تقارير وتحقيقات

الدكتور خزعل الماجدي في محاضرته الأخيرة في لاهاي:

فقد استضافه اتحاد الجمعيات العراقية الديمقراطية في هولندا في النادي الثقافي المندائي في لاهاي، وقدمه الروائي كريم كطافة الذي استعرض سيرة المحاضر ومؤلفاته وتنال أهمية مثل هذا المشروع الثقافي الكبير الذي تتبناه إتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا والذي ينبع من المادة التاريخية والثقافية الجديدة في الإسلوب والمضمون، بعدها قدم السيد كريم مداخلة عن اهمية هذه المحاضرات التي تنقل للجالية العراقية صورة عن ماكانت عليه حضارات العراق الاولى، التي كانت متواصلة. واضافة ان تلك الحضارات كانت متواصلة لبعضها ولم يحصل تقاطع فيما بينها لانها كانت تمثل عملية تراكم او ترافد وامتداد من حضارة الى حضارة اخرى. لكن التغيير الذي حصل على تلك الحضارات من قوة خارجية لتلك المنطقة مما ولد فراغ في معرفة تلك الحضارات وتأريخها. واكد من ان الهدف في هذه المحاضرات التي تمد لسنة 2013 هي محاولة ملئ ذلك الفراغ واعادة الذاكرة الى الوراء لمعرفة تأريخ الارض والبشرية، بالاخص تأريخ حضارات العراق.

 ثم بدأ المحاضر محاضرته (الآموريون : الساميون الأوائل) والتي عرض فيها مايقرب من 140 سلايد فقد تتبع جذورهم من مرحلة سومارتو ثم مرحلة العبيد ودول المدن الآمورية الأول ثم الثاني . وقد توصل إلى أن مايعرف بالساميين هم أقوام عراقية قديمة نشأت في وادي الرافدين (ميزو بوتاميا) وفي محيط الرافدين (إبيبوتاميا) وهو مايعرف أغلبه اليوم ب(العراق) وفنّد  سبع نظريات نادت بالوطن الأول للساميين  وخصوصاً نظرية جزيرة العرب  التر رأى أنها تفتقد للأدلة الآثارية ولايوجد مايؤيدها سوى الفرضيات النظرية التى وضعها قبل أكثر من قرن مجموعة من علماء الآثار والتاريخ  مثل شبرنجر وكيتاني ونيلسون وسايس وغيرهم والتي رأى أن المؤرخين العرب والعراقيين بشكل خاص تهافتوا عليها وتبنوها دون تمحيص ورفض ال(جزريين) الذي وضعوه كبديل للساميين لأن هذا المصطلح يصادر حقيقة أن العراق هو الوطن الأصلي للساميين، وقد قدم الأدلة على أن العراق القديم كان هو مهد الساميين ومهد أكبر موجة سامية وهي الآموريين ويكون بذلك قد تقارب مع نظرية قال بها  الألماني فون كريمر وكويدي وهومل لكنه أضاف عليها الكثير .

ورأى الدكتور الماجدي أن الآموريين والآراميين والكنعانيين الذين أسماهم  (شعب شام) هم موجات متلاحقة لشعب واحد في أطوار مختلفة من التاريخ، ورأى بأن شعب شام استقر في بلاد الشام واعطاها اسمه أما الأموريين والآراميين فقد توزعوا بين العراق والشام وأسسوا المدن والممالك المعروفة .

كانت أقدم الهجرات الأمورية من العراق نحو بلاد الشام وشمال أفريقيا وجزر المتوسط وجنوب أوربا(وخصوصاً إيطاليا) وكذلك هجرتهم نحو الخليج وجزيرة العرب  حاملين معهم منجزات العصر الحجري النحاسي وحضارة العبيد التي يرى المحاضر أنها حضارة آمورية  مبكرة .

لكن الحضارة الآمورية في وادي الرافدين أينعت مع المدن الآمورية الأولى مثل( نيناب وماري وتوتول ورابيكوم وإيمار وإيار موتي)  وكانت تأسيساً واضحا للحضارة الآمورية إبان ظهور الحضارتين السومرية والسوبرية في العراق القديم، لكن الحضارة الآمورية بلغت مجدها في مرحلة دول المدن الآمورية الثانية التي بزغت فيها مدن( إيسن ولارسا وماري وأشنونا وزلماقوم وآنه وهيت وتربتوم ودلبات) وأخير بابل التي أسستها الأسرة البابلية الآمورية الأولى والتي أعادت توحيد العراق القديم وتكوين الإمبراطورية البابلية القديمة وخصوصاّ في عصر عاهلها الكبير حمورابي. وقد ظهرت مدن آمورية كثيرة في بلاد الشام ايضا في هذه المرحلة التي كانت تسمى  فيها كل بلاد الشام بلاد (آموريا)  أما فلسطين فكان اسمها الأقدم هو (مريام) وهو على صلة بالآموريين أيضاّ .

واستعرض المحاضر التاريخ السياسي للآموريين في هذه المدن  ثم تناول المظاهر الحضارية لها عير أربع محاور أساسية،فقد تناول المظهر السياسي عبر أشكال الحكم القبلي والمديني والإمبراطوري وتناول تركيب جيوشهم واعتمادها على  الفرق الراجلة والعربات واسلحتهم المعدنية، ثم تناول الجانب الديني  عبر المعتقدات والأساطير والطقوس والأخلاق والشرائع  حيث ركز على الإله القومي لهم (مر) والذي تحول  لاحقاً إلى مارتو ثم إلى مردوخ  وظهرت أشكال عديدة له في الأماكن التي حلّ بها الآمريون في الشرق الأدنى القديم وناقش بقية الآلة مثل حدد وعشتار وننورتا وداجون وعرض الكثير من صور الآلهة ورموزها وذكر بعض الأساطير المرافقة لها وقرأ مقاطع منها، وعالج الطقوس  الآمورية والشرائع التي ظهرت في الفترة الآمورية مثل شرائع بلالاما ولبت عشتار وأخيراّ حمورابي التي رأى أنها أكمل شريعة رافدينية قديمة انتجتها الحضارة الآمورية البابلية .

وقد عرض المحاضر رقيما نادراً من إيسن ولارسا عن هبوط عشتار(إنانا) إلى العالم الأسفل حيث تظهر عشتار عارية أمام حارس بوابة العالم الأسفل وتظهر الإلهة أرشكيجال وسط الصورة وهي تأمر بموت عشتار وحلل الأسطورة وشرحها.

وفي المظهر الإجتماعي للحضارة الآمورية تحدث المحاضر عن مكونات المجتمع والتقاليد والعادات والإقتصاد والقوانين .

أما في المظهر الثقافي فقد تحدث مطولاً عن شحة الآثار المتعلقة باللغة الآمورية وعن الآداب والفنون الأمورية في العمارة والرسم والنحت بكافة أشكاله  وعن العلوم الآمورية في الطب من خلال فحص الكبد والتنجيم ومقاييس الأوزان وغيرها.

وقد تجنب المحاضر الحديث عن مايخص بابل الآمورية مدخراّ إياها للمحاضرة القادمة التي ستكون مخصصة فقط للحضارة البابلية بكافة مراحلها وعبر أسرها الأحدى عشر من الآموريين وصولاّ إلى الكلديين .

ناقش الحضور الكثير من مواضيع المحاضرة وركزوا على المظاهر الحضارية والتاريخ السياسي وهجرات الساميين وأصلهم  وأجاب المحاضر عن أسئلة الحضور وقد استمرت المحاضرة والمناقشات  زهاء الأربع ساعات .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1596 السبت 04 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم