حوارات عامة

حوار مع الشاعر العراقي .. يحيى السماوي / علي حسين الخباز

وتقديمه كجذر مؤسس لجميع الخطوات المهمة في حياة المحتفى به، والأخرى مستقبلية تشكل بؤرا استباقية، تعطينا محصلة التجربة النهائية، فكان السؤالُ عن البحث في القيمة الشعورية داخل قصيدة الشاعر (يحيى السماوي)، هو الأقرب لنا، عند استقباله ضيفا على صدى الروضتين.

 

الشاعر السماوي:ـ يصعبُ على كلّ شاعر الحديث عن تجربته الشعرية بتشخيصات نقدية تعطي محصلة انطباعات تعبر عن الملامح المكونة، والشعر مرآة، ثمة من يرى ملامحي، وقد لايرى الآخر شيئا منها، لكني أستطيع أن أبيِّن لك ما أعيشه لحظة الكتابة، فأشعر بوجع خرافي يشعرني بألمي وحزني ومعاناتي، يحاصرني بكاء مرعب، أشعر أن بي جرحا أحمله أكثر اتساعا من جسدي، فألجأ الى القصيدة بحثا عن طمأنينة غائبة، حتى وصل الأمر بي أن أبحثَ داخل القصيدة عن وطن مستعار، أبكي، أذرف من الدمع أضعاف ما يسيل من حبر. مشكلتي أني لا أتنفس تنفسا طبيعيا؛ إلا حين أكتب الشعر. أتعرف أني أمارس في الشعر طفولة لم أعشْها، أنا رجل بدأت الشيخوخة في العشرين، أتحايل بالشعر على الحياة دفاعا عن الحياة، أقاوم به الموت، ليعيد لي عافية سرقت مني؛ فالقصيدة تعني لي ولادة أخرى، وأحتفي بها لحظة أشيّع بها عمري.

 

الخباز: بهذا المعنى تصبح القصيدة تعويضية؟

السماوي:ـ في القصيدة أعوّض ما فاتني من كرامة، نعم حينما أهان بصفعة شرطي، أتعرف ما معنى أن يبصقَ بوجهي شرطي الأمن؟ كل انهزاماتي تذوب في القصيدة، أرسم الحياة التي أريدها بأدق تفاصيلها، أعوّض حطامي، أحلامي الذبيحة، أعوّض الشباب الذي ضاع في المعتقلات، السجون، فصل المطاردة، النقل القسري، ما كان معتما الان صار قوس قزح، الغد أصبح يتسع للفرح، فعلى الأقل أصبح بإمكاني أن أغفو مطمئنا أن أطفالي لن يُجلدوا ذات الجلد الذي جلدت فيه، ولن تعد من ضفيرة أختي مشنقة لمجاهد...

 

الخباز: هل كانت القصيدة بالنسبة لك تعني نبوءة التأريخ؟

السماوي: في ديوان زنابق برية كتبت: (لاتقتلوه وإن بدا كهلا *** فغدا عراقنا يعود طفلا). وقد يعني الأمل وأراه بحثا عن النبوءة، التفاؤل، اليقين بأن الخبز لولا جمر التنور لن يصبح خبزا، ولا يستعذب طعمه، جمر القهر الذي عشناه الذي جعل رغيف الحاضر شهياً، دقيق قصائدي كنت أعجنه بدموع الأسى، اليوم أعجنه بندى الغد الجميل الذي بدأنا نطل على تباشيره.

السماوي في الحالتين موجود، وأما في القصيدة، فالمهم أن يتواجد فيها الناس. أنا ساعي بريد بين وجعي والقصيدة، لست شاعرا دونهم، لم أكتب عن نفسي شيئا، ولا سجنت يوما لقضية تتعلق بي، أو عانيت من أجل مصيري الشخصي، هناك دائما قضية أكبر من قضيتي، وهم أكبر من همي، قلت: (أذلني حبي وجرحي الممتد من جدائل النخل الى أرغفة الشعب) بمعنى انه ليس جرحي الذي يتمدد في جسدي، بل هو جرح أمة، فليس ما عانيته يوما دفاعا عن يحيى بن الحاج عباس، بل عن شعب أعطاني إنسانيتي، بفقراء طيبين منحوني معنى المحبة، بأطفال رائعين فرض عليهم أن يحملوا صناديق صبغ الأحذية، بدل الحقائب المدرسية، فاذا عرفنا وظيفة الشعر، ومعناه سنقدر حينها على أن نسهم في إضافة زهرة جديدة الى المحبة الكونية.

 

الخباز: أنت تجلس الآن في مكان كل شيء كان فيه مهمّشا، والان تجد فيه هذه المساحة من الشأن الفكري والثقافي، أدب، اعلام، مكتبة، جريدة، دراسات، مرسم، اذاعة، تصميمات ابداعية، ومونتاج أفلام، ومسائل إبداعية كبيرة، هذا التحول ماذا يعني عند السماوي الشاعر.

السماوي: طالما كنا نرفع شأن بعض الرموز الدنيوية، وأعظم رمز فيهم لا يصلح أن يكون مجرد تلميذ صغير عند فخر العطاء والجهاد الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (ع) وجميع الذين ساروا على هديهم القويم، فهذه الحومة المقدسة التي نجلس فيها الآن، هي حومة جهاد وعلم وحضارة، ومنها علت الرايات، ولذلك هي المنبر الحقيقي الحر الذي يكشف للعالم غباء الطغاة، فهم نسوا بأنهم إن امتلكوا المجرفة التي تحفر قبر مجاهد، لا يمكن لهم أن يمتلكوا مجرفة تحفر قبرا للفكر والايمان، ولنور القداسة البهي.

 

الخباز: زيارتك الثانية لصدى الروضتين، وهي تطل على عامها السابع؟

السماوي: أبارك لها عيدها المبارك، وأنا من قرّائها المثابرين؛ رغم صعوبة الحصول عليها، فهي تصلني دائما كهدايا تهدى لي من الأصدقاء الذين خبروا محبتي لها، رأيتها يوما وهي فسيلة سرعان ماغدت نخلة جميلة، واليوم أراها وقد أضحت بستانا، وأنا واثق انها في القريب ستغدو غابة كثيفة الأشجار. هناك سببان يجعلانني أثق باتساع أفق صدى الروضتين مستقبلا؛ لأنها تنهل من نمير نقي أولا، ولوجود فلاحين خيرين في مقدمتهم سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) ثانيا... فتحية حب الى أهل هذا الصدى المؤمن.

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2245 الأثنين 15 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم