تقارير وتحقيقات

أمسية شعرية في سدني للشاعر العراقي غيلان

 الامسية الأخيرة جاءت بمناسبة صدور مجموعته الشعرية الجديدة "لا أحد هنا لا أحد هناك" الصادرة عن المركز الثقافي الكردي في استراليا واقيمت في النادي الثقافي الاشوري في سدني ورعتها أربعة جمعيات هي المركز الثقافي الكردي، جمعية الجامعيين العراقيين، مؤسسة أور الثقافية وغرفة التجارة العراقية في استراليا .

ما ميز تلك الأمسية الحضور الكثيف للجالية العراقية من مهتمين ومثقفين وشعراء، منهم الروائي عبد الجبار ناصر والشاعر جمال الحلاق والدكتور احمد الربيعي والشاعر عباس بوسكاني والشاعر وديع شامخ والقاص حسن ناصر وبعض الاعلاميين ورؤساء تحرير صحف تصدر في استراليا . ومن العرب حضر الشاعر البناني البارز وديع سعادة والاعلامي أنيس غانم وآخرون وقد قرأ البعض منهم شهادات عن تجربة غيلان الشعرية والشخصية ودار نقاش وعلا صوت غيلان وهو يقرأ من مجموعته الجديدة . ولم تغب الجهات الرسمية عن الأمسية إذ حضر ممثل قنصلية جمهورية العراق في سدني السيد محسن السامرائي وممثلية إقليم كردستان في استراليا وممثلية حزب الدعرة الاسلامية ( جناح عز الدين سليم ) ممثلا بابنه .

لم تكن الامسية تقليدية فهي ابتدأت بفقرة يبدو انها أصبحت تقليدا ً جميلا ً يسبق الدخول إلى الأمسية "الشعرية بالذات" فقد إستلت فرقة أور المسرحية حوارا ً من بين سطور المجموعة لتقديمها لنا كأنها مسرحية مستقلة . تلك الفرقة الدؤوبة بفنانيها المخلصين للمسرح عباس الحربي ومنير العبيدي رافقتهما فنانة عراقية شاءت أن تكون الصوت الثالث في المسرحية . أبدع الثلاثة في خلق جو يشبه أجواء بغداد المسرحية . هذا العرض الثالث وليس الاخير الذي أحضره لهذه الفرقة التي ما زالت متشبثة بخشبة لم تعد تعني الكثير للآخرين.

افتتحت الإعلامية الجميلة، ذات الصوت الدافيء "ماركو" الأمسية بسيرة مقتضبة لحياة الشاعر غيلان منذ مغادرته العراق في بداية الثمانينات ليضيف أسمه إلى القائمة الطويلة من الشعراء الصعاليك مما نتج عن الحقبة تلك تاسيسه لجريدة الرصيف في بيروت عام 1981 وما لحقها من تنقلات كان آخرها في الجبال الزرق كما تسمى .

بعدها القى الإعلامي والكاتب اللبناني أنيس غانم شهادته الشعرية عن غيلان الذي عرفه منذ سنوات طويلة قائلا ً: " في جنونه الجديد "لا أحد هنا ... لا أحد هناك"، تمنطق غيلان الشعر لستر عورة الحزن والخسارات وجسامة الفقدان.

ومن ثم جاء دور الشاعر البصري ليقرأ على الحضور مداخلة نقدية أضاءت الكثير من النقاط في شعر وتجربة غيلان ومكونة مع قصائد المجموعة مفاتيحا ً لربط الشعر بمجمل الثقافة.”

يستفهم  الشاعر وديع شامخ في  مقالته النقديه بالقول" كيف يمكن للقراءة الشعرية أن تستقيم في حضرة غيلان الملتبس بين الإجتماعي والابداعي في وحدة لا نستطيع فك عراها إلا بما تمنحنا حياة غيلان ذلك التوافق الهارموني العجيب مع شعره ... هنا تصح قراءة غيلان الإنسان والشاعر معا.

غيلان إبن اللحظة الهاربة،  فاذا كانت اللحظة الشعرية ميتافيزيقية، فالشاعر وحسب باشلار  أيضا "  هو، دليل طبيعي للميتافيزيائي الذي يرغب في فهم قوى الاتصالات اللَّحظية كلِّها، وحماسة التضحية، من غير أن يترك لازدواجية الذات والموضوعة الفلسفية الفظَّة أن تقسمه، ومن غير أن يترك لثنائية الأنانية والواجب أن توقفه. ويُنشِّط الشاعر ديالكتيكيًّا. ويكشف في الوقت نفسه، في اللحظة ذاتها، عن تضامُن الشكل والشخص. ويثبت أن الشكل هو شخص، وأن الشخص هو شكل. ويصبح الشعر، هكذا، لحظةَ علَّة صورية، لحظة القوة الشخصية. عندئذٍ يهمل ما يحطِّم وما يُفكِّك، ويهمل مدةً تتبعثر أصداء. إنه يبحث عن اللحظة. ليس في حاجة إلا للَّحظة. يخلق اللحظة."...

بعدها تابع وديع  شامخ تحليل نصوص مجموعة الشاعر الاخيرة " لا أحد هنا .. لا أحد هناك" .. حتى خلص الى نتائج متعددة أهمهما كما  يقول" لقد  مضينا مع الشاعر متفحصين أهم المهيمنات النصية التي تدلنا الى رحلة الشاعر الى أعماقه  الصافيه ..الى روحه،الى ذاته.. الهجرة الى الروح ما كان يسكن غيلان في هذه المجموعة التي أزعم أنها من أدسم ما كتب ومن أقرب النصوص الى الروح الشعرية الصافية  والتي عاد بها غيلان بعافية شعرية مكتنزة، وهذا بتقديري هو سر الشاعر الحقيقي الذي ينبعث كالفينيق دائما . إن نصوص غيلان نصوص إنسانية مليئة بالنقص والندم والخيبة والخسارات والتشرد والرثاء، لا بطولة ولا فحولة فيها، فيها آهات وحرقة إنسانية عالية، وهي سمات لم تتوافر في الكثير من نصوص غيلان السابقة"

القاص والكاتب حسن ناصر ابتدأ حديثه عن تجربة الشاعر غيلان بايراد مدخلين لفهم الشعر أو لنقل نقد الشعر الأول تفسير النص على أساس تناول الرموز المعرفية للنص والآخر هو التأويل وهو خلق نص مواز أو انتاج آخرعلى ضوء قراءة تفسيرية للنص الأصلي . ثم تحدث عن علاقته بالشاعر التي كانت في الثمانينيات ومذ ذلك الحين وهو يحرص على ابقاء الصداقة تلك نابضة وحية .

وكان للشاعر الكردي عباس بوسكاني مساهمة أو محاولة للكتابة المحايدة بين غيلان الشاعر وغيلان الصديق، وربما نجح الأخير بالكتابة عن الاثنين .

" أجد صعوبة في الكتابة عن غيلان، أراني أعاني من أن أرسم الخط الفاصل بين غيلان الشاعر وغيلان الصديق، فهو في شعره جسر ممدود أكثر طيبة وسلاما، وفي حقيقته شعر متجسد يتحرك بوحشية على جثة حية نسميه بالشاعر "غيلان". الخط الفاصل بالنسبة لي أن أعزل أناي الشاهد على عمر وذكرى وأتوجه بالتمسك العضوي مع نصه.صعب علي أن أكون هذا الصقيع الذي يقرأ إسم جان دمو بديوان غيلان ولا أربطه بتاريخه ببيت غيلان، هو تشرد جان الشاعر الذي مثّلَ كل دمار الوطن على جسده وهو يقهقه. مع الصعوبة سأتحدث عن شعر غيلان، لا عن شعره ككل والذي أصبح لي كشهادة عُمر، وإنما عن ديوانه الأخير "لا أحد هنا لا أحد هناك" من منشورات المركز الثقافي الكردي؟ أستراليا وسأكتفي بقرأة نقدية لقصيدة "رأيت“:

أعود الى المنعطفات

نهرٌ على كتفيّ، ما أن يهُم الحرف بإرواء ضمأهِ منهُ

تتناهشه المناجلُ

وفي النهاية وبعد أن قرأ الجميع ما قرأوا وقال الجميع ما قالوا نهض غيلان وكأنه استفاق توا من نوم طويل وقرأ مقدمة المجموعة فقط ومعتذرا ً من قراءة أي شيء آخر .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1185 الخميس 01/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم