حوارات عامة

ثلاثون عاما من الصحافة .. لقاء مع سحبان السواح / صالح الرزوق

ثم كمحرر في (الحياة المسرحية)، المجلة المشهورة التي رعاها سعدالله ونوس. ثم اضطر للتوقف عن الكتابة الفنية وتفرغ للعمل في النشر وللاتجار بالكتاب. أولا كسلعة وثانيا كرسالة لها مضمون وأخلاق وأصول.

ولكن المشكلة أنه تورط بهذا العمل والدولة في أوج قوتها كمحتكر للثقافة. سواء في التخطيط لها من خلال مؤسسات قوية تديرها وجوه رصينة ومحترمة أمثال صدقي إسماعيل وعلي الجندي ومحي الدين صبحي إلى آخر ما هنالك. وسواء في التنفيذ من خلال وزارة الثقافة واتحاد الكتاب.

وفي مثل هذا الجو لم تصمد إلا مجلتان هما رمز للحرب الباردة بين أسلوب الحكومة وأسلوب العمل المستقل .. وهما مجلة (الضاد) في حلب برئاسة الشاعر المرحوم عبدالله يوركي حلاق والمدعومة من أفراد الجالية المسيحية في المهجر. ومجلة (الثقافة) في دمشق برئاسة مدحت عكاش، وكانت صوت أطراف خرجت من الحكم بعد انقلاب 1963 .

في هذا الجو قرر سحبان السواح إصدار (كتب عربية) في الثمانينات، ولبى بها حاجة السوق لخط ساخن يربط ما يحصل في سوريا بما يحصل في لبنان بنسخته اليسارية. وأتبع ذلك بمجلة (ألف) في التسعينات التي هدمت ما نقول إنه ثوابت لمصلحة أشكال وأفكار تبحث عن هوية، ولكن بأسلوب تميز بفرادته. هل نقول إنه أسلوب عصابي وانتحاري مثل صوت يدوي في البرية.. بين البطاح.. ويدعو للتعبير عن الذات بإقدام وجسارة تبلغ حد الجنون، وبنفس الجرأة التي تحلت بها مجلتا شعر وحوار المنكوبتان..

ولذلك لم يستغرب أحد حين انكشفت مصادر (ألف)، وتعرت حتى من ورقة التوت، وتعرضت للدهم والمصادرة والتجويع.

واليوم بالاستفادة من الفضاء الإلكتروني العام تحاول (ألف) أن تتنفس بنسخة إصدارها الإلكتروني، ومعها في الحقيبة هموم نضالية موجعة أخرى.. في نطاق الفن والأدب، في نطاق الدين والأخلاق، وفي مجال الفكر والسياسة. باختصار عند الخط الأحمر الذي ندعوه باسم التابو. و يمكن أن يرى ذلك كل مبصر له عينان، حيث أن الإجابات كانت تراوح بين النقد و الهجوم. وحسب اعتقادي إن الحوار بصراحة وإلقاء كل الأوراق على الطاولة وعلى المكشوف تسهل مهمة تشخيص الأزمة تمهيدا لتحديد أساليب علاجها.

 

........................

 

1 – الآن لن ندخل في موضوع سبب توقفك عن كتابة الأعمال الإبداعية. ولكنك لا تزال منتجا في نطاق النشر والصحافة ولو أنها بشكل إلكتروني. كيف فكرت بإصدار مجلة (كتب عربية). وعلى أي أساس كان اختيار طاقم العمل من إخراج وتصميم ومساعدة في التحرير. وكيف كنت تمولها وتسوقها. وماذا عن موقفها المادي. هل كان الميزان يميل للربح أو الخسارة؟.

ج - كان الأمر من بداياته خاسرا، وكنت أعرف ذلك مسبقا، ولكن إغراء أن تقدم مجلة تعنى بشؤون الكتاب العربي، ومشاكل الناشرين العرب، كان الأقوى، وكنت مع المرحوم جميل حتمل صاحب الفكرة الأساسي ووائل السواح مهتمين أولا بما يمكن أن يتركه مثل هذا المشروع من أثر لدى القارئ السوري المتابع لكل ما هو جديد ومن ثم القارئ العربي. كنت مفتونا بالفكرة، وكنت قد وفرت مبلغا من المال بسيطا جدا واستخدمته لطباعة العدد الأول الذي استكتبنا فيه جميع أصدقائنا من الكتاب والمترجمين مجانا، واخترنا من بينهم من وافق على أن يكون في هيئة التحرير، وعملنا بصمت وجد إلى أن أصدرنا العدد الأول.. كانت خطتنا تقوم على التمويل من جمع الاشتراكات بعد العدد الأول، وبما يسمح لنا بتغطية تكاليف الأعداد التالية. وقد حظيت المجلة بالإقبال، وحصلت على عدد لا بأس به من المشتركين، واستطعت على إصدارها لسنة كاملة كنت أستفيد خلالها من رواتبي وأيضا بما أحصل عليه من استكتابات من الصحافة المحلية. ولكن أيضا اضطررنا إلى طباعة بعض الأعداد المزدوجة، بفعل شح الموارد. كما اضطررنا إلى تنضيد بعض الأعداد على الآلة الكاتبة لضغط النفقات.. الغريب في الأمر أننا لم نجد لا في سورية ولا في لبنان من يدعم فكرتنا هذه لنستطيع الاستمرار. باختصار حظيت المجلة بإقبال واسع، وبتقريظ جيد لدى المثقفين الذين كما هم اليوم لا يملكون سوى قلمهم، ولم يكن ولن يكون القلم كافيا لتمويل مشروع ثقافي بمستوى كتب عربية.

 

2 – وماذا عن ألف التي أصدرتها بعد مضي ما يقارب العشر سنوات من توقف سابقتها كتب عربية. وباعتبار أنها صدرت عن دار سومر كيف كانت علاقتك المهنية بالدار. هل فرضوا عليك إملاءات.

ج ــ دار سومر ملكي وأنا من أسسستها، أما ما يتعلق بمشروع ألف فهو لم يكن إلا استمرارا لكتب عربية بشكل من الأشكال، ففي السنة التي كنا نصدر بها كتب عربية توطدت علاقاتي مع دور النشر التي تسمى تقدمية، ووجدت لديهم رغبة في إيجاد موزع لكتبهم في سورية بسبب احتكار مكتبة معينة في دمشق لكتبهم، وهكذا أنشأت مؤسسة للتوزيع والنشر أسميتها سومر وكان مقرها قبرص..

 

3 – ولكن من تكون  مجلة سومر التي صدرت عن نفس الدار وبرئاسة تحرير عمر أبو زلام وفي نفس الفترة؟.

ج – لا علاقة لي بسومر عمر أبو زلام، فهي دار تابعة للقومين السوريين أنشئت لإصدار مجلة سومر وتوجهاتها قومية سورية بحتة.. كان مقر سومر التي أنا أسستها في نيقوسيا قبرص، فقد أقمت هناك سنتين هاربا من ظلم الأمن الذي لحق بي.

 

4 - وكيف تنظر اليوم لمجلة ألف؟

ج - لنعد إلى الحكاية من أولها، بعد أو خلال صدور كتب عربية بدأت بتوزيع الكتاب اللبناني في سورية وبلغت عدد دور النشر التي كنت وكيلها في سورية 12 دارا.. وقد كان مشروعا ناجحا، أمّن لي دخلا جيدا حينها.. وقد وجدت أن لدي الإمكانات المالية لأبدأ مشروعي الأهم في الحياة، فقررت أن أصدر مجلة تعنى بالمبدعين السوريين الشباب.. وفعلا اجتمعت بعدد من الشباب الموهوب والمبدع وأسسنا لإصدار ألف وصدرت.. واستمر صدورها سنتين كاملتين.. ووزعت على نطاق واسع بعكس كتب عربية التي وزعت فقط في سورية.. ألف وزعت على مستوى المنطقة العربية.. وانتشرت كواحدة من أهم المجلات الثقافية في المنطقة.. ولكن لا شيء في عالم الطباعة يصمد دون تمويل واضطررت لإيقافها أيضا.. ولن أغالي حين أقول أن مجلة ألف علامة فارقة في عالم المجلات الثقافية.

 

5 – الملاحظة التي تلفت الانتباه أن المجلتين لهما إطار يساري. ولكن غلب على كتب عربية أسماء من أهل البيت. مثل شوقي بغدادي ورفعت وسامي عطفة وقمر كيلاني وهاني الراهب. وغلب على ألف أسماء من النخبة الباردة التي تعمل في الظل. وذات الاتجاه الطليعي. اتجاهات ما بعد الحداثة. وفي المقدمة المرحوم محمود السيد مع كوكبة من الأسماء المهاجرة كجميل حتمل وسواه. ما الدواعي لذلك أم أنها الصدفة فقط؟.

ج - ليس بالضرورة أن تحمل المطبوعة صفة من يكتب بها. فأي مجلة إنما تحمل فكر مؤسسها، وأنا لم أكن يساريا بالمعنى المعتاد للكلمة، وإنما كنت على أطراف اليسار.

 

6 – لمزيد من التوضيح في كتب عربية كنت رصينا ولم تخرج على قوانين اللعبة. وفي ألف لعبت على المكشوف واقتربت من الخط الأحمر. وكانت الافتتاحيات تبشر بالجنون وبالكتابة العارية. لماذا هذا الانشطار في الفكر والممارسة، مع أن الفارق الزمني لا يتعدى بضع سنوات؟.

ج - أولا الفارق كان عشر سنوات. ثانيا في كتب عربية وهي مجلة متخصصة لم يكن عمري يتجاوز خمسة وثلاثين عاما. يعني في مطلع شبابي، بينما في ألف كنت قد بلغت 43 من العمر، وصرت أكثر حكمة ودراية. ومن جهة أخرى كانت ألف تعنى بالإبداع وبحرية الفكر.. لنقل إن ألف كانت تعبر عني، أما كتب عربية بسبب تخصصها لم نكن قادرين على اللعب بها حسب رغباتنا.

 

7 - وهناك تهمة ضد ألف بنسختها الإلكترونية.. أنها صحيفة للمراهقين. كيف ترد على هؤلاء؟؟..

ج - في ألف لم نفكر في يوم ما إلا أن نكون مراهقين، وهل يتسنى لكل شخص أن يعود مراهقا. وهل حين تفقد مراهقتك يمكن أن تقدم شيئا للآخرين.. المراهقة متعة لمن يتمتع بها.. وهؤلاء الذين يقولون ذلك لا يعرفون معنى تلك المتعة ولا قيمتها.. أقول لهم من هذا المنبر حين تأتيكم المراهقة في الكتابة فلا تديروا ظهركم لها.. فهذه فرصتكم لتكونوا شعراء وكتابا عظماء.

 

8 – قررت النيوزويك أن تصدر في العام القادم بلا ورق ولا حبر. على الإنترنت فقط. هل تعتقد أن الصحافة الإلكترونية تفرض نفسها مثل المطبوعة وتؤدي نفس الدور..

ج - نحتاج إلى جيل جديد، هذا الجيل الطالع، الذي رضع التقنية الرقمية مع حليب أمه، هو من سيحدد ماذا يريد، هل يكتفي بهذه الشاشة والمعلومات التي تعطيها له، أم يحن إلى الورق المطبوع.. وينسف كل ما قدمه له العلم ليعود إلى الطبيعة، وجمالية الكتابة، ودفء الورق.

 

9 – ما رأيك بصحافة النظام في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وأشير بشكل خاص لمجلة المعرفة والموقف الأدبي. ثم الصفحات الثقافية في الثورة والبعث وتشرين.

ج - باستثناء شهر العسل الذي مر على سورية في السبعينات وحيز الحرية الذي منحه الرئيس الأسد للمواطنين، وكان يجرّب بشعبه، ذهبنا إلى التقنين في كل شيء من المواد الغذائية وحتى الكهرباء، ومن ثم إلى التقنين بالحريات والرقابة المستكلبة على الناس.. في تلك الفترة، بعض الكتاب استطاعوا ممارسة قليل من الحرية وكان ملحق الثورة الثقافي ممثلا لهذه المرحلة القصيرة.. وانتهى بعدها كل شيء.

أي مجلة تابعة لنظام لا يمكن أن تخلق مبدعيها، ولهذا استطاع واحد مثلي في تجربتين يتيمتين أن يترك أثرا في الساحة الثقافية السورية بينما لم تستطع كل أموال النظام، وكل إمكانيات جهابذته، أن يتركوا بصمة واحدة في صحافتهم.

 

10 – لا نستطيع أن نلوم الدولة على كل شيء. فهي التي كلفت كبار الأدباء السوريين بإدارة الصفحة الثقافية طوال الستينات والسبعينات. ولم يدخل البعثيون على الخط إلا بعد أحداث 1980. وفي الواقع تقاسموا إدارة هذا المجال مع المستقلين الموالين للدولة. فمجلة المعلم العربي كانت تحت إدارة محمد عمران ثم السيدة قمر كيلاني. وجريدة الثورة تحت إشراف ممدوح عدوان. أما البعث فقد كان يديرها من مقهى البرازيل أبو لهب، المرحوم علي الجندي. ناهيك عن تشرين التي كان فيها محي الدين صبحي أول منشق عن النظام، ثم وليد معماري لسان حال الحزب الشيوعي. لماذا لم يحسن هؤلاء إدارة هذه الإقطاعيات الثقافية الرصينة.

ج - لأنهم جميعهم بشكل من الأشكال خرجوا من عباءة البعث، ومن عباءة الفكر القومي الذي ساد في تلك المرحلة، والذي كان البعث جزءا منه.. لم تكن مشكلتنا مع البعث في يوم من الأيام، بل مشكلتنا مع فكر حافظ الأسد الذي لم يكن ينتمي إلى أي حزب.. وكانت له أفكاره الخاصة المتعلقة بسورية والحرب مع إسرائيل..

 

11 – هذا تناقض. أولا جميع من ذكرت تعاملوا مع البعث بمنطق الأمر الواقع. ثانيا كيف يكون حافظ الأسد سببا هو والبعث الذي لا يؤمن به حسب رأيك؟.

ج – لا أحب أن أعيد ما قلت. خذ مصر على سبيل المثال.  نجد أن عبد الناصر كان من المشارك?ن في الحرب ضد الص?ا?نة، وحوصر في الفالوجة، ومعه عبدالحك?م عامر، ل?عود من الحصار و?قوم بانقلابه على الملك. وبقي موضوع احتجازه وما حصل معه خلال ?ذا الاحتجاز سرا لم ?عرف عنه شيء. توجد فراغات في تاريخ المنطقة و لكنها ليست ألغازا.

 

12 – برأيك لماذا لم تكن توجد إصدارات مستقلة في تلك الأيام مع أن القانون يكفل لها العمل في نطاق معين دون تجاوز بعض الخطوط الحمراء والتابوات، ومنها المساس برأس النظام ورموزه.

ج - تتحدث عن بداية مرحلة استمرت من بداية الاستقلال وحتى حكم البعث، وهي فترة قصيرة نسبيا. كانت سورية خارجة من الاحتلال وقد حصلت على حريتها، بعد كثير من التضحيات والشهداء.. ولم يكن بعد الأمر واضحا، والعمل الصحفي لم يكن عملا ثقافيا بقدر ماهو عمل سياسي، فالسياسة هي التي سادت بسبب وجود أحزاب وديمقراطية وليدة.. كان الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت.. حتى تبدأ بشائر المجلات الثقافية بالصدور، ولكن البعث جاء ليقضي على كثير من الأمور ومن بينها الصحافة الثقافية.

 

13 – كان شعار الحياة الثقافية بعد عام 1970 أن لا رقابة على الفكر إلا رقابة الضمير. إلى أي حد كان هذا الشعار محترما.

ج – ههههههههههههه. كأي تعبير صدر عن حزب البعث فارغا من مضمونه.

 

14 –  بالإضافة للصحف الرسمية كان ملحق العروبة بحمص وملحق الثورة في دمشق يستقطبان الأسماء الشابة وبعض المشاهير لتسويق وربما تغليف ثقافة معارضة في قوالب رسمية. والدليل على ذلك أن أسماء تلك الفترة انخرطت في صفوف رابطة الكتاب السوريين المعارضة اليوم. ومنهم عبدالرزاق عيد وجلال صادق العظم ونصر الدين البحرة وغيرهم. كيف استطاع النظام تقبلهم آنذاك. وكيف سنحت الفرصة ليعمل في المؤسسة بجرأة وحرية كل من فائق المحمد الذي اغتاله الإخوان المسلمون في الثمانينات ومحمد عمران الذي تحالف مع أدونيس ضد علي عقلة عرسان رجل الدولة لثلاثة عقود وربما أكثر.

ج - لم يكن لدى النظام خطط، ولا تكتيك ولا استراتيجية. مجموعة عسكر من الهبلان استولوا على الحكم وفرضوا إرادتهم على أصحاب البلاد، فكيف تريد لعسكري أن يفهم بالسياسة أو بالتكتيك والاستراتيجية على مستوى الحياة. أنت تسأل وكأننا نعيش في دولة لها تاريخ في الحياة الديمقراطية.. وسورية لم تكن كذلك. يا سيدي نحن مقبلون على مرحلة جديدة في حياة سورية، مرحلة ستعتمد على الفكر الشاب الخلاق، وستكون سورية وبمرحلة زمنية قياسية في طليعة الدول المتقدمة العصرية المتنوعة التوجهات السياسية والفكرية.. ستعود سورية إلى ريادة المنطقة العربية في كل شيء.. ومن ضمن ذلك الثقافة.

 

15 – كلا. حملت سوريا مشعل الثقافة التي لا تخدم بالضرورة رجال النظام طوال عشرين عاما. وكانت هي الملجأ لكل من البياتي والجواهري. ومنها أشرقت مجلة المدى بشمسها وبرئاسة تحرير سعدي يوسف يوم كان رأسه مطلوبا من مخابرات أنظمة شوفينية وظالمة. وترأس أول اتحاد كتاب فيها المرحوم صدقي إسماعيل الذي قدم لنا عبدالرحمن منيف وألان تورين قبل أن يسمع بهما أحد. ومن ينسى أمسيات اتحاد الكتاب في مطعم الشرفة بحضور المرحوم علي خلقي الذي يعرف كل شاردة وواردة عن دمشق القديمة، والمرحوم هاني الراهب بجرأته في الهجوم على القوميين العرب واتهامه لهم بالصفاقة والمحسوبيات. ثم ألم يطبع لك الاتحاد (الموت بفرح) أول أعمالك التجريبية. ألا ترى في ذلك ولو ضوء شمعة في أول النفق؟..

ج - يا سيدي أنا دخلت الاتحاد في نهاية تلك المرحلة المشرقة من حياته، وكان رئيس الاتحاد حينها (حافظ الجمالي)، وهو واحد من القوميين العرب، رجل مستقل ولا تحكمه صلات بعثية.. كان الاتحاد في زمنه منفتحا، وكان يمثل الكتّاب فعلا.. وطبعت مجموعتي في تلك الفترة. وقد وافقت على نشرها نجاح العطار. وكانت قارئة للكتب التي يرغب اتحاد الكتاب نشرها.. في تلك الأيام لم تكن قبضة البعث ومن خلفها قبضة حافظ الأسد قد اشتدت على الثقافة، فقد كان لدى الأسد مهام أخرى. في العام الذي طبعت فيه مجموعتي ودخولي أوتوماتيكيا الاتحاد كعضو فيه كان الاتحاد يستعد لمرحلة جديدة من عمره اسمها مرحلة علي عقلة عرسان.. ولاداعي للاستطالة هنا، فمعروف ما فعله علي عرسان بالاتحاد.

 

16 – من باب الرأي والرأي الآخر أرى أن حافظ الأسد يختلف عن غيره من البعثيين. فهو رجل في وسط الطريق. يحترم الأفكار ولكن يعتمد على صناعة الوطن بأدوات أمنية. وهذه الماركة معروفة شرقا وغربا. من غاريبالدي بطل إيطاليا القومي لكرومويل مؤسس الجمهورية في بريطانيا وحتى تيتو وناصر. و قد رفد حزبه بشيء من اليسار وبقليل من الفكر القومي الاجتماعي السوري الذي ترعاه فرنسا لأنه فكر متوسطي ويفرض عليها أخلاقيا الحق بالتدخل. كذلك لعب دورا في صياغة معادلة الشرق الأوسط في ظل الحرب الباردة. ثم توفي واتخذت كل الأمور منعطفا آخر ترى نتائجه الآن. داؤنا اليوم هو في تذويب الطبقة المتوسطة والضغط على بقية الطبقات لتأخذ شكلها النهائي. لقد عرفت تركيا كيف تهرب من هذه المشكلة ولم نحسن نحن ذلك. لماذا لا تؤمن بالقانون الخاص لقيادات العالم الثالث، ولماذا لا ترى كيف أن الصراع بين الشرق والغرب يترك بصمته على خياراتنا من رأس النظام وحتى رأس المعارضة؟.

ج - لايوجد صراع بين الغرب والشرق في ما يخص رجال الانقلابات، الذي يحكم الانقلابات منذ تأسست إسرائيل هو مدى علاقة المنقلب بإسرائيل ولا يمكن أن ينجح أي انقلاب دون علاقة بإسرائيل وهذا ينطبق على ثورة عبد الناصر أيضا .. ومعظم الانقلابات التي تلت ذلك وصولا إلى حافظ أسد.. لم يكن حافظ الأسد سوى رجل الصهيونية العالمية في المنطقة.

 

 17 - كيف كانت إدارة الحياة المسرحية تعمل في اختيار النصوص وفي علاقتها مع إدارة المؤسسة.. بالذات مدير النشر ومعاون الوزير والسيدة الوزيرة. وهل لعبت الدور الموكل إليها بحرية أم كانت مجلة تعبئة للتبشير برسالة يريد النظام أن يوصلها.

ج - الحياة المسرحية موضوع منفصل عن ما كان يجري في سورية لعدة أسباب. فنجاح العطار كانت تتعامل بانفتاح مع الكتاب والمثقفين، وسلمت سعد الله ونوس المسرحي المبدع والمفكر المستقل رئاسة التحرير. وكنت أنا ونبيل حفار في التحرير، وقد اتفقنا جميعا وأبلغنا الوزيرة أن لا أحد يتدخل في سياسة المجلة، وبالفعل وفي الفترة التي عملت بها كمدير تحرير في الحياة المسرحية، لم يتدخل في شأنها أحد. ولم نسمع توجيها من أحد.

 

18 – وبالنسبة لإدارة المخطوطات والنشر في وزارة الثقافة كيف كانت تتم سياسة إقرار المخطوط. بالمحسوبية أم بالقراءة المحايدة.

ج - أيضا فيما يتعلق الأمر بإدارة المخطوطات خضعت لقيادة أنطون المقدسي، ولم يتدخل أحد بشأنه، وكانت معظم خيارات إدارة المخطوطات موفقة.

 

19- يا الله. سوريا جنة. جمهورية فاضلة. إذا أين المشكلة. لا توجد إملاءات. و كل يتصرف كما يشاء بملء الحرية. فلماذا لا ينتشر الكتاب الحكومي بالرغم من توفر جيش للترويج له.. ولماذا تشتم كل شيء؟ .

ج - أنت تخلط الأمور.. أنا أقسم حكم البعث إلى مراحل أو فلنقل إلى مرحلتين.. الأولى قبل إحكام حافظ الأسد يده على سوريا بشكل كامل، ومرحلة بعد أن أطبق تلك اليد، والتالي حين أبرر بعض المواقف تكون من المرحلة الأولى.

 

20– حافظ الأسد ليس لديه وقت لمتابعة مخطوطة أو مجلة. سمعت عن الوزارة دراما التوازنات في الوزارة ما يشيب له الرأس. ولكن يبدو أنك أغلقت عينيك وأذنيك وركزت على تأدية واجبك فقط. من أين كنت تباشر عملك يا رجل. في الوزارة أو في المقهى مثل علي الجندي؟.

ج - كان لدينا غرفة في مبنى مديرية المسارح والموسيقى. وكنا نعمل هناك أنا ونبيل حفار. وكان سعد الله  ونوس يعمل في بيته.

 

21 - هل تعتقد أن الحالة اليوم تشبه ما حصل يوم هجرة الكواكبي وكبار رجال الصحافة إلى مصر هربا من الطغيان. وهل توجد صحافة سورية ذات مردود ومستوى تعمل في مصر وغيرها؟...

ج - ما يزال السوريون يأملون في العودة إلى سورية.. بعد سقوط النظام.. وربما طُرحت أفكار خجولة لإقامة بعض النشاطات الثقافية بما فيها إصدار مجلات.. ولكن لم نصل إلى حد أن مصر صارت موطننا الدائم. حين نشعر بذلك قد نقدم على البحث عن حلول في مجال الثقافة السورية من مصر أو من غيرها من البلدان.

 

22 – هل تعتقد أنه فعلا يوجد في سوريا حراك ثقافي أم أنه مجرد وهم. ولولا لبنان والدول المجاورة كمصر والعراق لما تمكنت الثقافة الجادة من صناعة مجد سوريا الثقافي وتصدير نتاجها للعالم.

ج - سؤال كان يجب أن يطرح معكوسا فلبنان لم تكن يوما رائدة سوى بالحرية التي تتمتع بها، لذلك كان السوريون هم من يخططون لاستغلال هذه الحرية، لبنان توأم سورية.. استطاع أن يظل حرا، لاسباب طائفية فيما سورية سحلت وسحقت تحت أقدام همج لا يفقهون لا بحرية ولا بإبداع ولا بأي شيء سوى بالمال.. والمال .. والمال.

 

23 – هل تستطيع أن تفسر لنا لماذا يفرض على أعضاء اتحاد الكتاب الاشتراك بجريدة الأسبوع الأدبي وبالقوة. وهل يؤلمك أن ترى الصحف بيد من لا يقرأ ولا يكتب. وتستخدم كغطاء للطاولة أثناء الطعام. أو من أجل لف الثياب بعد الغسيل والكوي أو في لف باقات البقدونس والبصل الأخضر.

ج - هذا تقليد سوري وربما كان تقليدا عربيا... ولف بعض المواد بالجرائد ليس إهانة لتلك الجرائد، لأنها فائضة عن اللزوم.. وأرى أن  عملية اللف ليس فيها إساءة مقصودة للصحيفة.

 

24 – بالعكس أرى أنها مشكلة. وهي ناجمة عن الفجوة بين المواطن والنظام من طرف، ثم بين الإدارة والنظام من طرف آخر. بعض الإدارات لا تؤمن بما تفعل وتقول ويهمها الجلوس على الكرسي فقط. في الغرب حتى الزبال يفرز الصحف والورق ويضعها مع مواد قابلة للتدوير لتحويلها إلى عجينة ورق. وهذا ينقذ شجرة من الاستئصال من غابة وارفة الظل لأن مصدر الورق هو الخشب. فما بالك ونحن بلا غابات ونعاني من الجفاف وندرة البساتين والغطاء الأخضر. لماذا يا أخي لا نحترم الطبيعة. ولماذا لا نفرّق بين الجهل والنوايا الطيبة. خسرنا عشرات الحروب، وهذا ينطبق على حروب اقتصادية و تجارية أيضا، بسبب سوء الإدارة والتخطيط وقلة بعد النظر.

ج- لا يمكن فصل موضوع الصحافة عن باقي ماكان يجري في سورية من محاولات لهدر المال العام، والاستفادة من كل مشروع يقام ليحصل القائمون عليه على مصدر دخل إضافي لجيوبهم.

 

25 – ما هي مشكلتنا. في السياسة أم المجتمع. من المسؤول عن هذا الجهل والتخريب والفوضى؟. 

ج- المسؤول الأول هو نظام الأسد.. و المسؤول  الأخير هو نحن الذين رضخنا طويلا لحكمه وجوره.. كل الفراعين في التاريخ وصلوا بهذه الطريقة في تنازل الجموع عن حقها في حياة كريمة.. لقد تنازل السوريون عن كرامتهم، وعاشوا أذلاء لزمن طويل، ومن لم يفعل أمضى جزءا من حياته في السجن.. كان علينا أن ننتبه مبكرا لذلك.. ولكن لا بأس فنحن نتوجه حثيثا لنيل حريتنا.

 

26 – هل تعتقد أن بشائر عصر التنوير الثالث قد بدأت. وإلى أي درجة يمكن لرابطة الكتاب السوريين أن تعمل على ردم الفراغ . وهل تعتقد أن الازدواجية في جسم المؤسسة حالة صحية. بعبارة أخرى: هل الرابطة ظل وكلام في الهواء أم أنها حقيقة.

ج - لم يبدأ شيء.. وهذه الثورة وبعد أن تنجح تحتاج إلى حركة تصحيحية أيضا. فرابطة الكتاب العرب حملت معها بذور نهايتها حين قررت العمل وفق أخلاق شمولية .. فالرابطة ليست إلا علاقات شخصية، وواجهة لبعض الشخصيات.. وهي لا تمثل الكتاب حقيقة.

 

- في الختام لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ سحبان السواح على وقته وعلى إجاباته. ولكن أرى أن الواجب يحتم الإشارة لتلازم بعض الأضداد أحيانا بطريقة تجاذب السالب والموجب. لقد تلاقت مصالح إيران وأمريكا في العراق عام 2003 . وهذا لا يعني أنهما كيانان له رأس واحد. ومن قبل تلاقت مصالح القاعدة مع أمريكا في أفغانستان أيام التوسع السوفياتي وانتهى كل شيء مع تبدل الظروف. وكم كان التقارب في منتصف الطريق بين تركيا أردوغان وسوريا بشار الأسد مطمئنا ومبهجا. ثم اشتعلت النار و خرجت السيوف من تحت العباءة . وهذا يفرض علينا التوسع في 3 مسائل:

المؤامرة المزعومة التي وقفت وراء أول وجبة من الثورات االعربية في منتصف القرن السابق. وطرق إدارة الأزمة الأخيرة في الجمهوريات العربية. وأخيرا أسباب عودة الإسلام السياسي لقيادة الشارع. وحتى تتاح لنا هذه الفرصة أستودعكم الله.

 

تشرين 1 – 2012

 

تقديم وإعداد : صالح الرزوق

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2260 الثلاثاء 30 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم