حوارات عامة

صلاح حمه أمين الرسم بالكلمات.. حاوره: توفيق التونجي

وطن

من أبواب موصدة

تسكنه روائح

من تعب

وشهداء

صلاح حمه امين فنان تشكيلي وشاعر وصحفي وناقد يكتب باللغتين العربية والكردية. ترأس مركز كركوك لأتحاد فناني كوردستان مابين 2003 الى 2006. متعدد المواهب وعاشق لمدينته وانسانه المعذب. التقيت به ليحدثنا عن سفره في عالم الفن التشكيلي والادب وعالم الصحافة ذو المتاعب.

ـ سألته عن بيئة المدينة أي كركوك متعددة الثقافة والعقائد كيف تمكنتم من عكس واقع المدينة في انتاجكم الابداعي؟

* لايخفى على أحد، إن مدينة كركوك تعيش فيها أطيافٌ متجانسة من شرائح المجتمع العراقي من قوميات وأديان ومذاهب وعقائد وطوائف مختلفة، لقد أضاف هذا التجانس بشكل ملحوظ سماتٍ جميلة للمسيرة الأدبية والفنية والثقافية في هذه المدينة العريقة.لكنني مع ذلك أختلف مع وجهة النظر التي تدعي وتطرح بأن مدينة كركوك متعددة الثقافات، ذلك لأن الأهالي والمثقفين الكركوكيين الأصلاء، شأنهم شأن مثقفي سائر المحافظات العراقية إضافة لمثقفي إقليم كوردستان قد ترعرعوا على الثقافة العراقية (مع إحتفاظ كل قومية من قومياتها وكل طيف من أطيافها بسماتها القومية والتراثية والبيئية من خلال الكتابة والتعبير بلغتها) إذ يتضح لنا من خلال هذه الرؤيا بأن الثقافة الكركوكية ثقافة موحدة، ولكن كما أسلفنا مع إختلاف بعض السمات القومية والتراثية والبيئية بين قومية وأخرى وعقيدة وعقيدة، وفي هذا السياق نرى وحدة الثقافة الكركوكية متجسدة في(جماعة كركوك الأدبية – جيل الستينيات) والتي كانت تضم خيرة أدباء كركوك من (عرب وكورد و تركمان وكلدو أشوريين) والتي كان لها تأثير واضح ومباشرعلى المسيرة الأدبية والثقافية في العراق والوطن العربي، حيث ظهرت باكورة أعمالها الأدبية في بدايات وأواسط ستينيات القرن المنصرم، وكان لهم دور وحضور فعال في إصدار(بيان شعر 69)وكذلك في إصدارالأعداد الثلاثة من مجلة (شعر 69). لقد كان لظهور (جماعة كركوك الأدبية) وكذلك بعض الأحداث العالمية التي حدثت في أواسط الستينيات من القرن المنصرم، وكذلك المدارس والمذاهب الأدبية والفنية العالمية التي ظهرت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية التأثيرالمباشرعلى نخبة من الأدباء الكورد في مدن كركوك والسليمانية وأربيل، حيث تمخضت عنها ظهور جماعة (روانگە) الأدبية، وقد قابلها في نفس الفترة ظهور (جماعة كفري) بين الأدباء الكورد في مدينة كركوك وتوابعها، والتي كانت لها رؤيا مختلفة عن رؤيا جماعة (روانگە) للأدب الحديث. يتمتع الأدب والنتاج الأبداعي برؤيا ذاتية وموضوعية للقضايا العامة والشخصية بمنظور يواكب التطورات التي شهدتها مسيرة الأدب والثقافة العالمية من خلال رؤيتها للهموم والمعاناة البشرية التي واكبت الحربين العالميتين وما تمخضت عنهما من حروب معلنة وحروب باردة والتي عانى وتعاني منها البشرية الى يومنا هذا، وإنعكاسها على النخبة المثقفة. إن الأدب والنتاج الإبداعي ليس أبواق وشعارات طنانة، أو محض رؤيا يفسرها السياسيين ودعاة الأدب، من الذين يتركون الحصان خلف العربة، فالكاتب يتناول مايراه من الواقع، ولكن برؤيا ومنظور مختلف، إنها تجزئة لصورٍلاترى بالعين المجردة، تجري زعزعتها عن أماكنها وإعادة بناءها من جديد من خلال خيالٍ خصب ورؤيا شمولية واسعة، خيالٌ يفتح فضاءاتٍ ومساحاتٍ شاسعة للتحليق، إنها إستفحال الخيال بطرق مختلفة، والنزول الى البحر بمركبة فقدت بوصلتها وتمزق شراعها.

- لغة النص أهميتها تاتي بكونها للتواصل كما نرى في استخدام المليار من البشر للانكليزية او الاسبانية في أمريكا ألاتينية والتي تعتبر بحد ذاتها لغة المحتل الاسباني.الكتابة بالعربية لمن لا ينتمي الى العرب يعطي الكاتب مساحة واسعة من القراء عكس الكتابة بالكوردية السورانية او البادينانية. هل تعتقدون بان اللغة مهمة في الكتابة ام ان التواصل مع القارئ اهم حيثما تواجد لان النص المكتوب في واقع الامر بيئته، شخصياته و روحه كوردستانية؟

* إن اللغة هي إحدى أدوات التعبير التي يعبّر من خلالها الإنسان بشكل عام والأديب بشكل خاص عن أحاسيسه ومكنوناته الداخلية وكذلك عن كل مايحيط به من أحداث ومآسي عامة وخاصة.. فالكتابة بغير لغة الأم إنتشرت منذ النصف الأول من القرن الماضي بشكل ملحوظ في العالم.. فـ(الأدب الأقلوي) يسعى الى (اللاحدودية) أو(مقاومة الحدود) حيث توظف أقلية إثنية أو لغوية لغة الأكثرية لكسر الهيمنة المحيطة بها. حيث ظهرت هذه الظاهرة من خلال الهجرة الى الدول الغربية أوالتنقل فيما بينها، وكذلك عقب الحرب العالميتين الأولى والثانية، وأيضاً بسبب مرحلة الإستعمار لبعض الدول العربية والأفريقية. نذكر هنا للتشبيه لاللحصر الكاتبان الإيرلنديان الذان كتبا أعمالهما الأدبية بغير لغة الأم، وهما (صموئيل بيكيت) الذي كتب أعماله الأدبية باللغة الفرنسية، وكذلك الكاتب والروائي (جيمس جويس) الذي كتب أعماله الأدبية باللغة الإنكليزية.. أضف الى ذلك وجود عدد كبير من الكتّاب (الفرانكفونيين) من المغرب العربي ولبنان ومصر الذين أكتشفوا في اللغة الفرنسية ما لاتستطيع أن تقوله أوتعبرعنه اللغة العربية، حيث فرضوا وجودهم وأعمالهم الأدبية على الأدب والثقافة الفرنسية، نذكر منهم كل من (مالك حداد/كاتب ياسين/مولود فرعون/محمد ديب/محمود أصلان/جورج حنين/جويس منصور/جورج شحادة/ الطاهر بن جلود)وآخرين. لاشك إن الكتابة بغير لغة الأم لم تقتصرعلى الكتّاب الإيرلنديين والعرب فقط، فقد كان للكورد أيضاً مكانة كبيرة بين أدباء الدول التي إحتلت كوردستان من (أتراك وفرس وعرب) نذكر هنا بعض الأدباء الكورد الذين كتبوا باللغة العربية للتشبيه لاللحصر (أحمد شوقي الذي وصف بأميرالشعراء العرب) ومن جيل الستينيات نذكر كل من (الشاعر الكبير بلند الحيدري/الكاتب المسرحي محي الدين زنكنة/ الروائي الكبير زهدي الداودي/القاص والروائي أحمد محمد أمين) إضافة لهذه الأسماء فقد كان للأدباء الكورد السوريين حضور ملفت وكبير في الساحة الأدبية العربية نذكر منهم كل من (الشاعروالروائي الكبير سليم بركات الذي وصفه الشاعر الكبير محمود درويش بأنه أفضل من كتب باللغة العربية منذ العقود الثلاثة الماضية.وكذلك نذكر كل من الروائي جان دوست والقاصة والروائية نجاح إبراهيم والقاص والروائي إبراهيم اليوسف و الشاعر لقمان محمود والشاعر كيفهات أسعد والشاعر والكاتب محمد عفيف الحسيني) وغيرهم.

- لكم علاقات مع مختلف أطياف النسيج السكاني لمدينة كركوك هل هناك عوائق بين المثقفين فيما يخص التحاور والنقاشات الأدبية؟

* كما أسلفنا سابقاً، إن النسيج السكاني والثقافي لمدينة كركوك نسيج متجانس، مع إحتفاظ كل قومية وكل طيف من أطيافها بسماتها القومية والعرقية والتراثية، وخيردليل على ذلك تلك الوحدة التي تميزت بها (جماعة كركوك الأدبية) والتي ضمت نسيجاً من المجتمع الكركوكي، والتي وضعت اللبنة الأساسية للثقافة الكركوكية الموحدة. فالتأريخ الثقافي لمدينة كركوك تأريخ موحد لايقبل ولايرضى بالتجزئة، حيث هناك أدباء كورد كتبوا باللغة العربية والتركمانية، وكذلك هناك بعض الأدباء التركمان الذين كتبوا باللغة العربية، من هنا نرى نسيج التجانس والوحدة واضحة الملامح والنوايا عند غالبية النخبة الكركوكية المثقفة، التي تحاول جاهدة تطهير السياسة والنظرة والرؤيا الدونية من خلال الأدب والفن. ومع ذلك للأسف الشديد كما قيل (ليس كل مايتمناه المرء يدركه).

- الشعر البوابة الكبيرة للإبداع الأدبي وأسلوب حياة والنص الشعري يعتبر كذلك زبدة الكلام واجمل ما فيه الصورة الشعرية. المدينة واهلها وخلال فترة الدكتاتورية البعثية التي امتدت الى35 عاما شاهد العديد من التغيرات السكانية والثقافية. كيف ترون تاثير تلك الحقبة على الحركة الثقافية في المدينة؟

* الشعر هو بقايا حلم يسعى للتحليق في فضاءٍ أوسع، إبتسامةٌ تتعثر بين شفتين وبقايا كأس وسكائرممزوجة بالحبروالدماء، وقوعٌ في أحضان شيطان ومومس، وفي حب عذري، إقامةٌ في منازل وأكواخ ذي أبواب وشبابيك مفتوحة، سباحة وطيران في فضاء يتوسع كلما إتسعت رؤيا الشاعر أوأفقه، إمساكٌ بغيوم جافة وتحويلها الى نبع وفيضان، إنشاء مساحة من الورق والحبر بين الواقع والخيال وحافة الجحيم وأبواب الفراديس، تأويلات لزمنٍ من عواصف ورعود، ولإنكسارالحلم، إنتقالٌ للضفة الأخرى غرقاً، والخروج من العاصفة الى المعنى والترحال بين ضفافه، رؤيا لشلال الزمن المتهالك، وإنشاء جسورٍ وممراتٍ في حقولٍ للألغام...

لا يخفى على المتابعين والمطلعين على تأريخ وجغرافية مدينة كركوك قبل أكثرمن خمسة عقود وتزيد، بأن المساحة الجغرافية لهذه المدينة كانت أضعاف ماهي عليه الأن، حيث كانت تضم مدن (جم جمال وتكية وأغجلر وعسكر) إضافة لـ مدن (كفري و وكلارو طوزخورماتو) التي كانت تضم مئات القرى الكوردية التي بترت عنها بعد تنصل النظام البعثي المقبورعن تطبيق بنود إتفاقية بيان (11) أذار التأريخي وتجدد الثورة في كوردستان، إذ تسببت تلك الإستقطاعات والبتر العنصري من الناحية الجغرافية والسكانية الى تغييرٍ (ديموغرافي) في الهيكلية الإدارية لمدينة كركوك والتي تعاني منها حتى يومنا هذا على الرغم من تغيير النظام البعثي منذ أكثرمن عقدين من الزمن.أضف الى ذلك مؤامرة (إتفاقية جزائر) المشؤومة التي تسببت في إنهيار الثورة الكوردية التحررية في عام (1975)والتي كان السبب الرئيسي في تهجير وإبعاد المئات من أبناء هذه المدينة الأصلاء من القومية الكوردية الى جنوب العراق ومدن إقليم كوردستان، والتي ضمت عدد كبير من خيرة الأدباء والفنانين الكورد، وإفساح المجال لمئات العوائل العربية من مدن جنوب العراق ووسطها للقدوم والسكن في مدينة كركوك، وقد تسببت تلك السياسة العنصرية من إرباك وشل الحركة الثقافية فيها، أضف الى ذلك إغلاق ومنع المدارس التي كانت تدرس باللغتين الكوردية والتركمانية، وكذلك تم منع إقامة النشاطات الأدبية باللغتين الكوردية والتركمانية، حيث تسببت تلك الحالتين أي(تهجير وإبعاد الأدباء الكورد ومنع إقامة النشاطات الأدبية بغير اللغة العربية) في جمود واضح في المشهد الثقافي الكركوكي، بأستثناء بعض النشاطات الأدبية القليلة التي كانت تقام باللغة العربية.والملفت للنظر ذلك الإزدهارالكبيرالذي تميزت بها النشاطات التشكيلية في تلك الفترة العصيبة من تأريخ هذه المدينة، حيث كان فيها الفن التشكيلي المنفذ الوحيد للثقافة الكركوكية الموحدة، والمتنفس الوحيد للنخبة المثقفة والواعية في مدينة كركوك.3768 صلاح حمه امين

- بتصوري ان الإقليم قد فشل خلال 20 عاما الأخيرة من خلق مناخ حواري بين مكونات المدينة القومية والعقائدية لا بل زاد الفكر القومي الأحادي الهوة بين تلك القوميات. مثلا الطرح أصبح باسم القومية وليس باسم الكوردستانية أي الارض والوطن. كنتم بنفسكم تقودون خلال سنوات منظمة ثقافية ذو قطب واحد ولم يتم استخدام كلمة الكوردستانية بشكلها الصحيح أي الدلالة على الوطن وليس القوم. هذا التقوقع القومي من انعكاساته تباعد النخبة المثقفة وتقوقعها. ماذا قدمتم للتعددية الفكرية في المدينة؟

* عذراً أرغب هنا أن ابدأ بالرد على الشطر الثاني من سؤالكم، والتي هي أقرب وأحب إليّ من الخوض في الأمور السياسية. إن جميع المنظمات الكوردستانية بأستثناء (إتحاد أدباء الكورد) والذي تأسس عام (1970) بعد صدور بيان (11)آذارالتأريخي تحمل الصفة الكوردستانية، أي الأرض والشعب الذي يعيش فوق أرض كوردستان منذ مئات السنين.إننا منذ الأيام الأولى من تحرير مدينة كركوك من بين أنياب النظام البعثي المقبورعام 2003 قمنا بفتح (مركز كركوك لإتحاد فناني كوردستان)، وقد سبقت خطوتنا تلك إجتماعاً موسعاً لجميع فناني كركوك من (كورد وتركمان وعرب وكلد وأشوريين) في بناية (فندق قصر كركوك) حضرها عدد كبير من فناني المدينة، حيث ناقشنا خلالها فتح (مركز كركوك لإتحاد فناني كوردستان) وكذلك سبل توحيد فناني مدينة كركوك تحت خيمة واحدة، والعوائق التي تعيقها وسبل معالجتها. وبعد ذلك بفترة قصيرة وتلبية لدعوة كريمة من مجموعة من الفنانين الرواد التركمان حضرنا إجماعاً لمجموعة من فناني مدينة كركوك والتي حضرها مشكوراً ممثلين عن النقابات والمنظمات الفنية في مدينة كركوك، إضافة لحضور بعض الوجوه والشخصيات الفنية المعروفة في المدينة، حيث ناقشنا برحابة صدر الواقع الفني في كركوك والمساعي للملمة شمل الفنانين الكركوكيين تحت خيمة فنية واحدة، ولكن للأسف الشديد باءت تلك المساعي بالفشل لعدة أسباب، من ضمنها عدم وجود نية حقيقية في الإستمرار بالأجتماعات، عدم التوصل لأيجاد آلية للتوحيد وكذلك عدم وجود دعم مادي ومعنوي لها، فرض هيمنة الأحزاب على قرارات تلك المنظمات، وعدم إستقلاليتها في إتخاذ القرارات والخطوات الإيجابية لتحقيق ذلك السبيل. أضف الى ذلك الصراع السياسي والأحتقان القومي بين الأحزاب والقوميات الكركوكية من أجل بسط هيمنتها على أرض وشعب مدينة كركوك لإسترداد مكانتها وحقوقها القومية التي أغتصبت منها في ظل فترة حكم (حزب البعث). وللعلم لم تقتصر وجود منظمات وفنية وأدبية تحمل السمة القومية على المكون الكوردي فقط، فقد كان للتركمان والعرب أيضاً منظمات فنية وأدبية، وهذا للأسف الشديد مازاد الهوة بين أدباء وفناني مكونات كركوك. وهنا أرغب أن أوضح لك وللسادة القراء حقيقة تلمسها وعاشها فناني هذه المدينة، في فترة ترأسي لـ(مركز كركوك لإتحاد فناني كوردستان) حيث إنضم إليها مجموعة من الفنانين (التركمان والعرب والكلد والأشوريين) إضافة الى ذلك فإننا في تلك الفترة إستطعنا الحصول على قرار شمولهم بمنحة (التكريم الشهرية) للفنانين والأدباء الكوردستانيين، والتي أصدرتها مشكورة (حكومة إقليم كوردستان - السليمانية) في عهد رئاسة فخامة الدكتور (برهم أحمد صالح) الرئيس العراقي السابق و رئيس (حكومة إقليم كوردستان - السليمانية) في عام 2004. وأما بالنسبة للرد على الشطر الأول من سؤالكم، فقد تطرقت من خلال ردي على الشطر الثاني من السؤال الى بعض الحقائق حول الهوة الكبيرة بين مكونات مدينة كركوك. بكل تأكيد إن فشل أي مساعي لردم تلك الهوة ليست أحادية الجانب، وكما يقول الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي (عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ · وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ). إن التنصل من تأريخ وجغرافية مدينة كركوك والتي تناولناها في ردودنا السابقة والتي تتمثل في (سياسات التعريب والتهجير والإبعاد القسري) للكورد من هذه المدينة إضافة لإستقطاع مساحات شاسعة من أراضيها والتي تتضمن أقضية ونواحي وقرى كوردية كانت تابعة لهذه المدينة ضمن سياسات التعريب التي طالتها إضافة لهدم أكثر من (4000) الأف من القرى الكوردية، وكذلك إحصاء عام (1957) الذي أثبت بشكل لا لبس فيه إن الكورد يمثلون وما زالوا أكثرية سكان مدينة كركوك، وكذلك أثبتت جميع الإنتخابات التي أجريت بعد عام (2003) تلك الحقيقة وهي إن غالبية سكان مدينة كركوك هم من القومية الكوردية. وللأسف الشديد أفزعت هذه الحقيقة القوميات الأخرى الذين يعتبرون أنفسهم دون أي مسوغ تأريخي ومنطقي بأنهم يمثلون أكثرية هذه المدينة، على عكس ما أثبتتها إحصاء عام (1957) وكذلك الواقع السكاني لمدينة كركوك، وكذلك ما أثبتته جميع الإنتخابات التي كما أسلفنا سابقاً بأن الكورد يشكلون الغالبية في هذه المدينة. ومع كل ذلك فقد شهدت الساحة السياسية في مدينة كركوك بعد سقوط (النظام البعثي) سلسلة من الإجتماعات والحوارات المتبادلة بين مكوناتها لردم الهوة بينها وتقريب وجهات النظر للوصول الى صيغة مقبولة لدى جميع الأطراف، إنني هنا لا أدافع عن بعض السياسات الخاطئة التي إنتهجها للأسف الشديد (إقليم كوردستان) متمثلة بأحزابها الرئيسية، ولكن مع ذلك للأسف الشديد تم إنكار وتغاضي النظرعما تعرض له الشعب الكوردي من (سياسات التعريب والتهجير والإبعاد القسري) في هذه المدينة وكذلك عدم الإعتراف بالحدود الجغرافية لمدينة كركوك قبل عام (1974) والتي كما أسلفنا سابقاً تسببت في إستأصال مساحات واسعة من مدينة كركوك وإلحاقها بمدن السليمانية وصلاح الدين وديالى كسياسات عنصرية لتقليل نسبة القومية الكوردية فيها، ناهيك عن هدم مئات القرى الكوردية وتهجير أبنائها الى المجمعات والقصبات القصرية... أضف الى ذلك التدخلات الأقليمية والتي كانت السبب الرئيسي في إزدياد الهوة بين مكونات هذه المدينة الكوردستانية الأصيلة. فها هي تلك السياسات الخاطئة تتحول الى الرهان على قدرٍ ومصيرٍ شائك، والى طلب معجزة مضى زمنها وولى...3769 صلاح حمه امين

- الفن التشكيلي في المدينة ذو جذور قديمة ويمكن اعتبار الحركة التشكيلية في كركوك رائدة بالقياس الى مدن ك مدينة السليمانية واربيل ودهوك. كيف ترون مستقبل الحركة الفنية في المدينة؟

* لمدينة كركوك تأيخ عريق في مجال الفنون التشكيلية، حيث تعود لمئات السنين، والتي لم تأفل رغم تعاقب أزمان القسوة عليها، بل بالعكس فقد زادتها الأزمنة القلقة رسوخاً وبهاء، ذلك التأريخ والشواهد الفنية تحتضنها قلعة كركوك و(قرى نوزلي وجرمو) الواقعتين بالقرب من مدينة (جم جمال) خير دليل على قدم الفنون التشكيلية في هذه المدينة العريقة. أما بالنسبة للتأريخ المعاصر للفن التشكيلي في كركوك والذي يعود على الأرجح الى نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن المنصرم، وكان أوجها في بداية خمسينيات القرن المنصرم، والتي شهدت ولادة أول تجمع فني بأسم (أصدقاء الفن) والتي إستمدت إسمها من (أصدقاء الفن) التي ظهرت قبلها في مدينة بغداد، وقد سميت فيما بعد بأسم (فناني لواء كركوك) أو (جماعة فناني كركوك) التي تأسست على يد ثلاثة من الفنانين الكركوكيين وهم كل من الفنانين (محمود العبيدي/ صديق أحمد عاشور/ سنان سعيد). إمتازت مدينة كركوك بكثرة النشاطات التشكيلية، وذلك بسبب وجود(شركة نفط الشمال)فيها، حيث كان يعمل فيها خبراء ومهندسين وكذلك عمال وموظفين بريطانيين في مجال النفط، وقد أقامت السيدة البريطانية (ساووت بي) معرضاً تشكيلياً في أواسط الخمسينيات في مدينة كركوك. تشير بعض المصادر الى أن الفنان الكوردي المعروف (عزيز سليم) أقام معرضاً شخصياً في مقهى (يد الله) بـ(منطقة الشورجة) في كركوك عام (1934) والتي ضمت (6) لوحات من أعماله التشكيلية، مع تحفظنا على ماورد في تلك المصادر فأنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة. ومن ناحية أخرى، تطرق الفنان الكوردي المعروف (أزاد شوقي) في عدد من اللقاءات التلفزيونية والصحفية عن فترة تواجده وعائلته في مدينة كركوك وعلاقاته مع التشكيليين الكركوكيين ونشاطاته معهم حيث أقام معرضين مشتركين ومنفصلتين مع كل من الفنانين (محمود العبيدي وسنان سعيد)، وقد تطرق الفنان الراحل (محمود العبيدي) إليها.

وكذلك أقام الفنان التشكيلي الكوردي (خالد سعيد) والمعروف بـ (فريشتة) عام 1950معرضاً تشكيلياً في قاعة (المكتبة العامة) القديمة بمدينة كركوك. يتضح لنا من خلال بعض المصادروالنشاطات التي أوردناها هنا تهافت ورغبة فناني محافظة السليمانية في إقامة المعارض الفنية في هذه المدينة في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، وذلك بسبب النشاطات التشكيلية التي كانت تقام فيها. والجدير بالذكر يعتبر الفنان التشكيلي الكوردي الكركوكي (بديع باباجان) أول فنان يلتحق للدراسة بـ(معهد الفنون الجميلة – في بغداد) من مدينة كركوك ومدن إقليم كوردستان. كما أسلفنا سابقاً لقد تميزت ثمانينيات القرن المنصرم في مدينة كركوك بكثرة النشاطات التشكيلية المميزة كماً ونوعاً، إذ شهدت تطوراً ملفت للنظر من ناحية المستوى والإبداع الفني الذي واكب التطور الفني والمذاهب والمدارس الفنية التي إنتشرت في العراق والعالم. أما بالنسبة لحاضر ومستقبل الفن التشكيلي في مدينة كركوك فإنني(أرى بصيص ضوءٍ في نهاية النفق) إذ ظهرت في العقدين الأخيرين طاقات شبابية مبدعة وواعدة، والتي تواكب لوحاتهم وتجاربهم الفنية تجارب التجديد والحداثة التي شهدتها الفن التشكيلي في العالم.

- اليوم نعيش حالة يشبه ما كنا عليه عشية ايام مجازر 1959 حيث الماسي التي حصلت لابناء المدينة عشية الاحتفال بمرور عام على تغير النظام الملكي عن طريق ثورة او انقلاب عسكري وما رافقه من ماسي في السنوات التالية من إعدامات لخيرة أبناء المدينة. هذا الاحتقان الشديد في العلاقات الإنسانية في المدينة تتجدد كنتيجة لفشل جميع القوى السياسية في إعطاء شعور الأمان للمواطن والابتعاد من التميز القومي بين مكوناتها السكانية. هل نرى بصيص نور أمل في المستقبل ام نحن بحاجة الى مؤتمر وطني لابناء كركوك للحوار وحل الخصومات وانهاء حالة الخصام في المجتمع بعيدا عن الأجندات الحزبية؟

*عذراً لقد تطرقت لبعض جوانب هذا الإحتقان في ردودي السابقة، مع ذلك أضيف هنا.. إنها ليست شرب نخب الإنتصار، أو جرع سموم وألام الخيبات والهزائم، ولاحالة من نبش جراح الماضي وأخطاءها، إنها ليست فقط مساحة جغرافية في وطن في مهب الريح، إنها النشوء والترعرع بين أحياء مدينة من فسيفساء أطيافٍ إنتمت إليها منذ مئات السنين، إنها بكل تأكيد ليست فوران عقول وغرائز السياسيين ومنظري أسواق الشعوب. بل على العكس إنني أرى السياسة هي تلك التي تولد من رحم الأدب والفن العظيم التي تنادي بالتغيير ونبذ كل أنواع الإحتقان، والتي هي بكل تأكيد صرخة شعب مظلوم ومسحوق يطالب فقط بفسح الطريق لوصول (صخرة سيزيف) للقمة والخروج من عبثية (في إنتظارغودو)، وكذلك الخروج عن كونه فقط جثة يتلهى بها الأخرين من ذئاب مفترسة لاترى منها لحمها الهزيل الذي يغطي عضاماً أصابها الكساح.... فها نحن نحاول منذ عقود نزع الحذاء الذي بات يلازمنا ونرتديه حتى في أحلامنا ومناماتنا التي قلما نصحوا منها دون فزع أو خوف.

في الختام نشكر وسعة صدركم للإجابة على أسئلتنا سالين المولى عز وجل حفظ أبناء المدينة ونشر الأمان في قلوبهم.

***

اجرى اللقاء: توفيق رفيق التونجي

في المثقف اليوم