكبرى بشكلٍ عامٍ الكلاسيكية والحديثة منها على السواء ابتداء من أعمال دوستوفيسكى ومروراً بالكاتب الكولومبى ماركيز وحتى جوزيه ساراماجو ولوكليزيو، إن الخطأ الذى وقع فيه كثيرون من النقاد هو تبويب عدة أعمال ناجحة على أنها لديها طرق جديدة فى السرد من أهم سماتها افتقاد الإيديولوجية وأجد أن ما دعاهم إلى هذه النتيجة مجرد تعريفهم البسيط الشائع للأيديولوجية وليس مفهومها الأشمل، فالكتابة الحقيقية التى تستطيع عبور حاجز الزمن أجد من أهم سماتها غرقها فى كل ما هو إنسانى ولن يكون هكذا إلا وممثلاً فيه الأيديولوجى بألوانه المتعددة.

 

كيف يستفيد الكاتب من التراث الخاص والعام لبلورة رؤية تحدد مسار نصه؟

- النص الحقيقى يجد دائماً جذوره فى التراث سواء كان عاماً أو خاصاً، وسيكون طرق الباب العكسى افتعالاً مفزعاً ومفرغاً من السمت الإبداعى، إن التراث يواصل حضوره مع كل ما يشبهه من فروع فى اللحظة الآنية دون تعمدٍ ما من المبدع لاستحضاره بل هو يفرض وجوده فرضاً فيعمل على تأصيل هذه الفروع ورعايتها حتى تصير جذوراً عملاقة هى بدورها. لم يتعمد على سبيل المثال "ماركيز" أن يستفيد من تراث شعبه وحكاياته الشعبية بل من حضور طبيعة السرد فى ألف ليلة وليلة فى رائعته "مائة عام من العزلة"، وإنما كان كلّما سبر عمق لحظة مجتمعه الآنية وعمق مشاعره إزاء الكون الشاسع المعقد الممتد كان تراث شعبه والتراث العالمى يحل حلولاً باذخاً فى اللحظة. أما عند الذهاب متعمدين للاستفادة من التراث، فهو سرعان ما يلفظنا لأنه يظل الأقوى والأنصع أصالة والذهاب إليه بغرضِ الاستفادة المباشرة منه دائماً ما يكون تكراراً باهتاً وإعادة إنتاج له.

 

كيف لا تكون رواية العمل التاريخى "رواية تاريخية"؟

-هناك روايات تاريخية نجدها أقل أهمية وأقل جمالاً عن كتب التاريخ المتوفرة فى المكتبات، هذه الروايات ارتضت لنفسها أن تتكئ على التاريخ اتكاءً كلياً، ولأن التاريخ قد كُتب غالباً من وجهة نظرٍ رسميةٍ فإن الإبداع يكاد يضمحل تماماً من سطور الروايات المستقاة منه والتى لا تكون فى النهاية سوى صورة باهتة من كتبٍ رسخت فى أذهان قرائها من شتّى الأجيال ولذا سرعان ما يرد هؤلاء القراء هذه الروايات إلى أصلها ويتعاملون معها على أنها لم تكن، تماماً كما نرد جملة موسيقية سمجة ومقلدة بركاكة إلى أصلها فلا نعاود الاستماع إلا إلى الأصل ونحذفها من حياتنا، على الجانب الآخر هناك روايات تاريخية آسرة وهى تلك التى كُتبت بعد أن فهم كاتبها أنها عليها أن تكتب التاريخ المسكوت عنه فى ثنايا التاريخ الرسمى، أى التاريخ الذى من المفترض أن يُكتب لو سُمح للشعوب بكتابته من وجهة نظرها هى لا من وجهة نظر كتبة الملوك والحكام.. هذه الروايات لا تتكئ على التاريخ الرسمى بل تخرج عليه وتحاكمه أحياناً وتتحاور معه تارة وتكذبه تارة أخرى وتتناص معه فى بعض مراحلها فتكون مثل سيمفونية رائعة تملأ أرجاء الماضى والحاضر والمستقبل، وعلى كل حالٍ الروايات التاريخية المهمة والرائعة قليلة فى مكتبة العالم الإبداعية.

 

ما ضرورة أن يبحث الروائى عما لا يقال ويقوله بطريقته ؟

- ربما لا توجد على الإطلاق ضرورة من وجهة نظرى لأن ينشغل الروائى بهذا البحث، فمن المفترض ألا يقول الروائى إلا ما يطارده كرسالة ملحة تملى عليه أن ينقلها بإخلاص تام بطريقته الخاصة وأثق تماماً أنه فى هذه الحالة سيكون ما قاله لم يقل أبداً من قبل، أم هل تعنى بـ "عما لا يقال" المسكوت عنه والمتماس مع التابوهات المختلفة فى العالم العربى ؟ وهنا أتساءل بدورى وهل الروائى يتعمد البحث عنها أم أنها تعترض فيضه الروائى فيقولها بطريقته وتصير من نسيج عمله دونما افتعال، وعندما تكون رؤى الروائى خاصة به وحده وكلماته حقيقية وكاشفة فإنها بدون شك ستتعرف وحدها على كلِّ ما لم يتم قوله من قبل على الإطلاق .

 

كيف ترين الرواية قبل وبعد عام 2000؟

- لا أظن أن الأدب بشكل عام وتقييمه وذرواته المختلفة المتتابعة يرتبط بـ عامٍ معين أو عقد أو قرن أو حتى ألفية بعينها، فللأدب قانونه الخاص دائماً وآليات تطوره التى قد نتكهن ببعضها ولكننا لا نستطيع فهمها عن بكرة أبيها، ولكننا حين تهزنا انتقالة نوعية كبرى نستشعرها على الفور ونضع لها تاريخاً ونسمى ما قبلها وما بعدها، أى أن الأدب يضع تواريخه الحاسمة فى مسيرته بنفسه وليس بالتقويمات المختلفة التى لا تعنيه كثيراً، وقد أدعى أنه لا توجد أسباب حتى الآن مقنعة لازدهار الأدب وتحقيقه لذروات إبداعية فى عصور شديدة الانحطاط سياسياً واقتصادياً .. حضارياً بشكلٍ عام، كما نجده يحقق ازدهاراً فى ظلِّ حضارات مختلفة ومتحققة، وبناء عليه قد أجد مَن يحدد تاريخا معيناً هو معطيات الأدب نفسه .. روائى ما يفصل بعمله أو أعماله بين ذروة إبداعية وما يليها أو تيار أدبى بعينه، فنحن نقول مثلاً إن فن الرواية قبل "الحرب والسلام" لـ"تولستوى" ليس مثله بعدها و...هكذا .

 

إلى أين تسير الرواية بعد الثورات العربية المتواصلة حالياً؟

- قد تكون وجهة نظرى المتضمنة فى سؤالك السابق نافعة هنا أيضاً، فإذا رأيت أن الأدب له تقويمه الخاص فللرواية مسارها الخاص، إنها دون شك تستفيد من مستجدات الواقع كلها وهى تحتضن تلك المستجدات وترعاها على مهل وتتفاعل معها ثم تصير بذور تلك المقدرات أشجاراً باسقة، يظل تساؤل الروائى ما بعد الثورات العربية .. هل سيتحقق له قدر أكبر من الحرية مثلاً أم أن الثورات ستنتج معايير جديدة لتابوهات أشد وعورة من سابقتها ؟ هل ستؤدى تلك الثورات إلى مزيد من تطور التعليم الذى يؤدى إلى مزيد من القراء المتفاعلين مع ما يكتبه ؟ هل سيكون هناك تغيير كيفي فى وضع الروائى بشكلٍ عام بعد نجاح الأنظمة القمعية فى تصديع الجسور بين الكاتب وجمهوره ؟ إن الأسئلة المتعلقة بالعملية الإبداعية هى التى تهم الروائى هنا، أما مدى تأثير الثورات على الكتابة فهو لا يتغير على مر العصور، فمَن يكتب رواية جيدة سيكتبها على كل حال فى ظل المتغيرات المختلفة، ولا أخفيك سراً اندهشت عندما وجدت كل ما كُتب عن الثورات العربية حتى الآن دون المستوى إلى درجة الرثاء .

 

ماذا ينقصك كروائية؟

ــــ  الكثير، ينقصنى الإجهاز تماماً على الرقيب الداخلى والاكتفاء بالاحتكام إلى منظومة مبادئ ومعتقدات تراكمت فى روحى منذ خمسة آلاف عام، ينقصنى الإجهاز تماماً على الضجيج الخارج عن العملية الإبداعية نفسها.. أعنى الجوائز والمبيعات والمتابعات النقدية لأنها فى الحقيقة معطلة للغاية وتمثل سدوداً أمام انسياب الإبداع المتدفق، ينقصنى المزيد من الجسارة لكى أنشر ما أكتب بعد أن أتخلص من وطأة ديكتاتور بداخلى لا يريد إلا الكمال غير المنقوص للعمل، أريد أن أكررلنفسى ما قالته إحدى الروائيات العالميات وهى تنصح الآخرين بأن يكونوا أكثر جسارة: قل لنفسك، سأنشر رواية أخرى فاشلة. ينقصنى أن أعرف وأن أعرف وبلا توقف وأن أرتقى دَرَجاً أثق تماماً أنه موجود، ولكننى أخشى أحياناً مواصلة صعوده فأتوقف قليلاً وأنا أراه غائماً فى ضبابٍ صباحى كثيف.

 

هل تحتكمين لآراء النقد بشكل نهائى؟

- سأكون كاذبة إذا ادعيت أننى لا أفرح كثيراً بمقالة نقدية حول أحد أعمالى، وفى الحقيقة لقد فرحت بذلك كثيراً، ولكننى منتبهة أيضاً إلى خطورة الاحتكام لآراء النقد بشكلٍ نهائى، فقد يرفعك رأى نقدى إلى حدود تجعلك تصدق أنك مستقر على درجة أعلى الدَرج الإبداعى مما أنت مستقر عليه فعلياً، فيرتبك مشوارك الإبداعى، وقد يخسف رأى نقدى بعملك الإبداعى الأرض، فتصل إلى حدود قصوى من الإحباط الذى يجعلك قد تتوقف عن الكتابة تماماً، ولذا أنا منتبهة للحفاظ على المسافة التى أضعها بين آراء النقد وكتابتى .

 

أهم رواية قرأتها فى العام 2010؟

- رواية "الباحث عن الذهب" للكاتب الفرنسى الفائز بجائزة نوبل عام 2008 "لوكليزيو" وترجمها للغة العربية المترجم المصرى "فتحى العشرى"، والتى أعددتها للنشر فى سلسلة الجوائز التى أشرف عليها فى الهيئة المصرية العامة للكتاب،والرواية تكاد تكون سيرة ذاتية لـ"لوكليزيو" فالشخصية الرئيسية تنطبق عليها كل الصفات والمواصفات التى ترسم شخصية الكاتب كما أعلن عنها فى تصريحاته وحواراته القليلة، وأحداث الرواية تنطلق من حيلة كلاسيكية اتسمت بها الرواية الأوروبية، حيث يجد الابن/ البطل فى أوراق والده خرائط تؤكد وجود كنز فى البلاد البعيدة وعليه أن يركب البحر ويمر بأهوال الحرب والحب من أجل الوصول إليه، وعندما يصل إلى مكان الكنز المزعوم لا يجده وإنما نرى أن الكنز الحقيقى الذى سيحظى به البطل هو مغامرة حياته نفسها .. إن كنزه الحقيقى الذى سينتظره فى نهاية صفحات الرواية هو اكتشافه لنفسه .

 

هل تعيدين حساباتك بناء على ما جرى وما يجرى الآن فى الساحات العربية ليكون لك طرح مع أو ضد أم أن الأمر عادى بالنسبة لك؟

-  لا، لدى حسابات واحدة منذ سنوات، قد تجدها فى قصائدى أو روايتى "لهو الأبالسة" و"ميس إيجيبت"، لا أظن أن الكاتب يعيد حساباته بعد الثورات، وإنما عليه أن يكون استشرافياً ليتنبأ بها، أو يكشف أهمية أن تقوم الآن، أو حتى يعلن سخطه من جميع قوى البطش والظلامية لكى يحرض على قيامها، أو يصور مرحلة ما قبل الثورات بإخلاص وشفافية مشيراً إلى آفاق أرحب، وقد يكفيه حينئذ أن يردد أنها مجرد حلكة محكمة وعلينا الفكاك من أسرها.. فى الحقيقة إذا لم يكن الكاتب قبل الثورات ثورياً فهناك عشرات علامات الاستفهام على مشواره الأدبى.

 

هل تطمحين لتحقيق أسلوب جديد؟

ــ ليس هدفاً فى حد ذاته، وإنما أرى أن كل رواية جديدة يكون لها أسلوب جديد خاص جداً بها، بالطبع شريطة أن تكون رواية جيدة،أظن أنه من الصعب طرح السؤال بشكل عكسى هكذا، لأن الرواية عادة ما تجد أسلوبها ومن ثم نكتشف أنه جديد، أطمح فقط أن أكتب رواية جيدة .

 

ما رأيك فى مستوى الرواية بعد نجيب محفوظ؟

ــ قرأت الكثير من الروايات العربية الجيدة بعد نجيب محفوظ، ولكننى أيضاً أعرف أن هناك الكثير من الروايات الاستثنائية المهمة أثناء حياة نجيب محفوظ الإبداعية الحافلة، أكاد أقول أن الإبداع يشبه كثيراً الأوانى المستطرقة، فقد يستحيل بزوغ نجم كبير مثل نجيب محفوظ من فراغ مبدعين جيدين، فعندما تحل ذروة إبداعية ما تجد الكثير من الأعمال الجيدة المتناثرة هنا أو هناك،ثم سرعان ما تكون على ثقة تامة أن بضعة أسماء ستلمع من بينهم لتصير نجوماً باذخة الثراء فى المشهد الإبداعى العالمى، وأشهر الأمثلة على ذلك .. السرد فى أمريكا اللاتينية الذى أسفر عن "فوينتس" و"ماركيز" و"يوسا".

 

كل يتلمس الحداثة فى الرواية من زاويته من تكوينه ولكل كاتب مفهومه للحداثة، فما هى رؤيتك للحداثة فى الرواية؟

ــ هى كل ما هو جديد ومن وجهة نظر جديدة تستقى وجودها من اليومى والمعاش وأدوات المجتمع الراهنة وآليات تثوير هذه الأدوات .. تلك الأدوات التى تستطيع لمسها بيديك والتفاعل معها بروحك المنطلقة مما يولد آلاف المشاهد والحكايات والأفكار التى لم تُكتب من قبل وبالتالى الحداثية، أرى أن كل كتابة جديدة فى عمق عمقها هى بالضرورة حداثية، وكل الكتابات المستندة على أعمدة قديمة إلى حد التهاوى لا تخص اللحظة الراهنة هى بالضرورة كتابة لا تنتمى للحداثة، أكتب بالتأكيد دون أن أتعمد كتابة نص حداثي ولكن سؤالك فى الحقيقة يدهشنى وأتساءل بدورى وهل يُعقل أن تتفاعل ذات الكاتب الآن لكى تنتج نصاً جديداً وفى الوقت نفسه ليس حداثياً ؟ هذا إذا كان مفهوم الحداثة مرتبطاً بالحضارة الأوروبية الحديثة بعلومها ومعارفها المختلفة ومدارسها الفلسفية المنبثقة من تجليات أدواتها التكنولوجية وتفاصيلها اليومية التى عممتها العولمة على العالم كله متضمناً طبعاً العالم العربى .

 

إلى أى حد تحضر الأيديولوجيا فى نصك وما رأيك فى الأيدولوجي فنياً؟

ــ على ما يبدو أننى أكتب بناء على إحدى إجاباتى السابقة من منطلق أيديولوجى بمفهومه الأشمل، فإذا كانت رؤاى عن هذا الكون الشاسع تمثل أرقاً ما لشخوصى، وإذا كان السؤال الإبداعى الأهم فى نصوصى هو مأزق الإنسان الوجودى فى مواجهة كل هذا الغموض الكونى .. كل هذا العماء الشرير وكل هذا الانسحاق فكيف لا أتلمس حضور الأيديولوجيا فى كتابتى ؟ أحياناً أمقت أعمالاً تعتمد على رؤى أيديولوجية أولية ومباشرة حد التعب وهى على أى حالٍ ليست ناضجة حتى على المستوى الأيديولوجى ومن ثم فهى ليست جيدة، وأحياناً أجد أعمالاً خالدة منطلقة من قناعة أيديولوجية تصل إلى حد الاعتقاد وهى على الرغم من ذلك فادحة الجمال مثل أعمال الكاتب البرتغالى "جوزيه ساراماجو" كلها ودون استثناء.

 

من أين تخلق الشخصية الروائية عندك؟

ـ عادة من مكانين، هناك شخوص تكون موجودة بالفعل فى وجدانى منذ سنواتٍ وقد اختمرت على مهلٍ، وأخرى تتوالد من هذه الشخوص حيث تكون مسكونة بها هى الأخرى، وقد أندهش فقط أثناء الكتابة أن الشخص الهامشى الذى كان يسكن شخصاً رئيسياً مسكونة أنا به منذ البداية، يتطور بسرعة ويتمرد على دوره ويصير بطلاً فى الرواية، فى "لهو الأبالسة" لم أتصور أبداً أن تعتلى "انشراح السبتاتى" دوراً رئيسياً، وإنما ما صار هو ما أرادته هى، حتى إن أحد النقاد أفرد لها مساحة كبيرة من مقالته واصفاً إياها بالشخصية النمطية فى الأدب العربى .

 

ما الذى يحقق الخلود للشخصية الروائية ؟

ــ أن تكون حقيقية إلى درجة كبيرة، أن يكون بها مشترك إنساني يشبه كل البشر، لا أقصد هنا أن تكون واقعية، وإنما حقيقية إلى حد أن تمس شغاف قلوب جميع القراء حتى يلتبس عليهم الأمر فيعتقدون أنها واقعية بل إنهم يعرفونها فى كل مَن يقابلون من شخوص فى حياتهم، وعند هذه اللحظة تتحول الشخصية الروائية إلى شخصية نمطية شهيرة وحقيقية ربما أكثر مما نعرف من شخوص واقعية مثل شخصية "سى السيد" مثلاً لدى نجيب محفوظ فى ثلاثيته الشهيرة ، ويكون لدى القارئ كل الحق أن يعتقد أنها شخصية واقعية ويكون الكاتب قد نجح فى خلق شخصية خالدة .

 

ما أهمية طرح شعرية السرد كلغة بديلة عن السرد العادى ؟

ــ نعم كتب الدكتور "محمد عبد المطلب" فى دراسته عن "لهو الأبالسة" .. أن الشعر هنا هو عمود من أعمدة السرد . وهذا السؤال بالتأكيد لن أكون محايدة عند الإجابة عنه، فلقد بدأت حياتى كشاعرة وما زلت أكتب الشعر، وما زالت شعرية اللغة تحلق فوق كتابتى النثرية بشكلٍ عام، ومن ثم أخشى أن أواجه قناعتى المستترة بأن كل ما ليس شعراً لا يعول عليه كثيراً . أعرف الكثير عن أسرار نجاح روايات خالدة نزح أصحابها من آبار شعرية خالصة، أعرف حتى أن أنجح الأفلام السينمائية لم يكن هناك ما يميزها عن غيرها لتكون باذخة الجمال هكذا إلا اقترابها من أن تكون قصيدة، أعرف أيضاً المدهش عن كل ذلك .. أن أكثرخطب الساسة التى غيرت وجه التاريخ والتى صنعت لأصحابه كاريزما مهولة حتى وإذا كانوا من النازيين كانت تحاول أن تقترب من الشعر. كما ترى لست محايدة فى هذا الصدد وأرى أن كل كتابة ليست شعرية لا يعول عليها كثيراً .

 

إذا ما فكرت يوماً فى كتابة سيرتك الذاتية هل ستكتبين كل شىء عنك (المحرج والصعب والحساس ..الخ ) أم أنك ستقدمين شيئاً وتستبعدين أشياء

 

ـ عامة من الصعب أن تكتب سيرة ذاتية فى العالم العربى، فهناك عادات وتقاليد متوارثة منها ما تجاوزه الآخرون، ولكننا ما زلنا مكبلين به، ما زلنا أيضاً نحافظ على روابط عائلية متشعبة ومتشابكة وتكاد تكون قبلية وعلى الرغم من محبتى لهذه الروابط، إلا أنها تمثل عائقاً كبيراً أمام كاتب السيرة الذاتية التى ستتقاطع بالضرورة مع سيرة كل مَنْ ارتبط به فى حياته وقد يؤذيهم بوحه، هذا هو حال كتابة السيرة للكاتب فما بالك بالكاتبة، إن المرأة الكاتبة تعرف جيداً أنها تكاد تكون عمود الخيمة لأسرتها وأظن أنها لن تهدمها على رأس مَنْ بها لكى تكتب سيرتها، خاصة إذا كانت مثلى مثلاً لا تستطيع حذف فصلٍ من حياتها وكتابة فصل آخر، أظن أن جميع المبدعين ينتظرون انفراجة ما فى مجتمعاتهم تؤدى إلى المزيد من الأريحية والتعامل الإيجابى من الجميع إزاء سيرة الكاتب الذاتية وأظن أن هذه اللحظة آتية دون ريب بمزيد من رفع سقف الرقابة على الكتابة الإبداعية كـ " بداية" .

 

مَن هو القارئ المفترض بالنسبة إليك؟ إذا سلمنا بوجود قارئ مفترض لدى الكاتب؟ وإلى أى حد تفكرين بهذا القارئ عند شروعك بالكتابة؟

 

ــ  ارتحت منذ سنوات فى تحويل قارئى المفترض إلى صورة مضببة أكثر، فى البداية كتبت قصائدى ليقرأها أبى وسرعان ما اكتشفت أننى أكتب ما يريدنى أن أكتبه أبى وتطور الأمر إلى حد أن صار رقيباً على كلماتى دون أن أنتبه ودون أن ينتبه، ثم قلت أقلد الكاتب الكولومبى الكبير "ماركيز" وأكتب مثله لأصدقائى وسرعان ما اكتشفت آلاف الحسابات التى تطل برأسها من بين سطورى، الآن أحاول أن أحافظ عليه بقدر الإمكان مضبباً هكذا حتى يتضح قارئى شيئاً فشىءٍ كلما تقدم فى قراءة عملى .

 

إلى ما ترجعين أسباب عدم وجود قارئ فاعل لما يكتب وينشر من أعمال أدبية وثقافية مختلفة؟

ــ  تقصد فى العالم العربى فقط، فلدى العرب مشكلة كبيرة وفعلية ولأسباب كثيرة ومتعددة ترتبط بالتعليم وما ينبثق عن أدائه من نسب الأمية والأمية الثقافية وأيضاً انخفاض مستوى جودة الكتاب شكلاً ومضموناً وكذلك انخفاض مستوى توزيعه، إن الأمر يتطلب مجهودات فائقة الضرورة والأهمية لإعادة بناء الجسور المنهارة أصلاً بين الكتاب وقارئه، أرى أن الحديث عن قارئ فاعل لم يزل رفاهية فى العالم العربى فنحن بصدد أن نعمل لكى يكون القارئ موجوداً بداية .

 

ألا ترين أن الرواية تحولت إلى موضة فصار الكل يسعى لكتابة رواية .. الشاعر يكتب رواية والقاص يكتب رواية والناقد يكتب رواية والمفكر كذلك؟

ــ  بل أيضاً السياسى ورئيس الجمهورية والملك والصحفى، ولا أستغرب هذا على الإطلاق فالرواية أصبحت كتاب المكتبة وعمودها كما يُطلق عليها فى الغرب وهى تأخذ رويداً رويداً مكانة التاريخ التقليدى المتعارف عليه، فلماذا لا يحاول الجميع المساهمة بشريحة ما فى كتابته، كما أن البعض يظن أن كتابة الرواية أمر هين بل شديد السهولة ولكن عند اكتمال العمل ونشره يجدون أنهم خدعوا فيوقفون عن الكتابة على الفور بعد أن يجدوا أن عشرات الروايات قد تم نشرها وسرعان ما تم حذفها وكأنها لم تكن حتى يتعسر على المتابعين تذكر عنوان واحد من عناوينها ولا يتبقى إلا القليل من العناوين التى تنتمى إلى جنس الرواية، ولكننى أرى أنها ظاهرة صحية وصحيحة أن يطمح الجميع لكتابة رواية طالما أن الزمن سيسمح من غرباله ذى الفتحات الضيقة للغاية بمرور الروايات التى تستحق البقاء وتستطيع تجاوز حدود الخلود البالغة الصعوبة بعد قرون .

 

* شاعر وكاتب ليبي مستقل

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209 الجمعة 24/ 08 / 2012)


في المثقف اليوم