حوارات عامة

احمد شيخاوي يحاور: الشاعرة أحلام الحسن.. عندما تعزف القصيدة لحن الحياة

ahmad alshekhawiنحن في ضيافة شاعرة من طراز رفيع، قلّ نظيرها في زمن الغوغاء وهستيريا استسهال الممارسة الشعرية تحديدا . نقولها بحياد تام ودون محاباة أو اصطفاف.

قامة معها يعبق أريج الحرف متدليا من عوالم الانتماء للقصيدة ولا شيء عداها . للنصّ في حبله السرّي وصلته بثلاثية صياغة البوح تأوها بمكبوت الذات، و تفجيرا للحمولة في توليفة نادرة تحشد الوجداني والعرفاني والوجودي تزامنا.

نرحب بالشاعرة البحرينية الدكتورة أحلام الحسن الإنسانة والصوت القوي الصدّاح الذي استطاع أن ينقش له وباسم نون النسوة، هلامية واستثناء في مشهد الشعرية العربية الحديثة وأن يحصد جوائز عدة و يحضى بالصدى الطيب والمنزلة الخاصة لدى عموم الأوساط الثقافية.

 

*بداية، هل لأحلام الحسن أن تقرّبنا من تجربتها أكثر؟ بداياتك؟ الرموز التي سجلّت انطباعا فردوسيا في بياض ذاكرتك وأثرت فيما بعد على كتاباتك ؟ كم ديوانا أصدرت لحد الآن؟

- أوًلًا أتقدّم بالشّكر الجزيل لك أستاذ أحمد على ما تبذله من جهود مضنية لمواكبة صيرورة الحركة الأدبية العربية، محاولا التنقيب دون بكد ومن غير كلل، عن المواهب الجديدة الحقيقية، وإبراز أدبياتها وقيمة ما تنتجه فنيا ومعرفيا، عبر ما تجريه من مقارباتٍ وحواراتٍ تؤخذ بعين الاعتبار والأهمية لدى كلّ متعطّش للأدب العربي، من خلال ما يُكتب فيه من أصناف الشّعر الموزون بنوعيه، إضافةً إلى الشّعر الحرّ الجميل، والقطع النثرية الرائعة.

أمّا بالنسبة للشق الثاني من السؤال فقد كانت أولى تجاربي وأنا في مستهل العاشرة من عمري كتبتها في حبّ أمّي وتوالت كتاباتي وعرضها على مدرساتي بالمدرسة وكان التشجيع دائما حليفي إضافةً إلى الإعجاب .. واصلت رحلتي مع كتابة الشّعر النثري والمرسل حيث إنّي كنت صغيرة لم أعرف ما هي البحور الخليلية .. كانت أكثر قصائدي عرفانية واجتماعية ولم أتطرق خلال هذه السنوات لكتابة القصائد العاطفة .. حتى وفقني اللّه لدراسة علم الكتابة العروضية والبحور الخليلية على يد الدكتور محمود مدن طيلة أربع سنواتٍ متواصلة وحيث إنّي وللّه الفضل والمنّة ممن يجيد علم الصّرف والنّحو بدقّة ساهم هذا في دعم ذاك فانطلقت بقصائدي المتنوعة.

أمّا بالنسبة للشّق الثالث من السّؤال نعم هناك من تأثرت بكتاباتهم وقصائدهم مثل أبي فراس الحمداني ..عنترة من القدامى ..أمّا من المعاصرين فهناك الكثير لا يسعني ذكرهم كلهم وسأكتفي بالبعض الذي له التأثير الأكبر كالشاعر العملاق كامل الشناوي وإبراهيم ناجي وأحمد شوقي ونزار قباني وخليل مطران وغيرهم ممن أثروا الأدب العربي بقصائدهم الرائعة فهم لنا مدارس نقتفي أثرها.

للّه الحمد والمنّة لي خمسة دواوين منها مطبوع ومنها ما ينتظر دوره للطباعة حيث انشغلت في السنتين الأخيرتين بالدراسة.

 

*هل تجدين نفسك في كتابة القصيدة العمودية فوق غريمتهيا التفعيلية والمنثورة؟ أم أنك تؤثرين تدبيج القول الشعري بالفعل الإبداعي العابر لشتى هذه الأجناس و التمظهرات؟

- لا أرى بأنّ شعر التفعيلة غريمًا للشّعر العمودي فذاك من هذا .. ومن رأي بأنّ الشّاعر المعاصر عليه أن يجيد كافة أنواع الشّعر ولا يقتصر على العمودي والتفعيلة فقط ولا على الشعر الحر وقصيدة النثر فقط .. بل ينطلق ليعبر فما الشّعر إلّا المشاعر لكن ضمن الإبداع بشروط القصيدة العمودية وبشروط الشّعر الحرّ .. وبشروط قصيدة النّثر وإلاّ ضاع الأدب وأصبحت القصائد مجرد خربشاتٍ أو خواطر.

 

*هل تؤمن شاعرتنا بجدلية الأب الروحي وعقدة الابن في الحقل الأدبي إجمالا؟

- أنا شخصيا لا أؤمن بفكرة الأب الروحي بل بفكرة الاقتفاء لشتى الشخصيات الأدبية البارعة في الشّعر والاستفادة من خبراتهم ومدارسهم المتنوعة والمتضادة أيضا، وهذا ما طبقته في دراسة مدارس الشّعر والبحث والتنقيب عنها وعن ما تعارض وما تجانس وما تقارب منها .. فألفت مؤلفي الذي لم يطبع بعد (كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر) ولي فيه أكثر من عشرين حلقة تعليمية في الشبكة العنكبوتية.

 

*إذا ما تأملنا ألفيتنا أو قرن الجنون مثلما يحلو للبعض تسميتها، خلصنا إلى ما يفيد تصدع الهوية ويفصح عن شرخها الصارخ، مع رفع كلفة تأطير هذا المفهوم إيديولوجيا أو حتى ثقافيا تجنبا لأي انزلاق قد يقود إلى متاهات نحن في غنى عنها الآن . إلى أي حد أفلحت شعرية ما بعد الحداثة في مواجهة الفكر الشاذ وأصابت حظّا بشأن تقنين التعاطي مع الظاهرة باعتبارها عصب قضايا الأمة ؟

 - سؤالٌ وجيهٌ جدا وقبل الإجابة عليه علينا أن نقرَّ بأنّ الأدب العربي قد تصدّع أيّما تصدّعٍ في زمننا هذا فالكثير يكتب ما يحلو له من كتاباتٍ تخلو من الدّقة الأدبية، ومن سلامة النّحو والصرف، فضلا عن إتقان الشّعر ويسميها شعرا !! والوعي الأدبي للمسميات الأدبية غير واضح وبات عدم التمييز بين الشّاعر والناثر منتشرا جدا للأسف في ألفيتنا .. هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى وهي الأهم أن البعض يحاول اكتساب الشهرة والجمهرة من خلال كتاباته الواضحة جدا والمثيرة للغرائز البشرية، وكان النصيب الأوفر من هذا الترهل الأخلاقي للأسف لبعض النسوة اللاتي يدّعين كتابة الشّعر !! .. بينما لدينا العشرات من الشاعرات المتمكنات من الشّعر والحاملات عبء رسالتهن الأدبية بكلّ عزيمةٍ وتفاني ودونما اللجوء إلى مثل تلك التجاوزات اللا أخلاقية.

 

*إبداعيا، هل لشاعرتنا شجرة نسب؟

- نعم هنالك في عائلة أمّي بعض الشعراء الأفاضل منهم من كتب الفصيح ومنهم من كتب العامي.

 

 *رسالة تودين توجيهها لمن يحلمون بأن يصيروا شعراء بحقّ لهم حضورهم الوازن في الساحة؟

- بالتأكيد هنالك رسالة أرغب بتوجيهها وهي تتلخص في عدة نقاط : أولا عليهم إجادة اللغة العربية جيدا من صرف ونحو وإملاء وما إلى ذلك . هذه قاعدة لأي كاتب أيّا كانت كتاباته شعرا نثرا قصصا مقالا كلها العمود الأساسي واللبنة الأولى في بناء لغة ناضجة ومكتملة وسليمة وخالية من الفجاجة والركاكة والعيوب .. أما لمن يحاولون دراسة البحور الخليلية عليهم التحلّي بالصبر والمثابرة، فعلم البحور الخليلية علمٌ كأيّ علمٍ به من الصعوبات قدر ما يحمل من الجمال، لذا ليس ثمة بد من تخطّي تلك الصعوبات بغية الوصول إلى مرحلة أو مستوى تقديم الإبداع على نحو لا يخلو من جماليات، بشأن هذا العلم.

 

*كلمة أخيرة.

 - أشكرك أستاذ أحمد مجددا على سائر هذه الجهود التي تبذلها وفي نيتك قلقلة ودفع عجلة الأدب العربي نحو الأمام، تحركك هواجس نفض الغبار عن المواهب وتعريتها حيثما تواجدت، وعلى امتداد الخارطة الإبداعية العربية، بل وتجاوزا إلى ديار المهجر، فجازاك اللّه عنّا خيرًا وعمّن لا يألون جهدا أو يذخرون طاقة في سبيل خدمة لغة الضاد.

 

أحمد الشيخاوي - كاتب مغربي

 

 

في المثقف اليوم