تقارير وتحقيقات

ميثولوجيا قيد الإنجاز في معرض الفنان أحمد مزعل

eman waeliأجمل مافي الحلم إنّه بعيد عن الواقع لكننا إكتشفنا هنا إن القوانين محض لعبة في آتون اللون، إذ تعالت الصرخة الأولى بتغريدة مميزة نثرت على شبابيكنا رذاذاً بطعم حلو وعطر فواح استفز الحاضرين وأدخلهم عنوةً الى ملكوته الساحر .

تمنيتُ أن أتكلم لكنما زاحمتني الألوان، حاولتُ المرور بين تفاصيلها الضاجّة بالعذوبة والمعنى، إستوقفتني وتكلمت بدلاً عني وعن الجميع فكانت اوركسترا ندية كسرت طوق يباب القاعة ورتابة ممرات وزارة الثقافة المظلمة الباردة .

في معرضه الذي وِلدَ هناك إحتفل بعرس الوانه، هي مفردات يومه أتقنَ صياغتها بحرفية الإنسان والفنان والمبدع والراوي كانت الوانه تتحدث بشكلٍ عميق فسحت المجال للكون أن يدلي بتفاصيل عذوبتهِ وترانيم أفكارهِ .

77-ahmadmizel

"أحمد مزعل" في تجربةِ ظل وضوء لم تكتمل في بعض مجرياتها إلا إنها فاقت الكمال في حضورها الطاغي .. ماهرٌ بحرفتهِ، أجاد لعبة الرقص على قماشة اللوحة بطريقة الحاذق المولع بعوالمه الأولى والتي تأبى مفارقة مخيلته حتى وهو يسبح في ملكوت سموات أخرى إستنطقت روحه لكنها لم تسرق منه نبضه بقدر ماجادت عليه بإيقاظ قريحته وسمو أنفاسه وخصوبةً لأرضهِ التي حاولت المآسي جدبها . لقد أتى مزعل بالشوارعِ والأسواق والأرصفة وشاكسَ الأزقة المائلة للإصفرار وحمل معها متاعب أيامها المثقلة بهمومِ أهلها ونثرها على الجدران بكلِّ صدق وحميمية ففاضت بجمالٍ آخاذ وسحر لايوصف .

669-iman

لم تمنحه الوزارة شيء بقدر ماوهبها هو بمنجزهِ الباذخ فرصةً للحياة .. إنطلقَ من ذاتهِ وأختزلَ تفاصيل الإنسان العراقي هو أبنُ الأرض البار وجارُ المواجع المسكون بندبِ الجروح المتقرحة، حددَ وجهته ورسمَ سبله وأختار أن يكون ضمير الناس الناطق فكان وفياً لقضيتهِ مخلصاً لفنهِ . واقعيتهُ المفرطة أخلصت لتعبيريتهِ الواضحة وحرصَ على إقتفاءِ ثيمةَ الزمن بكلِّ أبعادهِ وبتعدد أمكنته ورغم مباشرته بالطرح إلا إنّ منجزه لم يفقد جماليته الواضحة وذهول المتلقي أمام ضرباته اللونية التي جعلته يستمع الى اللوحة أكثرَ مما يغور برؤيتهِ في مدياتها، الفنان في تجربته لم ينتقِ الأشياء بل حرصَ على نقلها بتقنية فنية ومباشرة الى المتلقي فكان قريباً من معاناة الأنسان ومنصفاً له .

الظل العميق بكل تفاصيله المخبوءة بين هضبات اللون المتناثرة وإسقاطات الضوء المنسكبة بتروٍ وذهول هي إنطلاقة "أحمد مزعل" الفنية وبداية مشاريع خاضعة لمزاج فنان يعشق الترحال في ربوع المعاناة ويستهويه التحرك في مداراتها .

 

إيمان الوائلي..

 

في المثقف اليوم