حوارات عامة

حوار مع الكاتبة السورية: ريتا بربارة

1471 رتا بربارة- كم سيكون جميلاً أن نغير عالمنا للأفضل والأجمل.

- سورية – رغم الجرح – ستبقي وستعود أقوي من جديد.

- المصداقية وصدق التعبير هما الأساس المتين لنجاح كل مبدع

- والدتي الروائية المبدعة (فادية شماس) جعلتني شغوفة بالقراءة منذ الصغر.


- من عمق التجربة القاسية يولد الإبداع ،عاشت تحلم بأطواق الياسمين ،تزين أعناق الوطن ،في مدينتها السورية الأنيقة ،لم تكن تدري بأن الزمن سيأتي بعواصفه الهوجاء ،لتثرا غبارا مذريا علي هذا الوجه الجميل للوطن ،أمسكت قلمها ودفترها لتعلم أبناء وطنها ، لتخط الحرف الأول في ذاكرة جيل كانت تريد ان تتعمق جذوره في تراب الوطن ،عايشت صرخات آلامها ودمعاتهم علي فراق الأحبة في ليلات المدينة الحزينة ، انها الكاتبة السورية "ريتا بربارة " ومن هنا كانت بداية الحوار معها حيث سألتها :-

س: لكل كاتب قضية يحاول الوصول بها الي وجدان وعقل القاريء فما هي قضيتك الأولى؟

-  عودة القيم الانسانية هي قضيتي الأولي والأخيرة، فعودة تلك القيم ستغير واقع المجتمعات وستجمل وجه العالم، وبغرس هذه القيم وبعثها من جديد سيسود السلام العالم، فالإنسان هو أساس كل تغيير، وكم سيكون جميلاً أن نغير عالمنا للأفضل والأجمل.  .

س: من هو كاتبك المفضل علي المستوي العربي والعالمي ولماذا؟

- حين تنشأ في بيت كاتبة بحجم فاديا شماس فلابد أن تكون كاتبك الأول والمفضل ليس لكونها أمي فقط – بل لأن كتاباتها المتميزة هي ما جعلني شغوفة بالقراءة منذ الصغر، فعشت وكبرت مع عوالم صنعتها برواياتها المتميزة، وتعودت أن اقرأ للكل، وإن كان هذا لا يمنع أنني أميل لكتابات دوستويفسكي، ومون باسون، وأنطون تشيخوف، وجبران خليل جبران، ويوسف إدريس، وكوليت خوري، وغادة السمان، وغيرهم الكثير فنافذة فكري منفتحة على كل ما هو مبدع وجميل لأنني أعشق التنوع، وأومن أن هذا التنوع يثري المخزون الثقافي لدي كل كاتب ويجعله قادراً على صنع عالم مختلف بقلمه حين يكتب.

س: الكاتب دائما وليد التجربة الحياتية التي يمر بها كيف رصدتي تجربة الحرب في وطنك الام سوريا؟

رصدت من خلال مجموعتي القصصية " جرح الفينيق " الحرب السورية وويلاتها وتأثيراتها الاجتماعية وبخاصة تأثيراتها على المشاعر الإنسانية للمواطن السوري داخل وخارج سورية، كما ترصد المجموعة بعض مظاهر الفساد التي تنتشر بالمجتمع، وأملي التعامل مع هذه الممارسات السلبية بشكل حاسم لتختفي من مجتمعنا لتبقي سورية وطن نفخر به يسوده الأمن والأمان، وكان اختياري لعنوان المجموعة للتعبير عن جرح سورية النازف وللتأكيد على أن سورية – رغم الجرح – ستبقي وستعود أقوي من جديد.

س: لكل كاتب مقومات نجاح في كل زمان ومكان فما هي المقومات التي تساعد علي نجاح المبدع والكاتب في ظل هيمنة وسائل التواصل علي حياة الجميع؟

- المصداقية وصدق التعبير هما الأساس المتين لنجاح كل مبدع، لأن النافع هو ما يبقي أما ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة فسرعان ما يختفي برغم الضجة التي قد تصاحب الكثير منه وقت النشر، لأن ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يواجه سرعة نسيانه لكثرة ما ينشر، ويفتقد التوثيق لأن الكثير مما ينشر يكون مجهلاً ومجرد رأي شحصي لمن ينشر، كما زاد استخدام النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي المشهد سوءًا حيث أصبح من السهل النقل والاقتباس وانتشرت السرقات الأدبية لافتقاد هذه الوسائل الرقابة والتوثيق اللذان يحفظان لكل كاتب حقوق ملكيته الفكرية، وعلينا معالجة هذا المشهد الثقافي الملتبس، بتوحيد الجهود والقيام بعمل مؤسسي يعيد للمشهد الثقافي العربي رونقه وتميزه، نعيد به صياغة مشهد ثقافي جديد يفخر به الكاتب قبل القارئ.

وبرغم ما تمر به بلدي الحبيب سورية من ظروف، فإنني أري أن أمام الأدباء السوريين فرصة ذهبية ليخرجوا من رحم هذه المعاناة والحرب الكونية التي تدار ضد سوريةـ بإبداع يؤسس لمشروع ثقافي سوري نهضوي يعيد للرواية السورية مكانتها وتميزها، شريطة ألا يعتبروا الكتابة ترفاً يخرجوا به من واقع متقلب عاشوه طوال السنوات الماضية فالكتابة رسالة وقضية يجب أن يؤمن بها من يمارسها ليسهم في تشكيل وعي نسعي جميعاً أن يكون وعياً يعين على الإصلاح وإعادة بناء وطن أثخنته الجراح..

س: تراجع الدولة عن دورها الثقافي ساعد علي تنامي الافكار الدينية المتطرفة ما رأيك في ذلك؟

- حتى لا نظلم الدولة بأجهزتها المعنية ونلقي عليها العبء الكامل في نشر مثل هذه الأفكار الدينية المتطرفة التي تعتنقها الجماعات التي تقف في مواجهة الوطن، فإنني أري أن العبء لا يقع بكامله على الدولة بل ساهم الواقع العالمي الجديد وصراع القوي الكبري على مناطق الثروة والنفوذ وبخاصة في منطقتنا العربية في نشر وتنامي هذه الأفكار المتطرفة، وكانت وسيلتهم الأسهل استخدام وسائل الاتصال وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي – كواحدة من وسائل حروب الجيل الرابع – في نشر هذه الأفكار وكان حجم الاستهداف يفوق امكانيات أي دولة فوصلنا لهذا الواقع المرير الذي دمر اقتصادياتنا وعاد بنا سنوات كثيرة للوراء.

س: ما هي رسالتك للشباب الكتاب في الوطن العربي؟

- الشباب طاقة وقوة لوطننا العربي، واتمني أن يكون شباب الوطن العربي قوة بناء لا معول هدم، وعليهم أن يعيدوا بتفوقهم وجهودهم المخلصة هذا الوطن لسابق عهده مهد للحضارة ووطن للعلم والعلماء.

س: الكاتب جزء لا يتجزأ من قضايا امتة العربية كيف رصدتي مايحدث في البلدان العربية المختلفة؟

- يقولون " كلنا في الهم عرب " وأرى أن تناولي للشأن السوري هو رصد للواقع العربي حيث أن ما يحدث في سورية يتكرر في كثير من البلدان العربية لتشابه الطبيعة والطباع.

س: ما هي رسالتك الي الشعب السوري عامة والمرأة السورية خاصة؟

-برغم الجرح ستبقي سورية وطن العزة وستعود لسابق عهدها وبجهدنا جميعاً وتكاتفنا سنجعلها أجمل، ويقع عبء كبير في هذه المرحلة على المرأة السورية الأم والأخت، وعليها يقع العبء الأكبر لتوفير الجو النفسي الذي يعين على تضميد الجراح وتجفيف مآقي الدمع التي انهمرت حزناً على شهداء أبرار ضحوا لأجل أن يبقي الوطن، واتمني كما كانت رمزاً للصمود والتحدي وقت الحرب، أن تكون عوناً للزوج تسانده وتعينه على مواجهة أعباء الحياة، وكما ربوا شهداء عليهم أن يقفوا بكل قوة وحب بجوار أبناء شهداء الوطن لينشئوا خير تنشئة، وبحبها وإخلاصها ستعيد المرأة السورية للوطن السوري روحه الحلوة، ولأبنائنا البسمة وبراءة طفولة سلبتها سنوات الحرب القاسية.

س: لكل كاتب ايديولوجية خاصة تهيمن علي كل ابداعاته فما هي ايديولوجية الكاتبة ريتا بربارة؟

-قد تسيطر على الأديب ايديولوجية يسايرها طول العمر، يوافقها أحياناً، ويبتعد عنها أحياناً أخرى تاركاً الحرية لذاته الابداعية لتقول ما تريد، وتخرج من دائرة التأطير، لأن الأدب فكر والفكر لا تحده مقولة ولا يسيطر عليه انتماء، يسير في ردهات شتى ويملأ كل فراغات النفس ويخترق كل الأسوار ليقول ما يريد، وحين يبدأ الكاتب في الكتابة عليه أن يتحرر من قناعاته وايدولوجياته ويطلق لطاقته الإبداعية العنان ليكون التعبير صادقاً وواقعياً مجرداً غير موجه.

لذا دعني أقول أنني حين أكتب اتحرر من أية ايديولوجية، وتحكمني فقط رؤية عامة أنطلق من خلالها بإبداعي، ورؤيتي هي : الحياة بكل ما فيها بخيرها وشرها، بحسناتها وآثامها، والانسانية بكل آمالها وآلامها، بكل حروبها وسلامها، بكل بنائها وهدمها وعلمها وجهلها.

ويشغلني الوطن المتخم بالأطماع التي لا تنتهي، وأسرتي التي تكونت وعرفت معنى الحياة وقدرة الكلمة على التأثير. فأنا أغني قضايا الانسان غير المؤدلج بقلم غير مؤدلج. قلم يستمد نوره من أفراح العاشقين ودموع الثكالي لأنني أرى الانسانية أكثر اتساعا وأوسع عطاء وأرحب مدى، فإن رأى المهتمون غير ذلك في كتاباتي، يكون من خلال تنامي الوعي وتداعي التفكير بالحرية التي من خلالها يسير قلمي على أوراقي ومن خلال الرغبة في المشاركة في الحسّ البنائي الانساني بشكل عام لا من خلال المنظور الإيديولوجي الضيق الذي أظنه يحدّ من حريّة الأديب على الابداع والأديب لا يقدم آثارا أدبية جميلة إلا إذا تمتع بجوّ من الحرية المطلقة فما أطرّتُ ذاتي أو أدبي بنظرية مؤدلجة مهما عظمت وكثر روادها، وكل ما قدمته يكون من أثر ثقافتي لدي ومعرفتي لا أكثر.

س: ما هي المؤثرات الثقافية الفكرية التي ساهمت في تشكيل وجدانك الإبداعي؟

- المؤثرات الثقافية، بدأت ألحظها بذات نفسي ممّثلة بذاك الكلام الجميل المؤثر الذي ينداح في وجودي كالطوفان منطلقا من بين شفاه والدتي الروائية المبدعة (فادية شماس) التي كانت تستخدم الكلام النقي الجميل أمامي في كل حين، بعدما تلمست - بحدسها الأدبي -ميولي الأدبية المبكرة منذ نعومة أظافري، كما تأثرت كثيراً بمجتمعي الحلبي وثرائها الثقافي المتنوع والمتميز، والكل يعلم أن حلب مدينة ثقافة بامتياز، وقد منحتني أفقا فكريا ثقافيا من خلال الأقوال والمواقف والأراء. وكل ما سبق ترك أثره العميق في ذاتي وظهر أثر له على لساني وقلمي. أما المؤثرات الفكرية، كأطر عامة أنظر من خلالها إلى عالمي البنائي الذاتي. وإلى العالم المحيط بي فأخذتها من خلال دراستي من ينابيع العلم والمعرفة وكنت انهل من المناهل الفكرية وأتعلم كيف أتعامل بفكر منفتح وتقبل للاختلاف والتعاطي مع كل جديد.

 

حوار السيد الزرقاني

 

 

في المثقف اليوم