تقارير وتحقيقات

مؤسسة المثقف العربي ووجه العراق الواحد / صالح الطائي

 

أن ترفع شعارات دون تطبيق أو تعمل بدون شعارات معلنة أمران محيران تراهما قريبان من الحقيقة والخيال بمسافة واحدة؛ أما إذا رفعت شعاراتك مهما كان توجهها وغاياتها ثم سعيت بجد وحرص ومسؤولية إلى تطبيقها على أرض الواقع فتلك أقرب إلى الحقيقة من أي قول أو فعل آخر. وتبقى مسألة الحكم على نزاهة أو قذارة تلك الشعارات متروكة للناس أنفسهم، فهي كلما كانت قريبة من شريعة الله قريبة من الناس ومن سنن الحياة ومصالح البشر كانت نزيهة بل ومقدسة أيضا. وكلما أوغلت في البعد عن الله وتفننت في إيذاء الناس وعرقلة مسيرة الحياة كانت قذرة خسيسة حقيرة.

وفي ضوضاء هذا العالم الكوني اللامتناهي، وضوضاء عالم ما بعد التغيير في العراق عشنا نحن العراقيين هذه المحطات وتصادمنا مع كياناتها حبا أو كرها؛ وكانت في غالبيتها مشاريع قذرة آذتنا وأرهقتنا حتى أصبنا بالإعياء والإحباط والقنوط بل واليأس والعبثية فعدنا لا نؤمن بقول أو بفعل مهما كانت درجة وثاقته طالما أن هناك تلونا ينتشر في مدى يمتد فوق طاقة إدراكنا وأبعد من مراحل استيعابنا، ليس لقصور فينا وإنما لأن المكر والدهاء وصل إلى درجة تخدع وتْوهِمُ وتُحَيرْ أرجح العقول.

من صخب هذه الضوضاء جاءت مؤسسة المثقف العربي وموقعها صحيفة المثقف لتعلن عن مشروع خيِّر نزيه فيه جوانب من لب الإسلام ومن جوهر الحضارة والتمدن ومن تعاطف الإنسانية ومن روح السلام وثقافة القبول والسعي للعيش المشترك بعيدا عن الأنوية والتحزبية والفرقية والمذهبية والدينية، فبدا مشروعا غير قابل للتطبيق على أرض الواقع نظرا إلى التحديات العظيمة التي تقف قبالته والتهويمات التي تكتنف الساحة مزاحمة ومناكفة له حتى بدا سمكة صغيرة بين حيتان وعمالقة. ولكن من قال أن السمكة الصغيرة لا يمكن أن تنجو من قضم الحيتان مهما عظمت! فلو كان هذا الأمر صحيحا لكانت الأسماك قد انقرضت منذ عصر التاريخ الأول ولم يعد لها وجود ولكانت البحار الآن تعج بالحيتان المفترسة وحدها؛ أما مع وجود الأسماك بهذه الوفرة فذلك معناه أنها تمكنت من الإفلات من فكوك المفترسات ونجت من وحشيتها وأعلنت عن نفسها.

وعلى مدى ثلاث سنوات أو أكثر كان هذا المشروع ماثلا أمامي وكنت أؤمن به حينا وأحبط منه أحيانا أخرى إلى أن قررت المؤسسة تنظيم لقاء في بغداد لتكريم الباحثين والكتاب والأدباء الفائزين بدرع المثقف والشهادة التقديرية لعام 2012 ولكوني أحد المكرمين ورغبة في لقاء الأحبة الذين عرفتهم من خلال الصفحة ولم أتعرف عليهم على أرض الواقع شددت الرحال إلى بغداد ويممت وجهي صوت إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وهناك كانت المفاجأة! كان المشروع الذي نادت به المؤسسة ماثلا عيانا أمام الناس بدون تزويق أو تجميل لأنه كان الأجمل والأبهى حيث ضمت القاعة ورودا متنوعة الألوان والعطور تماما كما يمكن لك أن تتخيل وجه العراق الواحد الذي افتقدناه منذ سنوات طوال، كان هناك البصري والواسطي والكربلائي والبغدادي والتكريتي. كان هناك العربي والكردي. كان هناك المسلم الشيعي والمسلم السني. كان هناك المسلم والمسيحي. كان هناك ألوان قوس قزح تنشد للحياة الجميلة التي كنا نأمل أن نعيشها والتي غابت عن عيوننا منذ أمد بعيد.. تنشد للحب بأسمى صوره وأنقى درجاته.. تنشد للإخاء الذي يجمع الإنسان بأخيه الإنسان.. تنشد للعراق الحبيب الواحد بعيدا عن كانتونات الفرقة وفرق التخريب.

وخرجت من الاحتفال وأنا مؤمن بحقيقة واحدة وهي أن الرجال العظماء ممكن أن يخلقوا مشاريع عظيمة؛ وان المشاريع العظيمة مهما كانت صغيرة في بدايتها ممكن أن تصمد بوجه الهجمات مهما اشتدت قسوتها وتنوعت وسائلها وآلياتها، وهذا هو التكريم الحقيقي لأنه يزرع في النفس أملا بغد مشرق لعراقنا وأهلنا وأولادنا وأحفادنا وهو جل ما نطمح إليه ونتمناه.

وأنا حينما أستعرض هذه الحالة إنما استعرضها بعقلية باحث عن الحقيقة أضناه السعي وراءها واتعبته السنين بحثا عنها فتسلط عليه اليأس والقنوط وهو يرى أيامه باتت قريبة ولا من بصيص ضوء يلوح في الأفق البعيد، فما بالك بمن يبحث عن بصيص فيصطدم بمشعل وهاج يملأ الآفاق نورا! 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2244 الأحد 14 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم