حوارات عامة

المثقف العراقي والطائفية (1): مع الروائي والكاتب الساخر كريم كطافة

kareem ketafaحوار مع كتاب وأدباء عراقيين حول الطائفية والانتماء للوطن قبل الطائفة والقومية:

الكثير من المثقفين العراقيين بشكل عام واليساريين بشكل خاص وظفوا فنهم من اجل المجتمع وقضاياه. والتزم الكثير منهم جانب الدفاع عن حق المجتمع في التطور والتقدم. ماعدا القلة ممن استماله النظام السابق الى جانبه!.

وغالبية المثقفين او المبدعين لم يعارضوا النظام السابق لأنه سني..ونعرف ان الالاف من الشيعة منتمين لحزب البعث عن قناعة او خوف من بطشه. ومنهم من له ضلع في السلطة. كذلك اعتراضنا على السلطة الحالية بعيدة تماما عن منطق انها شيعية وهي ليست كذلك لان للطوائف الاخرى اضلاع فيها. وانما ما قدمته او تقدمه تلك السلطة أو هذا النظام للمجتمع والمواطن الذي هي مسئولة عنه. اعتراضنا على كفاءة تلك السلطة في ادارة الدولة وعدم تعريض الشعب والوطن للمخاطر كما حصل في الحروب المتواصلة. وما يحصل الان من كوارث امنية ودخول العصابات الارهابية.

كانت الخلافات بين السنة والشيعة عقائدية..لكن صارت النزعة التنافسية حول السلطة ومغانمها هي الدافع الاول لتلك الخلافات، لاسيما بعد سقوط نظام البعث. حيث صار التمثيل البرلماني طائفيا بعيد عن تمثيل المواطن العراقي. فصارت السلطة كعكة تتقاسمها قيادات أغتصبت تمثيل المكونات الرئيسة من الشيعة والاكراد والسنة..اي ان للسنة حصة في هذه الكعكة (السلطة) وليسوا مهمشين كما يدعي الكثير منهم. وبقي القسم الأكبر من الشعب بمختلف مكوناته فقيراً، يفتقد لأكثر مقومات الحياة اليومية في بلد غني بموارده الطبيعية مثل العراق.

في ظل هذه الفوضى ظهرت اصوات كثيرة تعزز الطائفية بكل اشكالها..لكن المؤلم ان بعض هذه الاصوات من بين من كنا نعتبرهم رموز للثقافة العراقية. لاسيما من كانوا يسيرون في ركب المعارضة للنظام السابق ..ومنهم من طرح وجهات نظر كاريكتيرية مضحكة ومبكية بنفس الوقت..فهذا يجعل من الشيعة عملاء لإيران وولاءهم لها اكثر من ولاءهم للعراق! وذاك يبتدع نظريات ويجعل من النبي محمد شيعي وانه ابن النبي ابراهيم! ولم يكتفي بذلك بل يجعل من النبي ابراهيم (شيعي) حسب رأي ذلك الفطحل في الفقه الديني!! والمشكلة بهذه المهاترات البعيدة كل البعد عن الثقافة والدين تنتشر على صفحات الانترنت. وتشكل خطورة حيث لها تأثير على البسطاء خاصة من باتوا يرون ان الوضع في ظل النظام السابق (السني) حسب ادعاءاتهم، هو افضل من الوضع الحالي المتردي امنيا واقتصاديا. على الرغم من ان من يقوم بالتفجيرات هم من مرتزقة النظام السابق الممولين من عائلة صدام وقيادات البعث المقيمة في الاردن والخليج. مع بعض من سموا بالقاعدة واليوم غيروا اسمهم لداعش! بعد ان بارت سلعة الماركة المسماة بالقاعدة. مستغلين غياب القانون وصراع الكتل الطائفية على مناصب السلطة من اجل منافع شخصية مما عرض البلد للتخريب والتدمير.

خاطبت بعض الكتاب والفنانين، وطرحت عليهم اسئلة تدور في هذا المضمار.. لإيصال وجهات نظرهم للقاريء المتلهف للكلمة التي تشحن الامل فيه. وحرصت ان ابعث رأيي ليكونوا على اطلاع على وجهة نظري..

 

استجاب البعض منهم مشكورا وبوقت قياسي..ومنهم من اغنى الموضوع بوجهات نظر مفصلة علمية ومنطقية.. الشكر والتقدير لهم جميعا.

الروائي والكاتب الساخر كريم كطافة أغنى الموضوع بوجهات نظره التي تستحق الوقوف عندها وتبنيها:

 

قبل الاجابة على الاسئلة اود ان أقول: ان مشكلتنا العويصة التي جعلت كثير من المثقفين يقعون في فخ السياسة ويستمرئونه إلى حد القناعة به أقصد أن المثقف قادر على تقديم الحلول محل السياسي في إدارة شؤون البلد. للأسف حصل هذا ويحصل الآن لأننا عانينا وما زلنا نعاني من سياسيين ليسوا بسياسيين البتة. بل كائنات يصعب وصفها إلى أي مجال حياتي تنتمي. ملفعة بالتخلف والجهل والأمية في ألف باء السياسة ومعادية بشكل صريح للثقافة والمثقفين، ديدنها مصالحها الشخصية وتالياً مصالح أحزابها أو عشائرها وعلى نطاق ضيق جداً. تمتاز بدناوة النفس تجاه المال العام وقلة الاكتراث بمصالح البلد العليا. ومما زاد الطين سيان أسود ومصخم هو دخول الدين والتدين الشعبي الساذج واعتماده من قبل هؤلاء اللصوص رافعة لاستحواذهم وتشبثهم بنظم الإدارة والقيادة في الدولة. لهذا السبب نجد مثقفينا لا يتوانون من التدخل في الشؤون السياسية ومن زوايا النظر الخاصة بهم التي تجعل ما يقولونه ويطالبون به من حلول عرضة للسخرية من السياسي اللص ومن المواطن المكتوي بفساد وإجرام هذا السياسي على حد سواء.

 

1- ما هو رأيكم بتلك النزعات الطائفية بين المثقفين العراقيين؟..

- لا استغرب ظهور نزعات طائفية بين الفئة المستهلكة للثقافة، حالهم هنا حال مجتمعهم المنقسم على نفسه إلى طوائف ومذاهب وأعراق بينها من الخصومة أكثر مما بينها من الود. لكني استغرب ظهور النزعات الطائفية داخل الفئة المنتجة للثقافة، فنانون وأدباء على اختلاف مجالات إبداعهم. استغرابي هنا يأتي من فهمي أن المبدع هو أكثر الناس بعداً عن النفاق، أو على الأقل هكذا عليه أن يكون، وذلك لامتلاكه حساسية خاصة تدفعه باتجاه الصدق سواء مع النفس أو مع الآخر.. ومن يكون صادقاً مع نفسه لا يمكنه أن يجد في المرض الطائفي حلاً لأي مشكلة.

 

2- وكيف ترون تأثيرها على الشارع العراقي..بالوقت الذي كثير من الشباب في داخل العراق يطالبون بإلغاء المحاصصة وإلغاء المسميات (سنة وشيعة) من الوثائق الشخصية!؟

- فيما لو أصيب قسماً من هذا الوسط الذي أشرت له قبل قليل أقصد منتجي الثقافة بفايروس الطائفية، فلحسن الحظ سيكون تأثيره أقل بكثير من تأثير شيوخ الدين بنوعيهم الأرضي (مساجد وحسينيات) والفضائي (قنوات الفتنة الفضائية). إذ لا أحد من الشباب أو حتى غير الشباب مستعد لقراءة كتاب أو قصيدة أو الاستماع إلى برنامج ثقافي. الصراع الطائفي البغيض جعل من المجتمع العراقي مجتمعات منغلقة على نفسها لا تجد الحق إلا عندها..

 

3- ما هو دور المثقف الآن في رفع معنويات الشعب وتعزيز روح المواطنة والولاء للعراق فقط قبل كل الولاءات؟ فتلك من وجهة نظري هي السبيل الاول لإنقاذ العراق من الفوضى السياسية. وإنقاذ الدولة سياسيا وأمنيا وإقتصاديا، بعيدا عن الطائفية التي جاءت بمسئولين لا كفاءة ولا خبرة لهم.

أعتقد يخطأ من يظن أن الدولة العراقية انهارت بعد الاحتلال المباشر في 2003، بل هي انهارت بعد غزو الكويت 1991. مذ ذاك التاريخ لم تعد هناك دولة في العراق. الأمر الذي دعى رأس النظام السابق إلى بدء الاهتمام بالعشائر وتهميش مؤسسات الدولة بدءاً من مركز الشرطة إلى أكبر الوزارات عدة وعدداً، وزارة الدفاع والداخلية. تُركت تلك المؤسسات لآلية التمويل الذاتي، كل يسعى لتمويل نفسه ومرؤوسيه بغض النظر عن الوسائل. الأمر الذي حول مؤسسات الدولة إلى ما يشبه مافيات مستشرسة. بما في ذلك حزب البعث نفسه. ولكي تكتمل عملية هدم وتدمير الدولة تماماً، أردف صدام سياسته تلك بما اسماه بالحملة الإيمانية، الحملة الشاملة التي كانت مفرخة مثاليةً لبروز النعرات والعداوات الطائفية التي كانت أشبه بالجمر تحت الرماد. وحين جاء الاحتلال ومن بعده حكومات المحاصصة الطائفية أكملت ذلك الدمار بتدمير لحمة المجتمع وتحويله إلى طوائف متناحرة. الأمر الذي يجعل من مشروع إعادة بناء الدولة العراقية على غاية الصعوبة والاستعصاء. الدولة بوصفها أرقى أشكال التنظيم الاجتماعي القادرة على إذابة كل الولاءات الفرعية في داخلها وإعطاءها عنواناً وحيداً هو الولاء للوطن. للأسف هذا المشروع ما زال في بدايته وهو مخترق بالطائفية وبالفساد وبالإرهاب وبتحديات كثيرة ليس أقلها مشروع تقسيم البلد إلى ثلاث أو أربع أو خمس دول ضعيفة كسيحة ليس أمامها سوى الاحتماء بهذا أو ذاك من جيران العراق. الدور الان للسياسي، بل هذا هو عمله. لكن السؤال المر كالحنظل: هل عندنا سياسيون ولاءهم الحقيقي للعراق وليس لطوائفهم وأعراقهم..؟ للأسف.. ما زالت أعداد هؤلاء الوطنيين قليلة وهم ضعفاء وبحاجة ماسة للدعم المجتمعي. هنا يأتي دور المثقف بنوعيه المنتج والمستهلك للثقافة في دعم وتقوية وترسيخ خيار هؤلاء الوطنيين، بما يمتلكه من منابر يحاول من خلالها الوصول إلى الجمهور الواسع.

 

4- هل تعتقدون ان وراء تلك الاصوات بقايا البعث ذاته او امريكا التي يخدمها التقسيم وبقاء الفوضى السياسية تلك؟

- قد اختلف مع من يقول أن وراء مشروع التقسيم امريكا والغرب. هؤلاء الملاعين ديدنهم الذي يبحثون عنه على الدوام والذي يدخلون الحروب ويفعلون الأفاعيل من اجله، هو السوق. نعم السوق بوصفه مستهلك ما ينتجون. وبالنسبة للسوق كلما كان مستقراً وآمناً كلما كان العمل فيه أفضل ويدر أرباح أكثر. لهذا ليس من مصلحة أمريكا تقسيم العراق. العكس تماماً من مصلحتها أن يعود العراق موحداً وسوقاً مستقراً وآمناً يحقق لهم ما يريدون، مصدر للمواد الخام وسوق لتصريف البضائع. أما التقسيم فلن يدر عليهم أكثر من بلاوي جديدة لها أول والشيطان نفسه لا يعرف آخرها، تلك الأقاليم المزعومة ستدخل حروباً جديدة وجديدة دائماً من أجل التطهير العرقي والمناطقي. أما السؤال القائل هل البعث وراء ما يجري، أقولها بالفم المليان وبكل ثقة، أن نعم. البعث هو البلاء الأول فيما حصل ويحصل للعراق. والبعث بالنسبة لي ليس حزباً أو كائناً له شكل وطعم ولون.. بل هو كالحرباء يتلون ويتشكل حسب الوظيفة الجديدة، ووظيفته الحالية تخريب كل عملية بناء مهما كانت متواضعة. كل التنظيمات الإسلامية المتحاربة الآن ومن المتراسين الشيعي والسني هم بعثيون وإن لم يعلنوا.

 

5- لا شك ان صياغة الدستور بشكله الحالي اعطى فرصة للبعض للتعكز عليه وتعزيز التقسيم الطائفي للسلطة. هذا ما اعتقده. فهل بالإمكان تغيير هذا الدستور او على الاقل الغاء المواد التي تتبنى الطائفية او تبررها؟

- على صعيد الدستور لدي اقتراح وحيد سيكون كفيل فيما لو جرى تبنيه وتنفيذه اقتراح قادر على أن يضع اللبنة الأولى لخلاص البلد من الصراع الطائفي، اقترح صياغة فقرة واضحة في الدستور ضمن فقرات المادة الأولى، تقول بمنع وتجريم عمل وتأسيس أحزاب وجماعات قائمة على أسس دينية. بهذا نكون وضعنا اللبنة الأولى لدولة المواطن وليس طولة الطائفة والمذهب والقومية.

 

 

في المثقف اليوم